| متابعة
*
* القاهرة مكتب الجزيرة محمد حسن:
في الخامس عشر من مايو العام السابق تم تعيين عمرو موسى أمينا عاما لجامعة الدول العربية خلفا لعصمت عبد المجيد ليكون الأمين العام السابع للجامعة العربية، وكانت الدول العربية قد وافقت بالإجماع على عمرو موسى بعد ترشيح مصر له في مؤتمر قمة عمان للقمة العربية. ومع ذلك كان اختيار عمرو موسى لهذا المنصب مثار جدل ونقاش داخل وخارج مصر. بل قوبل بالعديد من علامات الدهشة والاستفهام في الشارع المصري حتى أن البعض تصور أن الأمر وكأنه «عزل دبلوماسي» لأنشط وزراء الخارجية في الثلاثين عاما الماضية. ورأى آخرون أنه الرجل المناسب في المكان المناسب وأن أمريكا تمارس ضغوطاً كبيرة على مصر لمنع ترشيح موسى لهذا المنصب لمواقفه المتشددة تجاه السياسة الإسرائيلية، ومن جانبها وصفت أوساط سياسية عربية ترشيح موسى لأمانة الجامعة بأنه بعث الأمل في الجامعة التي تعتبر بيت العرب.
واعتبرت وسائل الإعلام العربية أن خبرة موسى في العمل الدبلوماسي تؤهله لهذا المنصب، فقد التحق موسى بالسلك الدبلوماسي في العام التالي فور تخرجه من كلية الحقوق عام 1957م، ثم تدرج في السلك الدبلوماسي وعمل بإدارة البحوث بديوان عام وزارة الخارجية، ودبلوماسيا بسفارة مصر في بون، ثم التحق عضوا بوفد مصر الدائم في الأمم المتحدة عام 1973م، وفي العام 1977م وصل لدرجة مستشار وعين مديرا لإدارة الهيئات الدولية في مطلع عام 1981م. حيث عاد للأمم المتحدة من جديد ليعمل هذه المرة كمندوب للوفد المصري هناك.
تولى موسى منصب سفير لمصر فوق العادة لدى الهند خلال الفترة (1983 1987م)، ثم عاد إلى ديوان الخارجية بالقاهرة ليتولى منصب إدارة الهيئات والمؤتمرات الدبلوماسية (8789)، وفي العام 1991م خلف موسى السفير عبد الحليم بدوي كرئيس للوفد المصري بالأمم المتحدة ومندوب دائم لمصر، وإلى جانب هذه الوظائف كان موسى عضوا حينما كان في درجة سكرتير أول في الوفد المصري لمؤتمر جنيف الخاص بالشرق الأوسط في ديسمبر 1973م، كما كان رئيسا للجنة الإعداد للمؤتمر الإسلامي بالكويت يناير 1987م، وفي 20 مايو 1991م تولى عمرو موسى منصب وزير الخارجية المصري حيث كان عمره آنذاك 55 عاما وكان ذلك تدشينا لمرحلة جديدة في عمل الخارجية المصرية.
وبالرغم من الخبرة السياسية الواسعة التي يتمتع بها عمرو موسى فقد عارض بعض الكتاب الصحفيين ترشيح موسى لهذا المنصب ليس اعتراضا على شخصية عمرو موسى ولكن تحت دعوى استئثار مصر بأمانة الجامعة، لكن الحكومة المصرية استطاعت التنسيق مع رؤساء وملوك الدول العربية وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده سمو الامير عبدالله وحشدت اجماعاً عربياً كبيراً، فلم يكن امام الحكومة المصرية سوى خيارين إما ان تضحي بموقع الأمين العام للجامعة وهو موقع تحرص عليه طوال استضافتها للجامعة وإما أن تطرح شخصية بارزة ذات ثقل عربي كبير فكان ترشيحها لموسى.
وقللت بعض الاقلام الصحفية من امكانية عمرو موسى في خلق دور فعال للجامعة العربية في المرحلة القادمة لان الجامعة تعبر عن واقع عربي يعاني من الانقسام والفرقة، وان نجاحات عمرو موسى كوزير للخارجية ليس لها علاقة بمنصب امين عام الجامعة، وان تلك النجاحات لم تكن سياسية بقدر ما كانت نجاحات دعائية وإعلامية فقط، فالرجل بارع في استخدام وسائل الاعلام لكسب الرأي العام لصالحه، حتى ان بعض الكتاب وصفه بأنه ظاهرة اعلامية، ورأت بعض وسائل الاعلام انه يرث تركة مثقلة بالمشاكل السياسية والاقتصادية والادارية تفوق قدرات موسى السياسية. وعندما تولى موسى منصب امين عام للجامعة، أبدت الجامعة تقدما طفيفا في أدائها خاصة عندما اتخذت مواقف واضحة تجاه السياسة الاسرائيلية في الاراضي المحتلة، ونسقت الجامعة اتصالاتها بمؤتمر جنيف الرابع الخاص باوضاع المدنيين تحت الاحتلال لبحث فرص تحسين اوضاع الفلسطينيين تحت الاحتلال الاسرائيلي، ورعت الجامعة المؤتمر العربي لحقوق الطفل، واتخذت مواقف حاسمة ضد التدخل الاجنبي في الجزائر وسجلت الجامعة مواقف جادة بعد احداث 11 سبتمبر، فقد اعلنت رفضها اي اعتداء على اي دولة عربية بدعوى تدعيمها للارهاب، ونسق عمر موسى جهوده مع اليمن والسودان والعراق وليبيا ولبنان، وانشأ صندوقاً عربياً ترعاه الجامعة لمواجهة الحملة الغربية ضد العرب والمسلمين بعد احداث 11 سبتمبر، والذي انبثق عن مؤتمر حوار الحضارات بالجامعة.
ويمكن القول ان يوم 15 مايو شهد مولدا جديدا في تاريخ الجامعة العربية وإن خبرة موسى السياسية التي تزيد عن اربعين عاما سوف تخلق آليات فعالة في اداء الجامعة العربية وهو ينعكس على الواقع السياسي الرسمي والشعبي العربي.
ويتفق المراقبون على ان موسى له مدرسة خاصة متميزة في حقل العمل الدبلوماسي تقوم على الجمع بين الثقافة العالية وسعة الاطلاع والتفكير الاستراتيجي وبين النظرة الواقعية للأمور والتمرس المهني ومن ثم فان عمرو موسى بتوليه منصب الأمين العام للجامعة، لن يصبح مجرد امين عام بالمعنى الحقيقي للكلمة بقدر ما يكون مفكرا ومثقفا استراتيجيا له رؤى عميقة واقعية للمتغيرات والتطورات على الساحتين الاقليمية والدولية، وان علاقاته الوثيقة بين قادة الدول العربية سوف تعطي دفعة جديدة لمهام الجامعة، وان تميزه بالصراحة والجرأة في الحديث والنقاش خلق له تأييداً قوياً من المثقفين والسياسيين العرب. ولعل تصريح موسى الجريء تعليقا على تصريحات بوش بخصوص القضية الفلسطينية اثناء الحرب في افغانستان بانه اسلوب جديد للنصب والاحتيال تمارسه الإدارة الامريكية يعتبر افضل تعبير عربي يصف السياسة الامريكية يطلقه سياسي عربي عام 2001.
ولكن مستقبل الجامعة العربية لن يكون فقط بيد موسى بل بارادات ومواقف الدول العربية وتبقى التحديات السياسية والادارية والاقتصادية عقبات امام ادارة موسى فإما تخطيها وإما ان تغرق الادارة الجديدة في مشاكل الماضي والحاضر.
|
|
|
|
|