| متابعة
* القاهرة مكتب الجزيرة محمد حسن:
سقطت طالبان وتشكلت حكومة مؤقتة ممثلة للاغلبية الافغانية ولكن ما زال الاستقرار والامن مهددين في افغانستان فالسلطة المؤقتة تحكم ولا تملك، في ظل فقر الامكانيات المادية والعسكرية وما يتردد عن ضعف التأييد الشعبي. فهل تستطيع الحكومة المؤقتة ضمان استقرار داخلي للبلاد؟ وهل تنجح في ملء الفراغ الاداري والسياسي الذي خلفه انسحاب طالبان؟ وكيف توازن الحكومة بين مصالحها الداخلية والخارجية ومصالح دول الجوار؟
مهام جسام
في ضوء نتائج مؤتمر بون تشكلت حكومة ائتلافية برئاسة حميد كارزاي كتعبير عن حل وسط تاريخي بين الفصائل الافغانية المختلفة، وقد عكس تشكيل الحكومة توازنات اقليمية ودولية معقدة، ورغم الولادة العسيرة لهذه الحكومة وتركيبها المعقد الا انها يجب ان تتصدى لإنجاز مهام صعبة اهمها التحضير لعقد مؤتمر (لوياجيرغا) تشارك فيه كل الفاعليات الافغانية وممثلون عن القبائل والاقليات لصياغة دستور البلاد على ان يتم ذلك في فترة ستة اشهر، ويضاف الى ذلك مهمة اعمار البلاد التي خربتها الضربات الامريكية فضلا عن سنوات الحرب الاهلية. وكل ذلك يحتم على الحكومة توفير ملايين الدولارات، فقد قدرت الامم المتحدة كلفة الاعمار بحوالي 9 بلايين دولار مع الحاجة ل 600 مليون يورو للمشاريع العاجلة في البلاد.
لكن قضية الامن والاستقرار تأتي على قمة جدول اعمال الحكومة المؤقتة فهي اكثر القضايا أهمية وخطورة على حد السواء، فالبلاد في حروب منذ ثلاثة وعشرين عاما في ظل نزعات قبلية مازالت مستمرة حتى اليوم مما يخلق صعوبات في وضع خطة أمنية محكمة، فمن الصعب سيطرة الحكومة على شعب مسلح يخضع للنظم القبلية ولا يقبل حكومة مركزية، ويرى المراقبون ان ما يهدد الامن الافغاني هو وجود قوات امريكية وبريطانية على الاراضي الافغانية، فالتاريخ الافغاني يرفض وجود مثل تلك القوات، فحين تدخل الانجليز في افغانستان عام 1840 تحت ستار مساعدة شاه مسعود بدعوى انه الوارث الشرعي الحقيقي للبلاد ما لبث أن اعلن الشعب وقادته الجهاد ضد القوات الاجنبية وقضت عليها عام 1842، فمع وجود قوات اجنبية تساندها بل وتوجهها قوات من تحالف الشمال يصبح الوضع الأمني اكثر تعقدا في الوقت الراهن.
وتأتي قضية اللاجئين ضمن المهام المثيرة في اجندة كارزاي، فقد بلغ عددهم حوالي 5 ملايين لاجئ منتشرين على الحدود الافغانية وفي ايران وباكستان وتركيا وكشمير، وهم في حاجة لمساعدات عاجلة وخاصة في ظل وجود حكومة افغانية حالية تلقى الدعم الدولي والاقليمي وفي ظل وعود دولية واقليمية بضرورة عودة اللاجئين.
تحديات قادمة
هناك تحديات كثيرة تواجه حكومة كارزاي اولها سيطرة تحالف الشمال على السلطة المؤقتة اداريا وعسكريا، فقد حصل التحالف على نصيب اكبر في التشكيل الوزاري الذي ضم محمد قاسم فهيم وزيرا للدفاع وعبدالرشيد دوستم نائبا له وممثلا واضحا عن الاوزبك بعد اعتراضات دوستم على الحكومة منذ بداية مؤتمر بون وحتى تشكيلها، من هنا جاء تعيينه بوساطة تركية لدى الولايات المتحدة في محاولة لرأب هذا الصدع، واسترضاء دوستم فضلا عن دعم دور تحالف الشمالي في السيطرة على البلاد خاصة ان دوستم قائد بارز في التحالف ويحظى بشعبية كبيرة من الاوزبك.وزاد من حصة تحالف الشمال في الحكومة المؤقتة تعيين الحاج محمد محقق نائبا لرئيس الحكومة ووزيرا للتخطيط، وشاكر كارجار نائبا لرئيس الحكومة ووزيرا للمياه والكهرباء، وهداية امين نائبا لوزير المالية، وعبدالله عبدالله وزيرا للخارجية ويونس قانوني للداخلية، وسيماسمر نائبة ووزيرة لشؤون المرأة وبالتالي يدعم ذلك سيطرة التحالف سياسيا وعسكريا على البلاد.
سيطرة تحالف الشمال على الحكومة يظهر التحدي امام حكومة كارازي، فتلك السيطرة تخلق نوعا من عدم الشرعية لدى كثير من القبائل، فمثلا قادة الباشتون في ولاية ننغرهار تعارض أي تواجد لقوات من اثنيات اخرى ويسود الوضع ذاته في ولايات تسيطر عليها اثنية الباشتون مثل كونار ولوغارو وارداك وباكتيا وباكبيكا وخوست وغزنة، هذا بجانب تزايد العداء لقادة تحالف الشمالي من قبل الباشتون بسبب اسر وقتل الآلاف من ابنائهم وبسبب الصراع السابق الذي حسمه طالبان بالسيطرة على الحكم 1996، فسيطرة تحالف الشمال وحكومة كارزاي المؤقتة على البلاد قد تخلق نوعا من الفراغ الاداري الكامل، لأن الحاكم في اي ولاية يفتقد للادوات التي تمكنه من ممارسة سلطاته بسبب غياب الجهاز التنفيذي لها.
شبح طالبان
ويأتي التحدي الثاني للحكومة المؤقتة ممثلا في بقايا طالبان، فمع انهيار الحركة عادت كوادرها الى التمسك بروابطهم القبلية والكفاح تحت لوائها لتصل دون غيرها من القبائل الى السلطة والحكم، وهم يحملون افكار الملا عمر ومازالوا ينتظرون عودة طالبان مرة اخرى في ظل تأييد شعبي من قبائل البشتون الممتدة في الشرق والجنوب مما يزيد من الانشقاقات الداخلية ضد الحكومة.
أمريكا
أما التحدي الثالث الذي يواجه الحكومة فهو طبيعة علاقاتها مع القوى الاجنبية وخاصة مع امريكا التي قضت على طالبان وهيأت الاراضي الافغانية لتلك الحكومة المؤقتة، وهي اول دولة اعترفت بحكومة كارزاي التي أتت بها وفقا لشروطها وبدون إرادة كاملة للفصائل الافغانية في بون، التي صوتت لحامد سيرات الذي رفضته امريكا بسبب امتداده العرقي للهزارة وفضلت كارزاي لأصوله الباشتونية وعدائه السابق لطالبان، فقد رفض ان يكون ممثلا لحكومة طالبان في الامم المتحدة واتهم الحركة بالعمالة لباكستان، هذا بجانب زعامته القبلية في قندهار وتأييده الملك ظاهر شاه، فجاء كارزاي موافقاً للاجندة الامريكية، وخاصة ان امريكا تحتاج حكومة ترعى مصالحها وتضمن الاستقرار والأمن للبلاد، وهو ما قد يحول الحكومة المؤقتة لدمية في يد واشنطن مما يقلل من قدراتها ويزيد السخط الشعبي عليها.
دول الجوار
ويأتي التحدي الرابع متمثلا في موقف دول الجوار من تلك الحكومة، فالهند وايران أيدتا الحكومة المؤقتة تأييدا كاملا في حين اظهرت باكستان نوعا من الاعتراض عليها وهو ما يمثل تحديا واضحا لها، فالهند طالما ساندت تحالف الشمال لإسقاط طالبان وضرب باكستان في عمقها الاستراتيجي افغانستان، ومازالت تنظر بعين الترقب، والخطر وتنتظر جني ثمار دعمها.
اما ايران فتنتظر وعودا كثيرة للهزارة في افغانستان وخاصة في ظل تشكيل جديد، هذا بجانب طمع ايران في حل مشكلة اكثر من مليون لاجئ افغاني على اراضيها وضمان الاستقرار على حدودها مع افغانستان، ويأتي الموقف الباكستاني اكثر صعوبة فالحكومة الباكستانية اصبحت اكثر حرجا بعد تولي سلطة مؤقتة لا تلقى قبولا باشتونيا من ناحية وغضب شعبي في باكستان لانهيار طالبان من ناحية اخرى، هذا بجانب سوء علاقاتها مع الادارة الجديدة التي ترى باكستان انها ادارة هشة يسيطر عليها تحالف الشمال المعادي لإسلام اباد بسبب دعمها السابق لطالبان،
وتحاول الحكومة المؤقتة تقديم تنازلات في علاقاتها مع باكستان خاصة في ظل سيطرة باكستان على الباشتون في جنوب وشرق افغانستان مما يزيد من التحديات امام الحكومة المؤقتة في ظل التحضير لمؤتمر يضم كل الفصائل الافغانية.
ويتمثل التحدي الاخير في ضيق القاعدة الشعبية للحكومة المؤقتة الامر الذي يؤدي لاستخدام القوة ضد القبائل التي تنكر شرعية الحكومة .
ولكن لن تجد الحكومة مقاتلين افغاناً يحاربون معها، وقد يطاح بكارزاي وحكومته من على قمة السلطة من قبل القبائل المتصارعة. الخيار الاخير سترجع افغانستان لويلات التحالف الشمالي وسيطرته على البلاد.
ويظل مستقبل الحكومة المؤقتة غامضا ويحمل الكثير والكثير من التحديات لكارزاي الذي يريد ان يحصد المكاسب في ظل فقر امكانيات مادية ونقص للتأييد الشعبي وتربص واضح من الدول المجاورة.
|
|
|
|
|