| مقـالات
لا أدري كم فضائية لبنانية تصادفك في تنقلك بين المحطات، ولكن أعتقد بأنها عدد الطوائف التي تريد أن ترفع هويتها عالية ومختلفة ضد الاندماج في المشروع اللبناني الوطني الكبير.
المحطات الفضائية هي إحدى أساليب المقاومة للعصارة الهضمية التي تريد احلال الهوية الوطنية بدلا من العقائدية أو الطائفية، والمتأمل للمجتمع اللبناني عن كثب لابد وأن يلمح تلك الهويات التي يحاول ان يبرزها من خلال أرديته، فلسفته، وتاريخه العقائدي الذي بالتأكيد يميزه عن الآخر، ويبقيه كيانا واضح الملامح والحدود بحيث لا يخترق أو يذوب في الآخر.
ولكن الجميع بلا استثناء يتفق على حب الحياة.. الحياة ببعدها المادي الحسي من مأكل ومشرب وطرب وكيف «أعتقد هذا هو المشروع اللبناني الكبير» الذي يتفق عليه الجميع.
ففي الفضائيات مثلا تنخرط جميع الفضائيات بحماس منقطع النظير في الصباح في الترويج لأهدافها الفكرية ومشروعاتها الاقتصادية، وما هنالك مما تحتويه أجندتها السياسية وحماسها الانتخابي وطموحها السلطوي.. الخ.
ولكن في المساء تغلق «دكاكين» السياسة وتشرع «دكاكين» المرح والفرح بلا استثناء!! وقضية ان تملأ ساعات المساء الطويلة بمواد تغطي فترات البث قد يصبح مفارقة صعبة لدى الكثير، لذا تتوسل البضاعة السهلة البراقة الرائجة في كل زمان ومكان.
فكلما شحنت المحطات بالأجساد الأنثوية في سوق النخاسة كلما ازدحم البرنامج بالاعلانات التي يتهافت عليها مروجو السلع.
«وياليل يعين وهيصة من كل ميلة عيلة فيض من غيض»، وهكذا يجتمع محور جميع هذه البرامج حول الأغاني اليومية الهابطة ومدى قدرة المتسابقين على ترديدها أو تذكرها أو معرفة أصحابها.
وساعات تسرق من مساء المواطن العربي المأزوم بهزائمه وأحزانه وانكساراته، ساعات تدفع من جيبه الخاوي «فثمن الاعلانات التي تقوم عليها مثل هذه البرامج المرعبة تضاف الى ثمن السلعة المعلن عنها والذي يسعى المشاهد البسيط لاقتنائها».
ساعات ليلة طويلة تزعق في وجوهنا بالرخيص والمبتذل والمفرغ من المحتوى، الذي يليق بمجموعة «رعاع» اجتمعوا في حانة..!! وليس عائلة تتوقع ان هناك خلف هذه الشاشة خطاب اعلامي يتوازى مع الهم القومي العام الذي يمر فيه عموم المسلمين أو العرب، أو طرح يحترم عقولا تناضل للانعتاق من الحصار الفكري والظلام الفلسفي الذي ظل يطوقها لعقود طويلة، أو على أبسط الاحتمالات مادة تقدر هذه الساعات الفضائية الطويلة «المدلوقة» في الفضاء والذي يدفع المواطن ثمنها من جيبه الخاص.
يطول الحديث ويتشعب، ولكن يبدو ان الشق اتسع على الراقع وما زال عملية انتاج هذا النوع من البرامج نشطا ومتوهجا، على كل حال استثني من القنوات اللبنانية قناة «المنار» التي تحاول ان تقول شيئا مختلفا في زمن الصمت الشمولي.
omaimakhamis@yahoo.com
|
|
|
|
|