| مقـالات
** كانت ناعمة..
هادئة.. حتى وهي ترتعد برداً..
وحتى وهي تمارس ضربا من جنونها البدوي على حواف جمر الغضا المتصاعدة منه روائح القشد والهيل والزعفران والحنيني والحليب المملح..
في كل مرة أجدها أكثر اتساقاً مع نفسها وأكثر هدوءاً وأكثر جمالاً وأكثر بحثاً عن التفرد والتميز النقي..
خرجت وتركتها وكأنما أترك نصف قلبي معلقاً في تراكم ذكرياتي معها في كل تفصيلة من تفاصيلها في مدينة الأحلام النابضة هي..
مدينة الرؤى التي لا أتقن في الحياة شيئا مثل حبها والامتزاج بها والحنين الى كل دموعي وابتساماتي وحكاياتي بين دروبها.. عدت منها وأنا أغبط بيوتها على الهدوء
وشوارعها على الاستكانة..
وسهولة ويسر الحياة المناسبة بهدوء مترف وباهظ التنظيم بين الاستراحات والفلل المنسقة والموشاة بالورد والشمس، ومساحات جميلة من الرمل الناعم والكثبان التي تعتلي وكأنما تعتلي في القلب لتنظر من خلالها إلى الحياة بعين أخرى..
عدت وتركتها..
ولكنني مثقلة القلب الآن بالتساؤلات الشائكة.. حين قرأت «خبر انتحار شاب في عنيزة في المدن الكبيرة، ووسط الاكتظاظ والزحام وتباعد المسافات وقلة الروابط الاسرية وندرة الصديق الدائم، ووسط سطوة الهاجس الاستهلاكي السريع الذي يصوغ الحياة بدءاً بالأكل والتسوق والتنزه وحتى العلاقات قد تندهش لإقدام شاب على الانتحار..
لكن في المدن الهادئة وفي وسط التصاق البيوت وديمومة العلاقات وبساطة ونظامية الحياة وسهولتها ويسرها تبقى الاسئلة كبيرة..
هل هذا النفور من الطبيب النفسي هل هو نتيجة لفقدان لغة الحوار بين الأجيال..
هل هو ضعف في الإيمان واستغراق في البعد عن الله وطغيان الشعور بالخطيئة..
هل هو ضياع الأحلام وتبعثرها في التراب..
ما الذي يمكن لنا ان نفعله سوى ان نتمنى بصدق على الجهات المعنية في وزارة الصحة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية والرعاية العامة لرعاية الشباب تبني مشروعات توعوية نفسياً واجتماعياً ودينياً يجتذب فيها الآباء والشباب والمراهقون محاولة لبناء جسور حوار بينهم قد تكون مفقودة أحيانا مما يخلق فجوة تحتمل التفكير في الانتحار فرجا أسود وحالك الظلمة..
يكفي بالموت انه هادم اللذات وأنه الواعظ الذي لا يباريه واعظ..
ولكن حين يكون الموت لحظة اختيارية يقدم عليها الإنسان ويرتب لها ويعد العدة لتنفيذها فيختار الوقت والكيفية التي ينهي فيها حياته ويغادر الدنيا هنا يكون الموت مفزعاً ودامياً أكثر بكثير من دموية الحروب والانفجارات.. فاللهم احفظ علينا إيماننا الذي هو وجاؤنا بعد الله سبحانه. شكراً من القلب لكل كلمة رقيقة هطلت كما المطر في سماوات قلبي ونظري وسمعي.. وكل عام وأنتم بألف خير.
fatmaalotaibi@ayna.com
|
|
|
|
|