| مقـالات
كثر الحديث عن مجالس المشورة والرأي التي استنّها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد حفظه الله، والتي كان لي شرف المثول في مجلسه الكريم مع الأسرة الأكاديمية والاسرة الاعلامية، حيث اطلعنا سموه على مستجدات المسائل الاقليمية ومجريات الشأن الأفغاني الدولي وبعض القضايا المحلية.. وكان الأمير صريحاً إلى أبعد الحدود وصادقا في كل ما تلفظ به واستشعرناه من أحاسيس ومشاعر لدى الأمير في كل الموضوعات والقضايا التي طرحها سموه أو طرحها البعض منا.. ومجلس الأمير عبدالله هو أقرب ما يكون إلى المجالس الودية والاخوية التي تسودها المحبة الصادقة والمعزة المخلصة والعلاقات الحميمة بينه وبين من يحضر إلى مجلسه.. وهو أشبه ما يكون بمجالسنا في القرى والبادية التي تبتعد عن الشكليات والمظاهر وتصب في اطار احاديث القلب والصراحة والمباشرة والعفوية الصادقة.
وقد التقى سموه بشرائح عديدة من فئات المجتمع المختلفة، من علماء واساتذة جامعيين وتربويين، وعسكريين وشيوخ قبائل ووجهاء المدن وغيرهم من شرائح المجتمع العديدة.. وهذه السنة الحميدة التي استنّها الأمير من خلال شرائح المجتمع ربما أنها جاءت بحكم الظرف والمستجدات على الساحة الدولية، ولكن ربما نجدها فرصة ومناسبة لتبني الفكرة وتأسيس تنظيم اداري لها يكفل لها الاستمرار والنجاح والتطوير.
لقد تناقلت وكالات الانباء العالمية ومحطات الاذاعة والتلفزة العربية والدولية هذه اللقاءات، وأثنى الكثير عليها وربما أفضى البعض بملاحظات معينة.. وفي كل الحالات أجد أن الأمير عبدالله قد وضع لبنات تأسيس جديد في الحياة الشوروية في المملكة، حيث فتح المجال إلى ايجاد قناة اتصال ثنائية من سموه إلى هذه الشرائح الاجتماعية المهمة ومن هذه الشرائح إلى سموه، بما يمثله سموه في المؤسسة السياسية العليا وادارة الشأن العام للدولة.. كما أن بعض المسائل ذات النزعة العامة ارتأت الادارة الاعلامية أن تبثها إلى الجمهور العام عبر محطات الاذاعة والتلفزة والصحافة الوطنية مما ساهم في زيادة الفهم والادراك لقضايا الوطن ومصالحه الحيوية.
ومن الطبيعي التذكير هنا إلى أن مجالس الدولة العليا مفتوحة لكل من أراد أن يحضر هذه الجلسات ويطرح رأيه ويبين مشورته إلى ولي الأمر، منذ أن أرسى القائد الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه لهذه البلاد كيانها وأسس بنيانها وإلى عهد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله. وتوجد مجالس دورية مفتوحة ليس على الصعيد الرسمي وحسب بل في بيوت ومنازل هذه القيادات السياسية ومن وقتها الخاص وعلى حساب راحتها اليومية.. وأثبتت هذه المجالس حيويتها وجدواها في اتخاذ قرارات وحل مشاكل وتوجيه رأي يخدم المصلحة العامة.. ولكن الجديد في أجندة الأمير عبدالله وتنظيمه لهذه اللقاءات هو الدعوة التي وجهها سموه شخصياً إلى هذه الشخصيات من خلال المؤسسات التي تمثلها، والجهات التي تتبعها.. وهذا تنظيم جديد يستحق التقدير والاعجاب.
ولكننا نضيف إلى كل هذا أن هناك فرصة في الوقت الحالي لتطوير هذه الفكرة وتعزيزها وتأسيس تنظيم اداري حولها.. ونقترح ان تنشأ أمانة عامة للشورى والرأي العام أو ربما تتطور إلى وزارة للشورى والرأي العام، وتتولى مهام تنظيم هذه اللقاءات والاجتماعات مع أولياء الأمر وتنظيم علاقات ادارية مع مجالس الشورى والمناطق.. وفيما يلي بعض المهام والوظائف التي قد تضطلع بها هذه الوزارة أو الأمانة العامة :
1 يرتكز عمل هذه الوزارة أو الأمانة العامة في تنظيم لقاءات خاصة مع مختلف شرائح المجتمع، ولقاءات عامة مع الجمهور العام، حيث يتم تنظيم لقاءات دورية مع تلك الفئات بشكل منتظم مرتين في العام أو أكثر.. وتكون هناك جولات مناطقية لأولياء الأمر للتحادث مع المواطنين عامة وذوي الاهتمامات الشرائحية في قضايا واختصاصات المناطق.
2 تضطلع هذه الادارة بوضع أجندة موضوعات في حالات معينة ترى القيادة الاستئناس برأي هذه الفئات.. وكذلك فتح المجال في حالات معينة لاستقطاب الأفكار والآراء والمساهمات النوعية التي يعرضها ذوو الخبرة والرأي والاختصاص.
3 وضع آليات لأخذ المداخلات من قبل الحضور اثناء هذه اللقاءات.. ونحن نعلم أن كل الاشخاص يرغبون ولكن لا يستطيعون التحدث إلى ولي الأمر بحكم الكثرة العددية للحضور ومحدودية الوقت لولي الأمر، ولهذا ربما يتم تشجيع كتابة الملاحظات التي لم تلق وجمعها وعرضها للدراسة ووضع هيكلية عامة للاستفادة منها في مختلف شؤون الدولة والحياة العامة في المجتمع.
4 يتم عادة نشر وبث آراء حول ما دار ويدور في هذه المجالس، فربما يتم تحليل ذلك وعرض المقترحات والأفكار المستنيرة وهيكلتها في شؤون ومصالح الدولة المختلفة.
5 يمكن أن تتولى هذه الأمانة العامة تنظيم وتطوير العلاقة مع مجلس الشورى في تداول الموضوعات والقضايا وجدولة الهموم العامة، وربما التشاور في الأجندات الوطنية والدولية التي تتم مناقشتها.. وكذلك يمكن أن تكون هذه الهيئة أو الوزارة شبيهة بوزارة الشؤون البرلمانية أو شؤون مجلس الأمة والشورى وغيرها من التسميات في الدول الأخرى.. التي تنظم سير المعاملات والقضايا بين الجهازين، التنفيذي المتمثل في مجلس الوزراء، والتنظيمي المتمثل في مجلس الشورى.. ولا شك أن هناك قضايا ومسائل كثيرة مترابطة بين هذه المجالس..
6 وقد يتم من خلال هذا الجهاز الإداري وضع آليات لقياس الرأي العام واتجاهات المواطنين نحو قضايا وهموم وطنية معينة.. وقد تلجأ هذه الادارة إلى أن يكون لها مركز دراسات ومعلومات ورأي عام تستشف منه الآراء النيرة والأفكار البناءة التي تصب في خدمة الوطن والمواطن.
ويمثل التوجه الجديد للأمير عبدالله والذي يتجه إلى اشراك المواطن في الهم الوطني العام نقلة نوعية في تطوير العلاقة بين الافراد والمؤسسات وتعزيز الثقة الموجودة دائما والباقية ابدا بين هذه الفئات.. ونحن بحاجة إلى استثمار هذا التوجه واعطائه طابعا رسميا يعمق هذه العلاقة ويبني جسورا اضافية في ادوات الاتصال المشتركة بين القيادة والمواطن.. ووجود أمانة عامة أو وزارة مختصة سيهيئ الترتيبات ويعد التنظيمات المقترحة في هذا الشأن الهام ويحقق الفائدة المنشودة والمصلحة المطلوبة لمثل هذه اللقاءات.
Alkarni@ksu.edu.sa
|
|
|
|
|