| مقـالات
إما أن تطرح قضية المرأة من وجهة نظر شرعية، وإما أن تطرح من وجهة نظر بشرية.. فإن كان الأمر على الطرح الأول فلابد أن نقدم لذلك بنصوص الشرع الصحيحة الصريحة، ليكون اجتهادنا وتفكيرنا في دائرة المقاصد الشرعية المرعية.. وإن كان الأمر على الطرح الثاني، وأن المرجع إلى التفكير العقلي بضروراته الفطرية والكسبية متحرراً من التقيد لأي حق لله في التشريع: فالمفكر المسلم عنده الاستعداد للمطارحة العقلية البشرية البحتة، وليس ذلك تنازلاً منه عن حق ربه في التشريع، ولكن ثقة منه بأن العقل بكل بدهياته وضروراته الفطرية والكسبية مع المقتضى الشرعي وليس ضده.. وحديث اليوم عن المرأة من وجهة نظر شرعية يستنبطها المفكر المسلم من معاني نصوص دينه، وحينئذ يكون لها الصدارة في العرض، فأول ما أصدّر به قاعدة أصولية هي المفهوم للخطاب الشرعي الموجه للمؤمنين وللناس، فالأصل في الخطاب الشرعي دخول المرأة فيه حتى يقوم دليل صحيح على إخراجها منه.. وأما النصوص تفصيلاً فالذي خلق المرأة ذات خصوصية في تكوينها هو الذي أنزل الشرع الذي ساواها بالرجل في موضع كالقصاص، وميز الرجل في موضع كالإرث، لأن لها واجبات على الرجل من النفقة، وككون شهادتها بنصف شهادة الرجل، وككون القوامة للرجل.. وتحت هذه القوامة أمور كثيرة كتدبير النفقة، وأن يكون الطلاق بيده.. ومن المفاضلة أن الرجل «بشرط العدل» يتزوج أربعاً، ولس لها أن تتزوج غير واحد، لأن السنة الطبيعية لحفظ النسل والأنساب تقتضي ذلك.. وكل هذه الأحكام ملائمة لسنة الله الفطرية الكونية في تكوين المرأة.. ومن النصوص الفاصلة وهي مما احتج به فضيلة الشيخ صالح الفوزان : قوله تعالى يقص قول زوجة عمران« التي نذرت ما في بطنها من الولد، ليخدم بيت المقدس، ثم ظهر المولود أنثى»:«رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى»«سورة آل عمران/ 36»«1».. وقد يُعترض على هذا الاستدلال بأن القول قول زوجة عمران لا قول الله، فهي ترى أن الأنثى لاتستطيع القيام بعمل الرجل.. قال أبو عبدالرحمن: قص الله ذلك عنها، ولم ينكره عليها، فكون الذكر ليس كالأنثى خبر قرآني بلا ريب، فهذه واحدة.. ثم إن الله سبحانه أطلع حسنا وواقعنا على هذا الفارق، ورتب على ذلك أحكاماً شرعية.
قال أبو عبدالرحمن: أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لم يدل دليل على خصوصيتها أسوة لنا، لقوله تعالى:«لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً»«سورة الأحزاب/21»، وهكذا ما رضيه الله لسكنه من زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن: فهو قدوة لنا يحمل على الندب والفضيلة إذا قام دليل على عدم الوجوب، ولم يقم دليل على خصوصيتهن.. وقد رضي لهن ربنا سبحانه الحكم الموجه إليهن في خطابه الكريم.. قال تعالى:«يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى» «سورة الأحزاب/32 33» فهن أسوة نساء المؤمنين في أن الأصل أن تقر المرأة في بيتها إلا لضرورة، وقوله تعالى:«لستن كأحدٍ من النساء» لبيان فضلهن، وليس ذلك لخصوصيتهن بالحكم، وإنما هو بمعنى أنهن الأولى به، لأن الله اشترط التقوى بقوله سبحانه:«إن اتقيتن» فالحكم معلق بباعثه الذي هو التقوى، والتقوى مطلوبة من كل أحد على سبيل الوجوب، فالأصل أن تقر في بيتها وجوباً إلا ما استثنته الضرورة.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، فهذا هو الأصل شرعاً في وظيفتها إلا لضرورة، وهذا الحديث الصحيح مبين أن«وقرن في بيوتكن» أمر عام لنساء المؤمنين، لأجل مسؤولية الرعية في البيت.
والقوامه المنصوص عليها في قوله تعالى:«الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»«سورة النساء/ 34» : مشروطة بالتوجيه النبوي الكريم كقوله صلى الله عليه وسلم: واستوصوا بالنساء خيراً.. ومعللة بأمرين:
أحدهما: الإنفاق ، فالرجل هو المسؤول عن الكدح والكسب لينفق... وغير ذلك استثناء للضرورة. وثانيهما: الفضل، وهذا يؤكد ما سلف من خبر الله عن زوجة عمران، وأن قولها قد أقره الله.. وقد مهد الله لعباده بقبول النساء لخصوصية الرجل بقوله تعالى:«ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعضٍ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن» «سورة النساء/32».
وصح عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.. فهذا يؤكدالخبرةالبشرية أن المرأة أكثر إثارة للرجال إذا أبرزت مفاتنها.. وهذا لا يعني أن الرجل لا يفتن المرأة، بل هو مثار للفتنة بدليل «أفعمياوان أنتما»؟.. إلا أن الحكم للأغلب، وقد راعى الشرع المطهر الأمرين معاً الأغلب وغير الأغلب، فقال تعالى مخاطباً الجنسين:«قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون» «سورة النور/ 30 31».
والدعوة إلى تحرير المرأة من قيود الشرع اعتراض على حكم الله الشرعي وكفر به، وسخط على قضاء الله الكوني في التفريق بين الجنسين.. وهذا التفضيل والممايزة شرعاً مساواة عادلة بمراعاة الفوارق في الفطرة الكونية، إذ المساواة ذات بعدين هما: التسوية بين المتساويين، والتفريق بين المفترقين فيما افترقا فيه.. أما التسوية مع الفارق فهي الظلم والحيف.. وهو تفريق في الوظائف والاستعداد وإحلال الحكم في الواقعة المطابقة له، ولهذا جاءت التسوية في القصاص، لأن كل نفس من الجنسين معصومة.. وجعل الجزاء الأخروي وفق العمل الصالح، فقد تفوق المرأة الرجل عند الله منزلةً إذا تفوقت في إيمانها .. قال تعالى«أني لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى» «سورة ال عمران/ 195»، وقال تعالى:«ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة»«سورة النساء/ 124» ، وقال تعالى« من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة» «سورة غافر/40» ، وقال تعالى:«من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» «سورة النحل/97».. وفرق بينهما في الجزاء حسب العمل.. قال تعالى:«ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوحٍ وامرأت لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين» «سورة التحريم/ 10 12».
ومن النصوص الشرعية ما فُهم على غير وجهه كقول الأستاذ زين العابدين الركابي«شأن المرأة مثل شأن الرجل في أصل النشأة والتكوين».. ثم استدل بقول الله تعالى:«يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءًَ».
«سورة النساء/1»«2».
ومن النقص في الفهم الشرعي قوله:«فتح أبواب العطاء كلها أمام المرأة، وليس هناك قيد عليها إلا قيد الخلق والآداب العامة».
قال أبو عبدالرحمن: بوليس القانون للاقنون إنما هو لتنظيم البغاء وحرية التراضي بين الجنسين، ويسمى بوليس الآداب العامة.. بل هي مقيدة إن لم تقيد نفسها بأحكام الشرع التي هي الخلق والآداب العامة.. كما يقيدها ضرورة الوظيفة القاعدة وهو ما شرحته من الواجب البيتي من أجل سعادة سكنها زوجاً وأسرة وبيتاً.. وفي ذلك سعادتها هي.
وفتح أبواب العطاء مرهون بفتح أبواب التكافؤ في الاستعداد ، وليس الأمر كذلك، فقد أسلفت النص القرآن علي أن الذكر ليس كالأنثى من سورة آل عمران.
ومن تلك النصوص التي فهمت على غير وجهها قوله:«فالقرآن كرم الأم وأعلى شأنها «وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليوم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين«سورة القصص/7» .. والقرآن كرم الأخت وأبرز دورها الفاعل، وشهد بذكائها وحصافتها«وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنبٍ وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيتٍ يكفلونه لكم وهم له ناصحون فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن» «سورة القصص/11 12»..
والقرآن كرم البنت واحترمها وصور كفاحها وأدبها«ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمةً من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير» «سورة القصص/23» .. والقرآن كرم الزوجة، وأبرز قدراتها العقلية وقوة شخصيتها في المطالبة بحقوقها:«قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير» «سورة المجادلة/1».
قال أبو عبدالرحمن: لم يبين وجه الدلالة من هذه النصوص، ولا فرق بين هذا الاستدلال وبين استدلالٍ مفترضٍ لقائل يقول:«الصلاة واجبة، والدليل قوله تعالى:«والنازعات غرقاً» «سورة النازعات/1»!!، فكل هذا من التلاعب بكلام الله، ولست والله أجد بأي دلالة محتملة ولو بأبعد طريق أن قوله تعالى:«خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها». ينتج الزعم بأن شأن المرأة مثل شأن الرجل في أصل النشأة والتكوين»!!.. إلا من جهة أن الذكر والأنثى من خلق الله.. وهذا ليس محل خلاف بين المسلمين.. بل شأن الرجل في أصل الخلق غير شأن المرأة، فهي تحيض وتلد، ولا يجللها الشعر، وجسمها أرق وأنعم.. وليس الرجل كذلك، وهكذا كان الفرق في التشريع.. ثم إن الآية التي استدل بها الركابي عليه وليست له بنصها وتفسيرها.. أما النص فقوله تعالى:«خلقكم من نفس واحدة» والمراد نفس آدم عليه السلام، فالرجل هو الأصل.. وأما التفسير فعند قول الله تعالى:«وخلق منها زوجها»، فقد صح الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم:«إن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء من الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج»، وإلى لقاء إن شاء الله.
الحواشي
«1» جريدة الدعوة رقم 1692 في 5/2/1420ه ص 12.
«2» مجلة اليمامة عدد 1551 في 1/1/1420ه.
«3» المصدر السابق.
«4» المصدر السابق.
|
|
|
|
|