| مقـالات
يوجد في كل مجتمع من يميزون بين الحق والباطل. وقد تحول ظروف معينة في مجتمعات مخصوصة بين الكثيرين المنصفين والتعبير عما يشعرون به. لكن هناك من يكون ما يختلج في ضميره أقوى من تلك الظروف، فيتكلم بما يراه حقاً، متحدياً كل العقبات. ولا يقتصر ذلك على مجتمع دون مجتمع، ولا على فئة دون أخرى. ومع ما يعرفه الجميع من مواقف حكام أمريكا المتعاقبين المنحازة انحيازاً فاحشاً إلى جانب الكيان الصهيوني، مع وضوح جرائمه وبشاعتها، فإن أكثرية المجتمع الأمريكي تخفى عليها الحقائق بسبب سيطرة الصهاينة على وسائل الإعلام، فتبقى رهينة هذا الإعلام مشلولة التفكير والحركة. ولقد طفح الكيل لدى اعداد من الشرفاء الأمريكيين من رؤية ما يحدث. فارتفعت اصواتهم تبث نداء الحق وسط الأجواء المعتمة ببهتان الصهاينة المقيت واباطيلهم البشعة. ومن هؤلاء المؤلف بول فندلي، الذي يعرف الكثيرون كتابه (من يجرؤ على الكلام؟) ومنهم الكاتب المشهور ديفيد ديوك.
وكان مما كتبه ديفيد ديوك مقالة مطول عنوانها «كيف تسبب الإرهاب الاسرائيلي والخيانة الأمريكية في هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟». وقد بدأ المقالة بمقدمة من عدة سطور، ثم أخذ يتحدث عن مسائل مختلفة تحت عناوين فرعية. وقد أوضح في المقدمة ما سيقوم به ليبرهن على أن الدولة الصهيونية قد ارتكبت من الإرهاب المستمر في الخمسين سنة الماضية أكثر مما ارتكبته أي دولة أخرى في العالم، وأنها تحتل أعلى قائمة الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية ضد أمريكا بالذات، وأن أعمالها الإرهابية هذه لم تذهب دون عقاب فحسب، بل كوفئت من قبل الساسة الأمريكيين الذين خانوا بلادهم، وأنها بناء على الحقائق الفظيعة قد سعت عمداً لموت الآلاف في الحادي عشر من سبتمبر. واستميح القارئ الكريم عذراً بنقل ما قاله ذلك الكاتب.
لِمَ هوجمت أمريكا؟
لا أحد يجادل في أنه مهما كانت الدوافع فإن ابن لادن إذا كان خلف الهجمات المرعبة لمركز التجارة العالمية يستحق عقوبة قتله الكثيرين من أولئك الابرياء. و في الوقت نفسه فإن المهم جداً أن نعرف الاسباب التي جعلته وجعلت ملايين آخرين في العالم يكرهون أمريكا. لِمَ يوجد كثيرون مستعدون للمخاطرة بحياتهم، أو التضحية بها، للنيل منا؟. إنني أرجو حقيقة أن لا يوجد قارئ واحد بلغ به ضعف الرؤية ليصدِّق أن الملايين التي تتزايد أعدادها يوماً بعد آخر يكرهون أمريكا لأنها بلد الحرية. إن هذه الاشاعة يجب أن تُعَدَّ أسخف فكرة بُثَّت للشعب الأمريكي على الاطلاق منذ القدم.
لكي نضع نهاية لتهديدات الإرهاب ضد الشعب الأمريكي يجب أن نعلم الأسباب التي جعلتنا مكروهين. إن التقنية الحديثة تجعل تنفيذ القتل الجماعي والإرهاب يسيراً جداً لدرجة أن أي انسان يمكن أن يقوم به، ولا يمكن إيقافه بالقوة العسكرية. بل إن القوة الوحشية التي نستعملها في أفغانستان، ونفترض أنها ستقضي على الإرهاب، قد أظهرت ازدياد انتشار كراهية لأمريكا في العالم كافية لظهور ألف إرهابي جدد مقابل كل إرهابي قد نقتله. وإني لأسأل عن نسبة القتلى في أفغانستان. فربما تكون قتيلاً واحداً من تنظيم القاعدة مقابل عشرة وربما مئة إلى غير النظاميين والمدنيين الأفغان الذين هم في الأساس يحاولون فقط أن يعيشوا كما نعيش. بل إني أظن أن الرقم الحقيقي قد يصل إلى ألف من القتلى غير الإرهابيين مقابل إرهابي حقيقي واحد يمكن أن يكون قد آذى أمريكا.
ولعل من الواجب أن نملك من الشجاعة ما يكفي لأن ندرك الأسباب المحتملة لكره الكثيرين لنا. ولا يمكن أن نقرر الطريقة المثلى التي يمكن أن نحمي بها شعبنا في المستقبل إلا إذا توافرت لدينا جميع الحقائق بدلاً من الاكليشيهات الجذابة، مثل «كانوا يهاجمون الحرية».
وبالمناسبة كيف نحدد مدلول عبارة «هجوم على الحرية الأمريكية؟» إني أود أن أقول: إن هجوماً حقيقياً على الحرية هو خرق ميثاق الحقوق الأمريكي ودستور الولايات المتحدة، وأن التعديلات العشرة له تمثل حقيقة جوهر الحرية الأمريكية، وإن جورج بوش وأعضاء الكونجرس المتذرعين بما تبديه أجهزة الاعلام الآن من شعور وطني قد صادروا حرياتنا الدستورية أكثر مما استطاع ابن لادن أن يفعله.
السبب الحقيقي لمعاناتنا للارهاب:
إن السبب الحقيقي وراء معاناتنا للهجوم الارهابي على مركز التجارة العالمية يسير الفهم. ذلك أن كثيراً من اصحاب الملايين الامريكيين قد خانوا الشعب الأمريكي بمساعدتهم مساعدة عمياء قائدة الارهاب في العالم: دولة اسرائيل. وان الاعلام الجماهيري الأمريكي والحكومة الأمريكية لا يمكن أن يحصلا على كل شيء. فإذا كان المراد من الهجوم على الأفغان هو عقابهم على اعطاء عون وراحة للإرهابيين فإن الفلسطينيين، بطبيعة الحال، يجدون مبررا لمهاجمة أمريكا لاعطائها معونات ومساعدات عسكرية لاسرائيل، وهي الدولة التي ارتكبت إرهاباً مستمراً ضدهم.
وإن الخائنين للولايات المتحدة قد سمحوا الدولة إرهابية أجنبية أن تسيطر على الحكومة الأمريكية. وقد يظن بعض القراء أنه مناف للعقل أن اؤكد أن دولة أجنبية تسيطر على أمريكا. لكن ينبغي أن ينظر إلى حقيقة أن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، وليام فولبرايت، قد قال ذلك بالضبط. لقد أكد في البرنامج التلفزيوني المشهور «واجه الامة» ان اسرائيل لم تسيطر على مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، وإن هذا السيناتور ليس غبياً، فباسمه يتنافس الطلاب الأذكياء على ما يسمى منح فولبرايت. ولم يكن وحده الذي ألقى هذا الاتهام القوي، بل إن رئيس أركان القوات المسلحة السابق، جورج براون قال الشيء نفسه من حيث الجوهر:
«يمكن أن نقول للاسرائيليين: إننا لا نستطيع أن نحصل على موافقة الكونجرس لتأييد برنامج اسرائيلي كهذا. فيقولون لنا : لا تقلقوا بالنسبة للكونجرس، فنحن نكفيكم اياه. إن هؤلاء من بلد آخر لكنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يقولون. إنهم كما تعلمون يملكون البنوك في هذا الوطن كما يملكون الصحف، انظروا فقط أين يكون المال اليهودي».
وبطبيعة الحال، فإن جورج براون يعرف، حقيقة، سيطرة اليهود على وسائل الإعلام العامة. ذلك أنهم يسيطرون على أعظم الصحف والمجلات تأثيراً في أمريكا، كما يملكون أهم محطات التلفزيون فيها. وان سيطرة المتطرفين في ولائهم لاسرائيل على وسائل الإعلام هي السبب في كون أكثر الأمريكيين جاهلين تماماً بسجل الإرهاب الاسرائيلي. وكل ما تحتاج هذه المقالة أن تقوم به هو عمل وخزة صغيرة جدا في بالون الدعاية لأنه لن يحتاج إلا إلى قليل من الوخزات الجيدة لتفجير بالون الأكاذيب المحيطة باسرائيل.
وسأوضح دليلاً مؤثقاً على أنه خلال الخمسين سنة الماضية انغمست اسرائيل بارتكاب أعمال ارهابية فتاكة أكثر من أي دولة في العالم، وأن أمريكا بمساعدتها للتصرف الاسرائيلي الاجرامي تحصد الآن ثمرة الكره المتشدد من مئات الملايين في العالم. وإن مساعدة ارهاب اسرائيل ادت مباشرة إلى الإرهاب الذي تواجهه الآن الولايات المتحدة. وأكثر الأمريكيين لا يدركون حجم الارهاب الاسرائيلي ومداه بسبب ما ذكر الجنرال براون عن سيطرة اليهود على وسائل الإعلام العامة. ومن أمثلة قوتهم الفائقة في وسائل الإعلام قدرتهم على ترويج الكذبة الكبيرة في أن الهجوم على مركز التجارة العالمية ليس لاسرائيل صلة به على الاطلاق، وأن المهاجمين أبغضوا الأمريكيين وهاجموهم لأنهم أحرار. ثم أفاض ديوك الحديث عما سماه الكذبة الكبيرة، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي نفسه قد تبناها، وإلى أن اجماع وسائل الإعلام على ترويجها بدون مناقشة سيجعل كل من لديه تفكير يشك في أن الأمريكيين سيتمكنون من معرفة الحقيقة كاملة من هذه الوسائل.
|
|
|
|
|