| قمة مجلس التعاون
* القاهرة مكتب الجزيرة علي البلهاسي:
وسط ظروف دولية صعبة وتحديات اقليمية كثيرة، عقد قادة وزعماء دول مجلس التعاون الخليجي قمتهم الثانية والعشرين في مسقط بسلطنة عمان، وسبقت القمة تطلعات وآمال كثيرة من جانب شعوب دول المجلس التي تأمل في تحقيق تعاون وتكامل خليجي حقيقي وقرارات أكثر فعالية في هذا الشأن.
وخرجت القمة بالعديد من القرارات المهمة في هذا الصدد لعل أهمها التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية التي تقتضي إنشاء اتحاد جمركي وعملة خليجية موحدة، وكذلك تكوين مجلس أعلى للدفاع المشترك وتشكيل قوة مشتركة من 20 ألف جندي في إطار التعاون الأمني بين دول المجلس.
وبعد اختتام أعمال القمة وصدور قراراتها بادر المحللون بتقييم مدى نجاحها في تحقيق آمال وتطلعات الخليجيين.. فهل نجحت القمة بالفعل في تحقيق هذه الآمال؟.. وما الذي كان ينتظره الرأي العام الخليجي من قادته في هذه القمة؟.. التقرير التالي يبحث في نتائج القمة ومدى نجاحها وارضائها لتطلعات الشارع الخليجي.
20 عاماً في الميزان
انعقدت آمال الخليجيين على هذه القمة التي عقدت في ظل ظروف اقليمية ودولية بالغة التعقيد وفي ضوء تحديات كثيرة وتطورات متسارعة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبدا وكأن الرأي العام الخليجي قد وضع أمام القادة الخليجيين في هذه القمة كشف حساب لمسيرة مجلس التعاون الخليجي خلال العشرين عاماً الماضية، وطالبهم بقرارات فعالة لدفع عجلة التعاون بين دول المجلس وازالة الحواجز التي تحول دون تحقيق التكامل بينها.. وانقسم الرأي العام الخليجي بين متفائل ومتشائم بالنتائج التي يمكن ان تحققها القمة الثانية والعشرون لدول مجلس التعاون الخليجي في مسقط.
المتشائمون رأوا انه لن يكون هناك جديد في قمة مسقط، وانها ستكون مثل القمم السابقة تبحث عن الطرق السهلة وتحاول تأجيل القضايا الرئيسية، وانه سيسيطر عليها البطء الشديد في معالجة القضايا الخليجية مثلما حدث في معظم أعمال القمة الخليجية السابقة.. وأشار هؤلاء إلى انه حتى الآن لا توجد سياسة نفطية واحدة لدول المجلس رغم انها تعتمد على النفط كمصدر أساس، وليس هناك تنسيق في شراء الأسلحة أو تنسيق بين الصناعات الكبيرة، وحتى حلم التنقل الفردي وانسياب السلع والبضائع مازال محاصراً بقوانين ومراكز حدودية وتعقيدات وجوازات سفر. وأكد المتشائمون انه بالرغم من حدوث إنجازات لا بأس بها في العمل الخليجي المشترك إلا انها بالمقارنة بالإمكانات أقل بكثير من المأمول، ومن المفروض ان يحدث، وذهبوا إلى ان دول المجلس مازالت بعيدة عن التكامل الاقتصادي الفعلي ومازال مطلب المواطنة الخليجية بعيداً عن التحقق على أرض الواقع، كما ان هناك ثغرة كبيرة في أداء المجلس فيما يتعلق بالقدرات الدفاعية لدول المجلس التي مازالت دون المستوى المطلوب بكثير خاصة في ظل التهديدات الكبيرة التي تواجهها معظم الدول العربية.
وتطلع أصحاب هذا الاتجاه إلى ان تتمكن القمة من إنقاذ ما يمكن انقاذه وان تنفض الغبار عن المشاريع الاستراتيجية المؤجلة وتقنع بها الدول الأعضاء وتأخذ قرارات حاسمة وجريئة، وأكدوا انه بعد مرور كل هذه السنوات على إنشاء مجلس التعاون الخليجي لم يعد مقبولاً التحدث عن البطء والتدرج وتأجيل القرارات بشأن القضايا المهمة خاصة في ظل التحديات الهائلة التي تواجهها دول المجلس، وقارنوا في هذا الصدد بين تجربة مجلس التعاون الخليجي وتجربة الدول الأوروبية التي قطعت شوطاً كبيراً في طريق تحقيق التكامل والوحدة الاقتصادية رغم انها لا يوجد بينها ما يوجد بين دول المجلس من روابط على جميع المستويات.
على الجانب الآخر رأى المتفائلون ان قمة مسقط ستكون قمة تاريخية لمجلس التعاون وانها ستمثل بداية مرحلة جديدة للعمل الخليجي المشترك وأكدوا ان مجلس التعاون قد حقق منذ إنشائه العديد من الإنجازات في جميع المجالات خلال العشرين عاماً الماضية، وهذه الإنجازات تؤهله لأن يخرج من قمته في مسقط بقرارات فعالة وحاسمة، فهناك أكثر من 1800 مصنع في دول المجلس تتمتع بسوق حرة، ولا تخضع منتجاتها للرسوم الجمركية في أي من دول المجلس، وهناك إجراءات أمنية واقتصادية وتجارية تم الاتفاق عليها لتسهيل تنقل المواطنين وانسياب السلع وحرية التبادل التجاري بين دول المجلس، فقد استطاع المجلس خلال السنوات الماضية ان يحقق قفزات اقتصادية تمثلت في الاتفاق على اقامة الاتحاد الجمركي وتوحيد التعرفة الجمركية واتخاذ الخطوات الأولى نحو الاتحاد النقدي والعملة الموحدة، والاتفاق على مشروع الربط الكهربائي.
وفي المجال العسكري والأمني تم اقرار اتفاقية الدفاع المشترك وتقوية درع الجزيرة والاتفاق على مشروع الاتصالات المؤمنة وإلغاء بطاقات القدوم والمغادرة عن مواطني دول المجلس، بالإضافة إلى إقرار المجلس الأعلى لأكثر من 35 وثيقة تتعلق بأنظمة وتشريعات واستراتيجيات في كافة المجالات الاقتصادية والبيئية والإعلامية والثقافية.
ويرى فريق المتفائلين ان مسيرة العمل المشترك في تصاعد وانها في تقدم مستمر رغم ما قد يعترضها من عقبات أو صعاب واعتبروا ان استمرار المجلس وانتظام اجتماعاته هو في حد ذاته إنجاز كبير ويبعث على التفاؤل خاصة في ظل فشل تجمعات اقليمية عربية أخرى لما يجعله التجمع الاقليمي العربي الوحيد الموجود والفعال الذي يعطي الأمل في إمكانية التكامل العربي، وهذا كله يؤهل المجلس لاتخاذ قرارات مهمة وفعالة في قمتهم الثانية والعشرين بمسقط.
كلمة ولي العهد
لعل أبرز وأهم أحداث قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت في مسقط هي الكلمة التي ألقاها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني في الجلسة المغلقة الأولى للقمة التي قال فيها: «إن الموضوعية والصراحة تتطلب منا ان نعلن ان كل ما تحقق حتى الآن جزء يسير يذكرنا بالجزء الكبير الذي لم يتحقق»، وقال منتقداً مسيرة العمل الخليجي: «إن دول المجلس لم تصل بعد إلى إنشاء قوة عسكرية واحدة تردع العدو وتدعم الصديق ولم تصل إلى السوق الواحدة ولم تتمكن من صياغة موقف سياسي واحد تجابه به الأزمات السياسية».
ودعا سمو الأمير عبدالله دول المجلس إلى التخلي عن التمسك المبالغ فيه بمفهوم السيادة التقليدي مؤكداً ان ذلك هو الذي يقف حجر عثرة أمام مساعي التوحيد.
وقد رأى المراقبون ان الانتقادات التي وجهها ولي العهد إلى مسيرة المجلس هي من الانتقادات النادرة التي شهدتها القمم الخليجية والعربية وانها دعوة صريحة للمصارحة والمكاشفة مع النفس وتعبر عن نبض ومطالبات الشارع الخليجي وطموحاته من القمة، وأكدوا ان هذه الكلمة المهمة تأتي في إطار الموقف السعودي الحاسم لدفع العمل العربي المشترك وتحقيق التكامل العربي، وهو ما أكده ولي العهد أيضاً في كلمته أمام القمة العربية بالقاهرة حينما دعا إلى اتخاذ قرارات عربية حاسمة لمواجهة التدهور الذي تشهده الأحداث في الأراضي المحتلة واطلق مبادرة المملكة بإنشاء صندوقين للانتفاضة والأقصى وهو ما جدد سموه الدعوة إليه في القمة الخليجية حينما قال «لسنا في حاجة إلى قمم طارئة تصدر عنها قرارات انفعالية».
نتائج القمة
خرجت القمة الثانية والعشرون لمجلس التعاون الخليجي بالعديد من القرارات والنتائج المهمة لعل أبرزها التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة بعد تعديلها وبدء اتخاذ إجراءات إنشاء اتحاد جمركي وعملة خليجية موحدة وكذلك تكوين مجلس أعلى للدفاع المشترك وتشكيل قوة مشتركة قوامها 20 ألف جندي مهمتها الدفاع عن أي خطر يواجه دول المجلس.
كما اتخذت القمة عدداً من القرارات الاقتصادية المهمة ومنها تقديم العمل بالاتحاد الجمركي لعام 2003 وتخفيض التعرفة الجمركية على السلع بين دول المجلس إلى 5% واعتماد النظام الموحد للجمارك وإنشاء هيئة خليجية للمواصفات والمقاييس وتعزيز جهود دول المجلس فيما يختص بحرية تنقل المواطن الخليجي وانتقال التجارة بين دول المجلس.
وعلى الصعيد السياسي أدان القادة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين محذرين من مغبة السكوت عن هذا الوضع الخطير وحمّلوا إسرائيل كامل المسؤولية عنه، وأعلنوا كامل تأييدهم للسلطة الفلسطينية والرئيس عرفات ودعوا الشعب الفلسطيني بكل فئاته لدعم وتأييد قيادته بما يعزز الوحدة الوطنية الفلسطينية.. وأشاد القادة بجهود المملكة والمساعي المحمودة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لتحريك عملية السلام وإعادة الحق الفلسطيني.
كما أكد القادة الخليجيون على ان السلام لن يتحقق إلا بانسحاب إسرائيل من كامل الأراضي العربية المحتلة، ورحبوا ببيان الرئيس بوش وخطاب وزير خارجيته باول اللذين حددا فيه رؤيتهما بشأن قيام الدولة الفلسطينية ودعوا الولايات المتحدة لوضع آلية لتنفيذ تلك الرؤية بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
وفيما يتعلق بالعراق دعا القادة العراق لتنفيذ التزاماته بقرارات مجلس الأمن واحترام استقلال وسيادة الكويت واعادة تعاونه مع الأمم المتحدة ولجان الصليب الأحمر الدولي وشؤون الأسرى وإعادة الممتلكات، ودعوا كلا من العراق والأمم المتحدة لإعادة الحوار في سبيل رفع العقوبات المفروضة على العراق واحترام استقلاليته وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
كما أكد الزعماء الخليجيون على سيادة الإمارات على جزرها الثلاث الواقعة تحت الاحتلال الإيراني ودعوا إيران إلى القبول بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية وحله بالطرق السلمية، واعترف الزعماء بالحكومة الأفغانية الجديدة وأبدوا استعدادهم للتعاون معها، وأدانوا حادث الاعتداء على البرلمان الهندي معبرين عن قلقهم من التوتر بين الهند وباكستان ودعوا مجلس الأمن للتدخل لحفظ السلام والأمن في المنطقة.
وأدانت القمة الارهاب بكافة أشكاله وأعماله مطالبين المجتمع الدولي بالتفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة وعدم إلصاق الارهاب بالإسلام وتحميله بما ليس فيه وأكدوا دعمهم للتحالف الدولي واستعدادهم للتعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة الارهاب.
نجاح أم فشل؟
على الرغم من تحفظ البعض على قرارات القمة الخليجية وقولهم بأنها عادية فيما يختص بالقضايا السياسية ولم تحقق الكثير فيما يختص بالقضايا الاقتصادية والتعاون الخليجي المشترك، إلا ان معظم المراقبين والمحللين السياسيين يذهبون إلى ان القمة خرجت بقرارات مهمة وفعالة بالفعل وخاصة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية التي كانت الموضوع الرئيس المطروح على جدول أعمال القمة، وأكدوا ان القمة بهذه القرارات قد حققت نجاحا كبيرا وخطت خطوات كبيرة نحو تحقيق التعاون والتكامل الاقتصادي رغم العقبات التي قد تواجه تنفيذ مثل هذه القرارات التي تفرضها سيادة كل دولة في مواجهة القرارات العامة للمجلس.
كما أكدوا ان مواقف القمة من القضايا السياسية الراهنة هي تأكيد على الموقف الخليجي الداعي إلى السلام والرافض لكل أنواع العنف والاحتلال، وذهبوا إلى ان مثل هذه المواقف تأتي في إطار موقف عربي موحد من هذه القضايا خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في سوريا ولبنان، وأشاروا إلى ان الموقف الخليجي الذي أكدته قمة القادة الخليجيين في مسقط من العراق يشير إلى حدوث انفراجة في العلاقات الخليجية العراقية وخطوة مهمة في إطار تحسين هذه العلاقات وفض النزاعات بين الدول العربية وبعضها البعض.
وأشار المحللون إلى ان اتجاه المجلس إلى سياسة محاسبة النفس والمتمثل في الانتقادات التي وجهها سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي لمسيرة عمل المجلس تمثل خطوة مهمة في إطار تحسين أداء وعمل المجلس في السنوات القادمة وهو ما يبشر بقرارات أكثر فعالية في القمم الخليجية المقبلة، وجدية في تنفيذ القرارات التي اتخذها قادة المجلس في القمم السابقة.
ورأى المراقبون ان نتائج القمة مقارنة بنتائج القمم السابقة تمثل نقلة نوعية في مجالات العمل الخليجي المشترك وبداية حقيقية لتنفيذ القرارات والاتفاقات التي تعززه وتدعمه، فقد انتقلت قرارات المجلس من الوعود والآمال إلى التنفيذ والتطبيق الفعلي وبرز هذا واضحاً في موافقة القمة على تفعيل الكثير من القرارات والاتفاقات التي سبق اقرارها وتقديم العمل بقرارات واتفاقات أخرى تمشياً مع التحديات والتطورات العالمية الراهنة التي تلقي بظلالها على المنطقة ككل.
ولعل بروز وجه جديد على رأس الأمانة العامة للمجلس متمثلاً في الأمين العام الجديد عبدالرحمن آل عطية يمثل بداية مرحلة جديدة لمجلس التعاون الخليجي وتجديد لآليات العمل المشترك بداخله خاصة وان كل وجه جديد يحمل معه أفكاراً ورؤى جديدة، وقد يعزز هذا الخبرة السابقة للأمين العام الجديد في مجال العمل السياسي والتعاون المشترك التي تبشر ببداية عهد جديد للمجلس يبدأ بتفعيل وتنفيذ قراراته.
|
|
|
|
|