| الاخيــرة
أنا من أنصار «السعودة» الحقيقية، فالكفاءة الوطنية أولى وأحق من غيرها في وظيفة الوطن، مع تقديري واحترامي لكل الجهود المخلصة التي عملت معنا جنباً إلى جنب، وأسهمت في البناء وكانت لها بصماتها المقدّرة والتي لا تُنسى.
أقول مع ذلك فأنا مع سعودة الوظيفة ولكن ليس بطريقة عشوائية متكلفة تؤطرها العصبية الضيقة، وذلك ما يعني بالتأكيد رعاية الأجيال السعودية وتأهيلها التأهيل المتميز الذي يستطيع ملء الشاغر الوظيفي بكفاءة عالية.
نفرح كثيراً حين نرى أعداد الخريجين في ازدياد، ونفرح أكثر حيث نجد هؤلاء الخريجين من الجنسين يسعون بهمّة ونشاط للبحث عن وظيفة تلائم احتياجات الوطن وتناسب مؤهلاتهم، ونسعى بكل جهد ممكن لمساعدة هؤلاء والوقوف الى جانبهم في محاولاتهم لتحقيق طموحاتهم البكر.
ومما يزيد في حجم سعادتنا أن نرى أبناءنا وبناتنا يتدافعون بشوق إلى العمل لترجمة طموحاتهم الى صورة عملية تسهم في توسيع دائرة أحلامهم والتزامهم أمام أنفسهم بتحمل مسؤولية هذا العمل، فتجدهم يتدافعون للدخول في مسابقة الحصول على الوظيفة، ويبدون حماسهم للنزول الى ميدان العمل التطبيقي، وهو ما يبعث في نفس الملاحظ المحب لوطنه كثيراً من الغبطة والتفاؤل بهذه الأجيال الصاعدة.
إحدى الخريجات الحديثات اللواتي ثابرن للوصول الى أهدافهن بكل عزم وتصميم، افتتحت مؤسسة لها وأصرت على الإسهام في مشروع السعودة منذ البداية، ونشرت إعلاناً تطلب الوظائف اللازمة لحاجة المؤسسة بشرط ان تكون المتقدمات لهذه الوظائف سعوديات فقط.
تقدمت أعداد كبيرة من الخريجات والمؤهلات حقاً للعمل إلى درجة أنك تتمنى لو تستطيع إيجاد وظائف لهن جميعاً.. وتم تحديد المرشحات لملء الوظائف ومن بين هؤلاء تم اختيار احداهن للعمل في وظيفة سكرتيرة لمكتب المديرة.. وتم تسليمها عهدة الوظيفة بما فيها مسؤولية إدارة مكتب المديرة والإشراف على شؤون المكتب، وذلك أشعل الغيرة والغبطة في نفوس زميلاتها المتقدمات ولم يحالفهن الحظ، وأخريات تم توظيفهن ولكن ليس في مكتب المديرة.
ولا يخفى على أحد المسؤولية الخاصة التي يتحملها من هو في مثل هذه الرتبة الوظيفية وبخاصة ما يتعلق بها من أسرار إدارية وأمور سرية تتعلق بكل شؤون المؤسسة.
في اليوم المضروب لبداية دوام تلك «المغبوطة» لم تأت في موعدها المحدد، وطال تأخرها، وتجمعت الموظفات أمام المدخل الرئيسي للمؤسسة، ودهشت المديرة لهذا التجمع، وفهمت أن سكرتيرتها التي حلمت بأنها وجدت فيها ضالتها لم تأت بعد.
بدأت المديرة تخترع لها الأعذار في سرها «ربما حادث مروري.. ربما ازدحام الطريق.. ربما وعكة صحية.. ربما.. ربما.. ربما.. ربما» كل المبررات خطرت على بالها، مما دفعها الى الاتصال بها في البيت لتطمئن عليها. فكان هذا الحوار الهاتفي: «المديرة: آلو، الخادمة: مين إنت؟؟.. مدام في؟.. مدام في نوم..» «المديرة لنفسها: أكيد المسكينة مريضة..»!!
في نهاية الدوام كررت المديرة الاتصال للاطمئنان على مريضتها: المديرة: آلو.. المدام: نعم.. يا أختي عسى ما شر انشغلنا عليك؟..
أبد والله ما فيه شيء.. أجل وينك اليوم ما داومتي؟.. يا أختي مكانكم بعيد مره علي!!.. يعني وش تقصدين؟ أبد هوّنت!!.. طيب يا أختي فيه شيء اسمه لغة اعتذار ومثل ما تكلفتِ وحضرتِ للمسابقة التليفون للاعتذار أهون وأقرب عليك، وعلى كل حال أرسلي لنا المفتاح!.. وش عاد تبغون فيه؟! يا أختي مفتاح المكتب مثل ما استلمتِه عهدة سلمّيها.. أبد والله ما أحد سارقه ولا فيه شيء ينسرق في مكتبكم، وإذا تحبين ترتاحين ابشري أرميه لك في الزبالة ولا تخافين أبد ما فيه أحد بياخذه!!.
لا أزال أؤكد أنني من أنصار السعودة، بل ومن الداعين إليها المصرِّين عليها.. ولكن في المقابل فإنني أرى بأن للسعودة ثمناً غالياً وقيماً يأتي في أولوياته ليس فقط المؤهلات والمواصفات.. وإنما قبل ذلك كله أخلاقيات المهنة.. التي لا يقيم لها كثيرون وزناً كافياً.. وتاليتها؟!.
Hendmagid@hotmail.com
|
|
|
|
|