| محليــات
كيف يستطيع الإنسان أن يوظّف وقته، وتفكيره في أذية الإنسان؟
وهو مناطٌ به أمر الحياة كلِّها، إذ حمل أمانة الأداء...، وأمانة البناء، وأمانة الأمانة فيها؟!
وهذه أخلاق الإنسان تتكوَّم كتلةً موبوءة فوق كفِّ العصر الذي نعيش فيه، ونمارس الحياة مع هؤلاء الأحياء الأموات، الأحياء الأحياء؟...
الإنسان منذ خلق يُحارب...
وأعتى أنواع الحرب، حرب الإنسان مع نفسه...،
والحرب كما تُظهر فروق القوة، من الحكمة، والحنكة، والذكاء، وقدرة القرار، وبسالة المواجهة، فإنّها أيضاً تُظهر فروق الضَّعف، من الدسِّ، والحقد، والوشاية، والتجبُّر، والنِّكاية، فهي...
كالمرجل، يُخرج ما هو مخبوء...
والإنسان صانع الحرب، مدبِّرها، باعثها، موقدها، القاتل فيها، والمقتول، تُظهر الحرب أخلاقه، هذا الإنسان...
فكيف وهو يفضح مخبوءه، وهو يحارب نفسه؟...
حرب النفس
غير جهاد النفس...
الإنسان حين يُجاهد نفسه، فإنّه يجاهد ما فيها من ضعف...
بينما هو حين يحاربها، فإنَّه يُقيم مصائد لوأد قوّتها...،
وهو عندما يصطاد مواطن قواه... فإنَّه يدمِّر نفسه...،
وأشدُّ ما يُثير الدَّهشة في زمنٍ «يُفترض» أن يكون فيه الإنسان في سلام، وأوَّل سلام مع نفسه، يكون الإنسان فيه على «خلاف»، وأول خلافه مع نفسه...
الإنسان الذي يوظِّف قدراته، ووقته، وفكره في «أذيَّة» الآخر، إنّما هو يحارب نفسه، لا يحارب الآخر...، وإنَّما هو يؤذي نفسه، لا يؤذي الآخر...
وحرب النفَّس أذيَّتها...
وأذيَّة النَّفس حربها...
وحرب الآخرين أذيَّة ذات...
إنَّ كفّ الزمن مبسوطة، وفوقها يمتدُّ الإنسان، ممزقاً، عارياً، قد هتك عن دواخله، وأفضى بما في مخبوئه، وكشف عن وجه حقائقه...
زمن الإنسانُ فيه يهدر تفكيره في: كيف يقضُّ مضجعَ هادئٍ؟، وكيف يطرق بمثقاب ناري جدار هانئ...، وكيف يُُقلق مطمئناً، وكيف يُبكي ضاحكاً، وكيف يُشقي سعيداً، وكيف يسرق آمناً...، وكيف يجرح سليماً...، وكيف يُحزن فرحاً...، وكيف يُكدِّر مسروراً...، و... و... كيف يوقظ نائماً...، وكيف يُفزع غافلاً...، كما يبدِّد وقته في: متى يفعل ذلك، وكيف يفعله... فيأتي من كلِّ باب، وينفذ من أيِّ ثغرة، ويتسلَّل عن أيِّ ثقب...، ويصل عن أيّ وسيلة...، لاهمّ له إلاَّ المحاربة...، وهي لو أدرك أنَّها حربٌ ضدَّ نفسه لما فعل... إنَّه مع كلُ هذا وذلك تراه يتجاوز منتهكاً خطاً حرَّمه الله تعالى على نفسه لما فيه من الظلم، وحرَّمه على خلقه لما فيه من الفساد، كما أحاطه تعالى بشديد وعيده، وبعظيم عقوبته...
إنَّ الذي يفكر...، يدبّر، ويفعل في فعل كلِّ ذلك للآخر، إنَّما هو يقود ضميره، واحساسه، وإنسانيته إلى «زنزانة»، يسجن فيها نفسه مدى العمر...، ذلك لأنَّه لا يفعل ذلك في الضوء...، إنَّه يفعل ذلك في الظُّلمة، من وراء حجب، من خلف أسترة، ذلك لأنَّه في موقف الضعف بشرِّه، فهو واهنٌ بشيطانه، لا يكاد يُرى إلاَّ في الظُّلمة، ولا يتحرَّك إلاَّ في الوحل...، مكبل بذاته داخل ذاته، بفعل ذاته، فكيف يعتقل الإنسان مواطن قواه، في وحل ضعفه؟
وكيف يبدِّد قدراته، داخل مواقد نيرانه؟...
وكيف يقضي على إنسانيته، في منأى عن مجراها الطبيعي، الذي لو تركه لفطرته السمحاء، لانسابت في يسر، في النور...، وإلى الخير؟...
إنَّه الإنسان...
الذي لا يُدرك من أمره...
ما ينشله عن حرب نفسه.
فيذهب إلى أذيَّتها...
عن أذيّته للآخر...
|
|
|
|
|