| مقـالات
تعج الصحف السعودية والصحف العربية بأقلام المثقفين في الساحة وتتراشق أقلام الجميع العديد من القضايا المطروحة على أرض الواقع بعضها بحيادية عالية جداً وبعضها بمجاملات بارعة جداً، وبعضها بسطحية ممجوجة تخدم مصلحة ما.. ولم نجد المثقف الموضوعي الذي يتناول الحدث بواقعية، ويتعامل معه بعيداً عن الأخذ بعين الاعتبار لمصلحة معينة أو جهة معينة.. إن المثقف يشكل قوة لا تقاس بمعايير الوزن، المسافة، القدرة.. انه يقاس بمقدار التأثر والتأثير في الحدث. تطحن الساحة العديد من الأحداث والتي في مجملها تمثل ترابطاً في المضمون، وتشتتاً في المظاهر.. ويعي جميع المثقفين الأبعاد المختلفة في بؤرة الواقعة، ولكن آليات التشويش التي آلت اليها حالة المثقف تقف عائقاً أمام ما يمكن ان يقدمه من آراء ومقترحات حول قضايا قد يكون له دور فاعل في تجاوزها.. وكلنا يعلم أن القرار يبنى على قاعدة فلا يوجد قرار عشوائي جميع القرارات تتخذ وفق آليات معينة يعرفها المثقف ويتعامل معها متخذ القرار، وتتمثل هذه الآليات في خطوات صناعة القرار.
إن اتخاذ القرار مرحلة من مراحل صناعته.. فصناعة القرار تعتمد على من سيساهم في صناعته، والقاعدة تقول ان كل من يرتبط بهم القرار يجب أن يساهموا في اتخاذه. والمثقف العربي تؤرقه المعرفة بشأن الأمة، وتؤرقه علومه ومعارفه في كيفية طرح المعرفة، ويجب أن يكون هذا المثقف في الصفوف الأولى من آليات صناعة القرار.. فالقرار يتطلب قاعدة تبدأ بجمع المعلومات، والمعلومات يمتلكها المثقف بحكم التفاعل القائم بينه وبين استقاء المعرفة بصورة مستمرة، فبياناته جاهزة أو أنه يسهل الحصول عليها، ثم تأتي عملية صياغة البدائل والتي تمثل حلولاً مقترحة للقرار المراد الوصول اليه.. ووضع البدائل يساهم في مرونة القرار المتخذ.. والمثقف العربي لديه من الوعي والإدراك ما يجعله يضع البدائل في ظل موازنة البدائل الموجودة فهو لا يعتمد على التخيل فلا معقول في تحديد القرارات أو الوصول الى تحقيق الأهداف دون إلمام بمجريات الأمور، وإنما هو أكثر أفراد المجتمع دراية وخبرة بما هو موجود، وما يمكن التعامل معه فمصادر المعرفة لديه متعددة.. ورغم كل السمات التي يتميز بها المثقف العربي إلا أننا وللأسف الشديد لا نجد على صفحات المطبوعات الإعلامية لدينا إلا قنوات يفتحها المثقف الكاتب ويتركها للقارئ أو المحب لحل الكلمات المتقاطعة ليبحث في مسارات القنوات فاما أن تؤدي إلى جنوحات جانبية، أو أنها تؤدي إلى نهاية القناة ويكون العمق بمقدار ما بدأ به الكاتب، ولا تجد نهاية واضحة لما يريد أن يقول.. وهنا تتداخل الرؤى والتنبؤات المختلفة التي قد تكون عائقاً لهذا المثقف في المستقبل من الأيام والأحداث.. إذاً لماذا لا يمتلك المثقف العربي الأسلوب الواضح في العرض ويساهم في مناقشة الحدث في ظل ما يمكن أن يخدم التوجه للقضية المطروحة حتى يستطيع متخذ القرار أن يقارن بين رؤية الجهات القائمة على صناعة القرار ورأي المثقف الذي ينقل رأي الشارع العام في إطار علمي واقعي مهذب مدعم برأيه يخدم به القضية قيد الطرح، محلل وجهة نظره بطريقة علمية تستفيد منه المؤسسة متخذة القرار، إن حال مثقفينا يحتاج إلى شيء من الدعم وإلى جرعات من الثقة في النفس، حتى يستطيعوا أن يتفاعلوا مع الحدث دون تردد دون تذمر أو ضجر فإن الرأي يظل رأياً غير قابل للتنفيذ ما لم يتم الإجماع على أن فيه مصلحة للمستفيد من القرار. وتساؤلي هو.. لماذا لا يكون هناك نادٍ خاص بالمثقفين الذين يتخذون من وضع الأمة هدفاً لدراستهم واطلاعهم وهدفهم هو الإصلاح والتنوير ورفع الشأن العام.. يقومون فيه بالاجتماع لتدارس القضايا التي يحتاج إليها المجتمع، وتحتاج لها الأمة، ويكون بينهم وبين المؤسسة السياسية قناة مفتوحة لضخ كل ما تتم مدارسته في هذا النادي، وعند التعامل معه بتفاعل المؤسسة الحاكمة والشروع في تنفيذه والموافقة عليه يتم طرحه عن طريق وسائل الإعلام بجميع الخطوات التي مر بها لتحقيق الهدف المنشود، وفي حالة عدم الموافقة عليه، يتم عرضه أيضاً بصورة عقلانية وموضوعية موضحين أسباب الرفض.. بهذا يمكن الربط بين جميع العناصر المؤثرة والمتأثرة في المجتمع وتصبح العلاقة بين المجتمع والمثقفين، والجهات المسؤولة علاقة مفتوحة قائمة على الثقة في التعامل مما يرفع الروح المعنوية لدى أفراد المجتمع، وترتفع روح الولاء لدى الجميع.
|
|
|
|
|