| محليــات
حين تضع إصبعك فوق أزرة لوحة مفاتيح أجهزة التلفاز، فإنَّك سلفاً تتوقع أنَّك سوف تشاهد مآسي الإنسان.... ليست المبكية وحدها، بل المغُضبة...، والمثيرة ليس لكوامن الدهشة، بل المثيرة للتّفكر فيما وراء كلَّ هذا التكتل الحممي في السلوك البشري العام... ذلك، لأنَّك قد وضعت دهشتك داخل صندوق محكم الإغلاق، وألقيتها تحت أنقاض الاطمئنان الموجب، حين كان لك عهد بالاطمئنان... أما وإنَّ الإنسان تعاقد مع الفزائع والفجائع، فإنَّك لن تتوقع غيرها...
وإن حدث وأنت تُحرِّك اتجاه الأزرة من فضائية لأخرى، ووقفت على مشهد طبيعي، أو وجه باسم، أو لوحة جميلة، أو حتى صوتٍ فَرحٍ مستبشر، فإنَّك حتماً سوف تهزُّ رأسك بشدَّة، وتنفض، أو تحاول، أن تنفض، عن رأسك، فكرة عابرة تؤكد بها لنفسك أنَّ الزمن لايزال فيه من يضحك، ومن يشعر،... لحظتها لن يكون تفكيرك في إيجاب هذه الفكرة، بل سوف تتوقَّع أنَّ خللاً ما قد حدث...، وبدل أن يكون الخير هو السائد المألوف، فإنَّ العكس هو الأصح...، ويتحوَّل أيَّ شيء جميل، إلى شيء غير ذلك...
ربّما تتوقَّف، ويتجمَّد إصبعك وتسأل: هل هؤلاء لا مشاعر لهم، يتفاعلون بها مع الإنسان على مستوى رقعة الأرض؟، أم هل هناك نفوس سوية، قادرة على ممارسة الحياة، في بلادة متناهية، والعالم كلُّه فوق سفُّود الأحداث، يتلظى بنيران الإنسان، أم أنَّ هناك ما يدعو إلى غربلة واقع الإنسان، وفحص أوراقه، وفتح ملفاته، وقراءة ما وراء سطور واقع أحداثه؟...
لماذا بُعثتْ شرارة الشَّر في شرايين الإنسان، حتى غدا يأكل نفسه بنفسه؟!
وكيف تحوّل الشارع الهادىء بجوار الأنهار المنسابة في رخاء، إلى كتل من الدَّم والنَّار؟،
لماذا طفحت صدور النَّاس بكوامنها الدّفينة؟...
ولماذا انبجست الشرايين، عن أوبئتها المختبئة؟...
ولماذا انفجرت عيون الأمراض، في نفوس النَّاس؟...
ولماذا يحدث كلُّ هذا في مدّة زمنية، متقاربة، متواترة، متتالية، تنهال فيها الأحداث متلاحقة، لا تكاد تترك للصدور أن تتنفَّس، ولا للحلوق أن تزدرد...
هل يمكن للإنسان السَّوي أن ينام هانئاَ؟
أم هل يمكن للإنسان العاقل، أن يتجاهل ما حوله؟...
أم هل هناك رغبة في النُّفوس السليمة، كي تفرح؟ وتتفاعل؟ بل للأفواه الطاهرة، أن تلتقم الزاد؟ أو ترتشف الماء؟ في ممارسة طبيعية للحياة اليومية، في ظل انتهاك حرمات البشرية؟!
إنَّ إصبعك فوق لوحة أزرة أجهزة النَّقل، خير شاهد لكلِّ ما تسمع وترى... وعليه...
ولكلِّ ما يقلب في ظنِّك، كافَّة المفاهيم المثالية، التي كنت تستمع إليها، وكنت تؤمن بها، أو حتى تعمل على أن تقنع بها... فيما حولك من العالم الكبير، الذي قرب منك...، وجاءك بإصبعك فقط..
إنسان الأيام، في واقع الأيام، أثبت فشله في تحقيق المفهوم السَّوي لممارسته الحياة.. وأين؟
في العالم الذي يدعى الحضارة...، والتحضر... ويهيمن على مفاهيم الحضارة، ويحرص على أن يكون ممثِّلها...
فكيف يكون الإنسان عالماً وهو جاهل...؟
وكيف يكون مسؤولاً وهو مفرط...؟
وكيف يكون واعياً وهو غافل...؟
وكيف يكون معلِّماً وهو مقصر...؟
وكيف يكون مسالماً وهو محارب...؟
وكيف يدعي ما لا يفعل؟ ويتسلّط على ما لايملك؟ ويمضي على الأرض لسانه الآلة، ويده المُدْية، وفكره مركَّزٌ داخل آلة حرب، وخلف شظِيَّة نار...، وقلبه مغلَّفٌ بالحديد، داخل متاريس من صخر.، لا عيون لضميره، ولا بصيرة لنفسه، وعقله، ولا آذان له، تسمع صرخة استغاثة، أو أنين مدحورٍ تحت أنقاض، أو فوق نعوش،...
... ... ... ...
أوَ ليس هذا الإنسان، هو من يحفر قبره، ويدفن نفسه؟...
الأرض، ألم يفتح مسامَّها إنسان هذه الحقبة مدافن؟... تتقاذف البشر في كلِّ لحظةٍ، وآن؟
ويغمر تُربتها، بمياه حمراء، إذا ما أقامها آباراً، دَلَتْ له الدلاء بالدماء...؟ كي لا يرتوي إلاَّ منها؟...
فالإنسان يشربُ دمه...
ويأكلُ لحمه...
و... يلهو بعظامه...
وإصبعكَ شاهد على أي حال تردت إليها البشرية...، وكلُّ الأشياء تختلط...، وتتلمَّظ...،
و....
ألا يحتاج الإنسان إلى صحوة ضمير...؟...
يهتدي بنورٍ... ما غادر محمدٌ بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الأرض إلى باطنها، إلاَّ وقد أرسى ينابيعه، وفجَّرها...، وأقام دعائمه، ووطَّدها؟...
ألا يكون هناك، من يخلِّص البشرية، بهدي الله...، حين تنهضُ همم المؤمنين، كي تُجلِّي عن سماحة هذا النَّبع، وقوَّته، وقدرته على أن يكون هو المطهِّر، من أدران هذا الغُثاء الحممي، الذي عمَّ الأرض؟...
اللهم فزد إيماننا ورسِّخه...، وبه أدم علينا لحظات السلام...، واطمئناناً لا يغادر صدرونا مدى الأيام.
واحفظنا به... وجلِّ عن حضارتنا التي لا نور إلا فيها.. ولا سلام إلاَّ عنها.
|
|
|
|
|