| قمة مجلس التعاون
*
* إعداد صالح الفالح:
يعتبر مجلس التعاون لدول الخليج العربية منظمة سياسية اقتصادية اجتماعية إقليمية حسب المبادئ والأهداف التي حددها نظامه الأساسي.. والمجلس يمثل تنظيماً تعاونياً إقليمياً بين دول التعاون في مواجهة التحديات التي فرضتها الظروف المحيطة بالمنطقة. وشكل مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي برز للوجود في عام 1981م والذي يضم (المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة، قطر، الكويت، سلطنة عمان، ودولة البحرين) إضافة حقيقية لمساعي المملكة العربية السعودية نحو الوحدة والتضامن، وتعزيز العمل العربي المشترك، وحشد طاقات الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في هذه المنطقة والانطلاق بها نحو الوحدة العربية الشاملة.وذلك إيماناً من المملكة بالمصير المشترك للأمة العربية، وبالترابط الذي لاينفصم بين شعوبها، وإدراكاً منها بان حماية المقومات العربية، والحفاظ على المصالح الحيوية للأمة ومواجهة تحديات المستقبل لا يتحقق إلا في ظل تضامن عربي فعال مبني على أساس العقيدة الإسلامية والشرعية العربية.
* أهداف المجلس:
فالمجلس جاء إنشاؤه متمشياً ومنسجماً مع مواثيق جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وقراراتها وكذلك متمشيا مع مبادئ حركة عدم الانحياز، وميثاق الأمم المتحدة، فمجلس التعاون لم يأت على حساب تلك المنظمات الإقليمية والدولية، بل جاء ليدعم أهدافها، وفوق ذلك لتجسيد الروابط العميقة التي تربط بين شعوب هذه الدول وليجعل من التعاون والتنسيق بين هذه الدول منطلقا أساسياً نحو تحقيق أهداف شعوبها في النهضة والوحدة والرخاء والأمن والاستقرار، فالعوامل التي تربط بين هذه الدول عوامل راسخة تضرب بجذورها في أعماق تاريخ المنطقة، فالأصول الدينية والحضارية والثقافية واحدة والامتداد الجغرافي والتاريخي واللغوي واحد، وكل تلك العوامل عززت من الواقع المصيري والآمال والتطلعات المشتركة لشعوب هذه البلدان لتكون في كتلة واحدة، خاصة في ظل مايشهده العالم من تجمعات وأحلاف وتكتلات سياسية واقتصادية تطمح إلى تحقيق أهدافها واستراتيجياتها في الساحة العالمية.
ولذلك جاءت أهداف المجلس إلى:
تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات.
ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوبها في مختلف المجالات.
ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الآتية: ((الشؤون الاقتصادية والمالية، الشؤون التجارية والجمارك والمواصلات، الشؤون التعليمية الثقافية، الشؤون التعليمية والصحية، شؤون الإعلام والسياحة، الشؤون التشريعية والإدارية)).
وقد حقق المجلس خلال ال(22) عاماً الماضية من عمره إنجازات كبيرة لشعوب هذه المنطقة، وأثبت أنه عامل إيجابي من عوامل الاستقرار في المنطقة وإبعاد التدخل الأجنبي عنها، لاسيما في القضايا التي تعتبر من صميم اختصاص دول الخليج وحدها، ومن أبرز النجاحات التي تحققت وعكست تصميم قادة دول ا لمجلس على توسيع آفاق ومجالات العمل المشترك هو التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي تتيح لمواطني الخليج حرية العمل والتنقل والإقامة وممارسة العديد من النشاطات الاقتصادية والتجارية في مجالات الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية، وإقامة الفنادق والمستشفيات والمدارس، والسماح للمستثمرين من مواطني دول المجلس بالحصول على قروض من بنوك صناديق التنمية الصناعية بالدول الأعضاء وبتملك أسهم شركات المساهمة ونقل ملكيتها.
هذا فضلاً عن إقامة العديد من المؤسسات المشتركة لدفع حركة التكامل الاقتصادي مثل مؤسسة الخليج للاستثمار برأسمال قدره (1.2) مليار دولار، وهيئة المواصفات والمقاييس، والمكتب الفني للاتصالات، وإنشاء مكتب مشترك لدى منظمة الطيران المدني، ومركز التحكيم التجاري لدول المجلس، وفتح مكتب للبعثة الدائمة لمجلس التعاون لدى الجماعة الأوروبية ببروكسل، وإنشاء مكتب لبراءات الاختراع لمجلس التعاون، وتكوين اللجنة الإقليمية لنظم الطاقة، وإقرار استراتيجية دفاعية، إلى جانب إنشاء الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى للدول الأعضاء التي تختص بدراسة الأمور التي يحيلها المجلس الأعلى أو رئيس الدورة بعد التشاور مع قادة دول المجلس ويعد إنشاء الهيئة خطوة إيجابية لإشراك ذوي الخبرة والكفاءة من مواطني دول المجلس في إبداء الرأي والمشورة لمتخذي القرار في إطار المجلس.
هذا فضلاً عن التنسيق بين الدول الأعضاء في المحافل الدولية تجاه القضايا الإقليمية والدولية.
ولم تغب هموم وقضايا الأمة العربية عن اجتماعات قادة دول المجلس، بل تتصدر اهتمامات وجداول أعمال كل القمم التي عقدوها، حيث تعد دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية من أكثر الدول إسهاماً في دعم الحقوق المشروعة للدول العربية، وفي تحقيق السلام العادل المبني على قرارات الشرعية الدولية، وفي إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وضرورة انسحاب إسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة.
وتتصدر دول المجلس دول العالم في تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية ليس في الدول العربية فحسب، وإنما في مختلف أنحاء العالم، وفي هذا الصدد أولت دول الخليج قضية التنمية في البلاد العربية اهتماماً كبيراً وأقامت جهازاً مختصاً لدعم الدول العربية يتمثل في (برنامج مجلس التعاون لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد العربية) وليس أدل على اهتمامات دول ا لمجلس بقضايا الأمة العربية مما جاء في إعلان أبوظبي لدول المجلس في أعقاب قمتهم التي عقدوها في أبوظبي في ديسمبر 1998م حيث تضمن الإعلان الآتي: (فإن المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية المنعقد في دورته التاسعة عشرة في مدينة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة وقد بحث الأوضاع العربية الراهنة بروح من المسؤولية العالية والحرص العميق على تحقيق مستقبل أفضل لشعوب الأمة العربية يعلن تصميمه على:
العمل على تعزيز العلاقات العربية وفق المبادئ والقواعد والمواثيق العربية والإسلامية والدولية المستقرة وبما يمكن أمتنا العربية من إعادة بناء التضامن العربي.
وبذل الجهد المتواصل لإعادة بناء العلاقات العربية على أساس متين من الأمن والاطمئنان والثقة.
والعمل على بناء التضامن العربي الفعال على أرضية صلبة من التمسك بمبادئ قواعد العمل العربي المشترك.
وتطوير العمل العربي المشترك بهدف تحقيق طموحات الدول العربية في التنمية والبناء وفي الأمن والاستقرار وتهيئة المنطقة العربية لمواجهة متطلبات المتغيرات السياسية والاقتصادية الدولية وتأمين مقومات الارتقاء بالمستويات المادية والمعنوية والروحية في حياة شعوب الأمة العربية.
دور المملكة في مسيرة المجلس:
ولقد أسهمت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله بدور فاعل في قيام هذا الكيان الخليجي الموحد، وفي ترسيخ وتعميق أهدافه وتحويلها إلى واقع معاش يشهد بالعديد من الإنجازات، فقد حرص حفظه الله على سلامة مسيرة المجلس وتذليل كافة الصعاب التي تواجهه، وكان من أكثر القادة فرحاً بإنجازاته ومعانيه العميقة في الاتحاد والتعاون حيث يقول: «لقد وفقنا الله ان ننشئ مع أشقائنا في الخليج داخل دائرة الجامعة العربية دائرة قوية فعالة، هي مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليكون نموذجاً لما يجب أن يكون عليه مستوى التعاون بين الأشقاء العرب، وليصبح دعامة تقوي من جامعة الدول العربية، ودرعاً للعرب يصد الأذى ويعمق الأواصر»(1).
وقد قامت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين بجهود محورية في دعم وحماية واستمرار كيان المجلس، غطت جميع مجالات التعاون السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية، وجنبت المجلس الكثير من المشاكل والهزات، حيث احتضنت المملكة المقر الدائم للمجلس في عاصمتها الرياض، وشيدت مبنى الأمانة العامة للمجلس بأكثر من (272) مليون ريال.
وتبرز جهود المملكة في تعزيز مسيرة المجلس وإبعاد مامن شأنه أن يؤثر في علاقات دوله بحرصها على تصفية جميع الخلافات الحدودية، التي تعتبر سبباً من أسباب التوتر وتدهور العلاقات، والتي كانت أكثر بروزاً بين قطر والبحرين، واستطاعت المملكة ان تحتوي تلك المشكلة وتحجم خطرها.
كما بدأت المملكة كذلك بحل خلافاتها الحدودية مع اليمن حتى لا تشغل دول المجلس إلا بهموم التنمية وتكللت جهودها بإبرام مذكرة تفاهم أصبحت الآن قاعدة للحوارات التي تدور بين الجانبين للتفاوض حول ماتبقى من خلافات حدودية، كما سعت إلى تسوية حدودها البحرية مع الكويت، وبحثت بشكل جدي مع إيران احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبوموسى).
ولم تضع المملكة نفسها في كل جهودها لحل المشكلات كطرف ثالث بين اثنين، وإنما اعتبرت نفسها كما اعتبرها الأشقاء في قطر وفي البحرين شريكة لهما تقاسمهما هموم المشكلة ومسؤولية حلها.
الغزو العراقي:
وقد كان الغزو العراقي الغادر لدولة الكويت في أغسطس 1990م ثاني محك واختبار دقيق وقاسٍ لمدى قوة وتماسك الوحدة الأمنية لدول المجلس، ولما كان الغزو عسكرياً فإن ذلك فرض على دول مجلس التعاون تطوير التعاون الأمني بحيث يرتبط بتعاون عسكري دفاعي يكون في مثل ذلك التحدي الخطير الذي مثله الغزو العراقي، وما صحبه من تهديد مباشر لأمن دول المجلس بل وحتى لوجود واستمرارية كيانها.
وهنا وقفت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله موقفاً شجاعاً بالتصدي للعدوان العراقي الغادر ودفع الظلم الذي وقع على الكويت، ولقد كان لذلك الموقف السعودي أثره في تنشيط مشاعر الوحدة الوطنية والإنسانية للاخوة بين أبناء الأسرة العربية الخليجية الواحدة فتوحدت الرؤية كما توحدت الإرادة السياسية وبدأ التحرك التعاوني نحو إنشاء كيان عسكري دفاعي تحت قيادة موحدة فكانت (قوة درع الجزيرة) حيث تبرعت المملكة بمبلغ مليار ريال لبناء مقر دائم لقواتها لتكون على أتم استعداد لمواجهة المخاطر والتحديات التي قد تواجهها دول المجلس مستقبلاً.
ولم تكتف المملكة بتلك الأطر الأمنية والعسكرية في تعزيز مسيرة مجلس التعاون، بل تعدتها إلى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث طرحت المملكة مبادرة اقتصادية غير مسبوقة تجاوزت في عمقها إطار العمل والتعاون الاقتصادي والتجاري إلى العمق الشعبي، حيث فتحت المملكة الباب أمام شعوب دول مجلس التعاون للمشاركة في أسهم أكبر شركة صناعية سعودية هي الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» وذلك بتخصيص 10% من أسهم الشركة لصالح مواطني دول المجلس إسوة بمواطني المملكة الراغبين في شراء تلك الأسهم.
وفي الجانب الاجتماعي تسعى المملكة لخلق وحدة متجانسة في كل دول المجلس، وذلك يجسده قول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد: «إن المملكة دائماً مع شقيقاتها الأخريات في مجلس التعاون وتفتح صدرها لأي أمر يعود على هذه الدول مجتمعة بالخير سواء كان هذا الأمر اقتصادياً أو صناعياً أو عسكرياً أو اجتماعياً، وان نرى هذه البلدان الست بدون حواجز ولا أعتقد ان هناك حواجز بين هذه الدول في جميع الأمور»(1).
مبادرات إنسانية وثقافية:
وأعلن خادم الحرمين الشريفين مبادرة إنسانية سمح بموجبها لكل سعودي ان يتزوج من أي فتاة من أي دولة خليجية في مجلس التعاون كما يحق لأي شاب من دول مجلس التعاون أن يتزوج فتاة سعودية تكريساً للوحدة الإنسانية بين شعوبها، وهذا الجانب يعطي العمق الاستراتيجي الحقيقي الذي يترجم التجانس الاجتماعي بين شعوب هذه المنطقة الذي يسعى إليه خادم الحرمين الشريفين مع أشقائه قادة دول المجلس.
وفي مجال دعم الثقافة العربية قدمت المملكة مبادراتها التي لم تقتصر على مثقفي دول مجلس التعاون بل تعدتها إلى كل الأمة العربية وفي هذا الإطار عملت المملكة بتخصيص جوائز تقديرية وتشجيعية للأدباء والمفكرين إثراء للثقافة العربية، حيث خصصت المملكة جائزة للإبداع الثقافي الخليجي باسم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، كما تبرع بمبلغ (10) ملايين دولار للصندوق العربي للتنمية الثقافية نوفمبر 1998م ويأتي ذلك التبرع انطلاقاً من حرصه الدائم حفظه الله على تلمس احتياجات أمته العربية والإسلامية بهدف دفع الحركة الثقافية العربية، ويترجم عملياً ارتباط دول المجلس بأمتها العربية، ويعكس رؤية لوحدة كيان الأمة وارتباطها عضوياً وفكرياً وثقافياً.
وهكذا تتكامل المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لتجعل من تجربة مجلس التعاون لدول الخليج العربية تجربة ناجحة، تضيء الطريق أمام البلدان العربية الأخرى لتمضي على درب الوحدة والتعاون الشامل.
وذلك مايؤكده خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بقوله: «إن إنشاء مجلس ا لتعاون لدول الخليج العربية جاء تجسيداً صادقاً وأميناً لآمالنا الكبيرة في خلق تعاون جماعي يهدف إلى تحقيق تطلعات وآمال شعوبنا بالأمن والاستقرار والنماء والرخاء على هذه الرقعة الغالية من وطننا الإسلامي العربي الكبير.. والحقيقة التي لاجدال فيها ان قوة هذا الكيان واستمراره هي في الوقت نفسه مصدر قوة ومنعة للكيان العربي الكبير، وان هذا التلاحم بين أي جزء من أجزاء هذا الوطن لابد ان يكون حاجزاً صلباً أمام الأخطار والتحديات في هذه المرحلة المهمة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية»(1).
(1) أول خطاب للملك فهد بن عبدالعزيز بعد مبايعته ملكاً.
(1) لقاء الملك فهد مع أبنائه طلاب جامعة الملك فيصل في الاحساء جمادى الآخرة 1404ه.
(1) حديث خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز إلى مجلة المجالس الكويتية 15/3/1405ه.
|
|
|
|
|