أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 31th December,2001 العدد:10686الطبعةالاولـي الأثنين 16 ,شوال 1422

مقـالات

الإعلام الدبلوماسي الخليجي:
استراتيجية التَعرُّض.. أم الصَّد؟
د. محمد بن سعود البشر
الإعلام والدبلوماسية توأمان متلازمان يستحيل فصلهما، وتتأكد هذه الحقيقة في هذا العصر الذي يُعد فيه الإعلام لسان السياسة الناطق، وحجتها النافذة، وأداتها المؤثرة. يصدق ذلك عند الحديث عن تأثير هذا الإعلام على الرأي العام الداخلي والخارجي.
وموضوع هذه المقالة هو بيان العلاقة بين هذا الإعلام وبين السياسة الخارجية ومدى تفهم الدبلوماسية الخليجية للوازم هذه العلاقة وإدراكها لضرورة تسخيرها لخدمة الأهداف السياسية المرسومة لها.
المتابع للنشاط الدبلوماسي الخليجي على صعيد السياسة الخارجية وبخاصة في أوقات الأزمات والأحداث التي تكون دول الخليج العربية طرفاً فيها يلحظ بشكل عام حضوراً كبيراً من جانب الدبلوماسيين في التفاعل مع وسائل الإعلام في البلد المضيف، والعينة المقصودة هنا هم أعضاء البعثات الدبلوماسية الخليجية الممثلون لبلدانهم في الخارج.
إن هذه النتيجة العامة لم تنطلق من فراغ، وإنما ثابتة وراسخة على أسس نتائج علمية أكاديمية بعضها لم ير النور أو لم يأخذ طريقه إلى النشر. وقد يفسر التناقض بين النتائج التي تشير الى قصور اعضاء البعثات الدبلوماسية الخليجية في تفاعلهم مع وسائل الإعلام في البلدان التي توجد فيها هذه البعثات وبين القدرة المادية المتوفرة لديها، إلا أن الصورة العامة للآلية التي يمكن من خلالها تفعيل هذا الدور لم تتبلور بصورتها المطلوبة والمثلى في ذهنية بعض القائمين على أمر هذه البعثات أو السفارات، على الرغم من وجود القناعات الراسخة بأهمية الإعلام وتأثيره على السياسة الخارجية لأية دولة تدرك هذا العامل وتقدره. يقول الدكتور عبدالعزيز خوجة سفير المملكة في المغرب في ورقته التي قدمها لندوة «الإعلام والمعلوماتية وتحديات القرن الواحد والعشرين» التي نظمها معهد الدراسات الدبلوماسية في وزارة الخارجية في سياق حديثه عن العلاقة بين الإعلام والدبلوماسية «انه بات من الضروري اعتبار ان احد المفاتيح الأساسية للسياسة الخارجية لأي بلد هو إعلام قوي مؤثر يملك الوسائل والإمكانات للانتشار والتأثير، وهذا ينطلق من امكانات البلد الإعلامية ومواكبة التقنيات الحديثة، واستخدام الأشكال الأكثر دينامية واعتماد الجمالية الفنية في تقديم المواد السياسية والفكرية والاقتصادية. فالإعلام صناعة، والصناعة القابلة للتسويق هي الصناعة ذات الجودة العالية، كما تعتمد على الكفاءات الشابة العلمية التي تدرك بشكل اكثر حيوية كيف تؤثر في الإعلام وكيف تصنعه، مبادرة في سبيل ذلك، مستبقة من أن يقدم لها الآخر السلعة الجيدة حيناً والرديئة أحياناً أخرى».
وإذا كان الدكتور عبدالعزيز خوجة متفائلاً الى هذا القدر حيث يطالب البعثات الدبلوماسية بالمبادأة والمبادرة فإن هذا يعني ضمناً ضرورة التفاعل مع ما هو متاح من وسائل إعلامية موجودة في الدول التي تقيم هذه البعثات، وبخاصة السفراء ومن حكمهم حيث يتيح لهم موقعهم الوظيفي فرصة التعرض لمثل هذه الوسائل الإعلامية، والتعرض لها ليس المقصود به التلقي كما هو معروف إجرائياً عند المتخصصين في الإعلام، بل التلقي والإرسال أيضاً.
ان الضرورة تُلحُّ على تبني استراتيجية دبلوماسية تزيد من التعرض لوسائل الإعلام الدولية والتفاعل معها عوضاً عن أساليب الصد أو التردد التي لم تعد مجدية في هذا الوقت.
ومما يؤكد ضرورة التعامل الجاد مع وسائل الإعلام ما يشهده العالم اليوم من تحول خطير في الأحداث التي نشهد فصولها اليوم، وهو تحول يتجاوز الجغرافيا الى التأثير في القيم والمبادئ والمفاهيم.
وفي هذا السياق، وانطلاقاً مما تقرر آنفاً، يحسن التذكير والتأكيد على جملة نقاط، منها:
أولاً: ان ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات وما تتطلبه من سرعة التعامل مع الحدث تقتضي تكوين شبكة إعلامية تتفرغ لمهمة متابعة الأحداث أولاً بأول، ومن ثم دراستها واتخاذ القرار المناسب تجاهها، مستفيدة من وسائط الاتصال الحديثة التي تربط الدبلوماسي بالقيادة في بلده. أما الاعتماد على الحقيبة الدبلوماسية فهو أمر لا يتناسب وعصر السرعة الذي يعيشه الدبلوماسيون. وفي هذا المعنى يؤكد الدكتور عبدالعزيز خوجة ان الحقيقة الدبلوماسية كانت في الماضي «رمزاً مقدساً للسفير، وكانت تحوي في جعبتها كل ما يهم السفير ان يرسله من معلومات عن البلد المضيف وتطور الأحداث فيه. أصبحت اليوم الحقيبة الدبلوماسية رمزاً من الرموز القديمة ربما تهتم بها الآن الأقسام المالية والإدارية..فالمعلومة عن طريقة الحقيبة حتى تصل الى بلد السفير ستصبح قديمة ومستهلكة. فالأحداث المتلاحقة وشفافية الإعلام في معظم بقاع العالم وتهيئة وسائل الإعلام وتطورها لنقل هذه المعلومات وتحليلها وتدقيقها وبثها واستقطاب العلماء والباحثين لتحليل أي خبر محلي وعالمي جعل من دور الحقيبة لنقل أو تحليل هذا الخبر دوراً ثانوياً لأن أهمية الخبر تنتهي قبل ان تصل الحقيبة وقد تغير الحدث إلى حدث أهم وأكبر في كثير من الأحايين».
ثانياً: تواجه دول الخليج العربية وبخاصة المملكة العربية السعودية هجمة إعلامية غربية شرسة لم يخب أوارها، تغذيها الصهيونية العالمية واليهود المتنفذين في دوائر صناعة القرار السياسي في الغرب، هجمة ذات مضامين دينية وثقافية وتربوية في المقام الأول، بدأت قبل أحداث 11 سبتمبر الماضي، واتخذت من تداعيات الأحداث مسوغاً لتأجيج الحملة الإعلامية وتحقيق أهدافها المختلفة.
في مقابل هذه الأحداث لم يتخذ مجلس التعاون الخليجي أية مبادرة للتصدي لهذه الحملات الإعلامية على الرغم من خطورتها وشمولية مضامينها وتنوع أهدافها. كنا نتوقع أن يدعو وزراء الإعلام في دول المجلس الى اجتماع طارئ لمواجهة الموقف ووضع استراتيجية إعلامية لبيان الحق وكشف الشبه التي يثيرها اليهود والصهاينة عن المواطن الخليجي، والسعودي على وجه الخصوص، ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث ولم نجد تفسيراً مقنعاً لعدم التصدي لحملة إعلامية تستهدف البناء الثقافي لمجتمعنا الخليجي وثوابته التي تأسس عليها.
ثالثاً: تمثل السفارات والقنصليات منفذاً سياسياً وثقافياً وإعلامياً للدول التي تمثلها، وقد أدركت دول العالم الغربي هذه الحقيقة فكثفت من مناشطها الإعلامية وبرامجها الثقافية في دول الخليج العربي على الرغم من هيمنة الثقافة الغربية. تمثل هذا الحضور في إصدار المطبوعات والزيارات المتكررة لرؤساء التحرير، وعقد الندوات والملتقيات لبناء جسور مع مؤسسات الإعلام ودوائر الثقافة الخليجية.
وفي المقابل نجد تقصيراً واضحاً من أغلب سفاراتنا وممثلياتنا في الخارج في تقديم الصورة الذهنية التي تمثل حقيقة ديننا وثقافتنا، وبات الأمر مقصوراً على ممارسة العمل السياسي اليومي. إن سفاراتنا في الخارج ينبغي أن تضطلع بمسؤولياتها في تقديم الأنموذج الثقافي الأمثل الذي يعكس حياة المواطن الخليجي كما هي عليه في الحقيقة لا كما يقدمها من هو محسوب عليها ولا يمثلها، وأن تتكامل مع غيرها من المؤسسات الوطنية الأخرى كوزارة الإعلام في ايصال الرسالة وبلاغ الهدف، على تنوع في الوسائل والأساليب المعينة على تحقيق هذه الغاية، وفي صدارة ذلك الاستخدام الأمثل للوسيلة الإعلامية.
ان العالم اليوم يمر بأحداث تعصف بالكثير من الثوابت والمتغيرات في المجتمعات التي يطالها التأثير، ولن نستطيع ان نغلق الأبواب والنوافذ أمام تيارات العولمة وهيمنة الأنموذج الثقافي الواحد وفرضه على مجتمعات العالم عبر وسائل الإعلام الفضائي، ولكننا بالطبع نستطيع أن نتعامل مع الإعلام بمضمون الحقيقة التي يبحث عنها الإنسان أينما كان، وهو ما ينفع الناس وأما الزبد فيذهب جفاء، والله المستعان.
أستاذ الإعلام السياسي المشارك جامعة الإمام


أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved