| متابعة
* القاهرة مكتب الجزيرة شريف صالح:
دخلت الحملة الأمريكية على أفغانستان منعطفاً جديداً بعد أن سكتت المدافع وتوقف دوي القنابل .. الآن امتدت مائدة التفاوض بين الفصائل الأفغانية .. الملك السابق وتحالف الشمال في مدينة بون الألمانية يقررون المصير برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي .
د. محمد السيد سليم أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ورئيس مركز الدراسات الآسيوية له رأي آخر فيما يجري الآن على مائدة التفاوض .. التقت به الجزيرة باعتباره أحد الخبراء العرب المعدودين في الشأن الآسيوي وكان هذا الحوار عن سيناريوهات المستقبل وما الذي يمكن أن يقدمه العرب عملياً .. خاصة في هذه اللحظة التصادمية بين الغرب والعالم الإسلامي.
النية و القصد
* بداية .. يرى البعض أن النية كانت مبيتة لضرب أفغانستان بغض النظر عن أحداث 11 سبتمبر .. هل هذا صحيح ؟
لا يمكن القطع بأن الحرب الأمريكية في أفغانستان كانت مخططة «سلفاً» ولكن المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية منذ نسف سفارتيها في كينيا وتنزانيا ومهاجمة المدمرة كول كانت تسعى إلى تعقب تنظيم القاعدة وحركة طالبان . أحداث 11 سبتمبر أوجدت للولايات المتحدة الفرصة المناسبة لتحقيق أهداف متعددة معظمها كان محدداً سلفاً ، أولها تصفية تنظيم القاعدة ، وثانيها تأكيد وضع الولايات المتحدة في النظام العالمي باعتبارها القوة العظمى الوحيدة المعترف بها.
كانت الولايات المتحدة قبل جورج بوش الابن قوة عظمى وحيدة ولكن يتم تحديها من جهات متعددة ، بما يعني عدم الاعتراف بوضعها كقوة عظمى وحيدة . وجاءت الأحداث الأخيرة لتخلق السياق المناسب لاعادة تشكيل العلاقات الدولية بشكل يحقق الاعتراف العالمي التام بوضعها. ومن يتتبع المناظرات الرئاسية الأمريكية بين بوش الابن واَل جور يجد أن هذا الموضوع كان أحد الاهتمامات الرئاسية للمرشح الجمهوري في ذلك الوقت جورج دبليو بوش.
* وفي رأيكم .. هل سينجح تحالف الشمال الملك في إيجاد مخرج للازمة برعاية الولايات المتحدة الأمريكية؟
ستسعى الولايات المتحدة بكل طاقاتها إلى أن يسفر مؤتمر بون عن اتفاق ، حتى تظهر الولايات المتحدة بأنها لا تتعامل مع القضية الأفغانية من منطق عسكري بحت ، و إنما من منطق التسوية السياسية والإغاثة الإنسانية . لكن هذا الاتفاق الذي ينتظر أن يتم التوصل إليه خلال أيام تحت ضغط أمريكي أوروبي سيكون دائماً هشاً . لأنه «مفروض» من الخارج ولا يعكس الواقع الأفغاني فمن المفروض أن تشكيل الحكومة يتم من داخل أفغانستان نفسها وليس في بون،بالتالي من الصعب استمرار مثل هذا الاتفاق المفروض من الخارج ومن ثم فإننا سنشهد في المرحلة القادمة انقلاب عناصر تحالف الشمال على بعضها وربما نرى مشهد سيناريو التقسيم الأفغاني فهذا ليس أمراً مستبعداً.
ثلاث مجموعات
* إذا تحدثنا عن موقف الدول العربية من الأزمة الراهنة .. هل يمكن تقييم هذا الموقف حالياً؟
تباين موقف الدول العربية في ثلاث مجموعات : الأولى أيدت الحملة الأمريكية تماماً بل وشاركت فيها من خلال إرسال بعض القوات في إطار أنها قوات حفظ سلام ( الأردن ) . وهذا الموقف تمليه اعتبارات اقتصادية و أمنية معقدة ، خاصة أن الأردن مهددة من الحكومة الفاشية الجديدة في إسرائيل . المجموعة الثانية على النقيض ويمثلها العراق الذي عارض الحملة الأمريكية تماماً و أسبابه معروفة. أما المجموعة الثالثة والتي تضم غالبية الدول العربية فقد اتخذت موقف إدانة الارهاب والسعي إلى امتصاص الغضب الأمريكي من خلال تقديم معلومات استخباراتية (السودان مثلا ) أو إعطاء تسهيلات عسكرية ( عمان مثلا ) أو المطالبة بعقد مؤتمر دولي للإرهاب ( مصر والسعودية ) هذه المجموعة رفضت المشاركة في الجانب العسكري للحملة ، وسياساتها تعكس مصالحها ونوع علاقاتها بالولايات المتحدة ، خاصة في ظل تهديد حكومة إسرائيلية فاشية مستعدة لأن توظف ضد الدول العربية من خلال الولايات المتحدة الأمريكية.
سوء تفاهم قديم
* على هامش الحملة العسكرية ، ظهر على السطح أن هناك سوء تفاهم بين الغرب والإسلام .. كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة؟
هناك صور سلبية متبادلة بين كثير من التيارات السياسية في الغرب وبين العالم الإسلامي بكامله ، وهذا نتيجة اعتبارات كثيرة أهمها الميراث التاريخي المترسب في الذهنية الغربية والإسلامية منذ الحروب الصليبية ، وكذلك التكالب الاستعماري على العالم الإسلامي منذ القرن السادس عشر الميلادي . وأيضاً نتيجة لما يدرس في الكتب المدرسية الغربية عن الإسلام وعن العالم الإسلامي.
يجب أن نعترف أن هناك فجوة ادراكية ضخمة و أن هذه الفجوة قد يغطيها في بعض الأحيان التصريحات السياسية أو المؤتمرات الدولية أو الإعلانات والبيانات المشتركة ، ولكن تظل البنية التحتية للعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي تتميز بهذه الفجوة الادراكية، رغم العلاقات الاقتصادية والسياسية الكثيفة والمتبادلة بين الطرفين ، فمعظم تجارة الدول الإسلامية مثلا يذهب الى الغرب ، وكذا معظم مثقفي الدول الإسلامية يتعلمون في الغرب وأزمة 11 سبتمبر كشفت عن هذه الفجوة الادراكية ولكنها لم توجدها من الفراغ أو العدم.
* وكيف يمكن التعامل مع هذه الفجوة؟
بداية من خلال بناء النموذج الوطني الفعال للتنمية في داخل كل دولة إسلامية فالتخلف و التبعية يكرسان هذه الفجوة الادراكية ، ولن تستطيع دفع الغرب إلى تصحيح الصورة السلبية في ظروف الفجوة التكنولوجية والتعليمية التي نعاني منها كذلك لا يمكن التغلب على هذه الفجوة الادراكية ما لم يكن هناك نموذج للتعاون بين الدول العربية والإسلامية من خلال مؤسسات إقليمية وعبر إقليمية فعالة. وهذا وحده هو الذي سيدفع الغرب إلى بداية إعادة التفكير في تلك الصور السلبية . وأخيراً ، مطلوب من العالم العربي والإسلامي أن ينظر إلى قوى الجنوب التي تشترك معنا في المصالح ، والى أي مدى يمكن أن يشكل التعاون معها زخماً لتمكين العالم الإسلامي من تقوية القاعدة الداخلية.
أما فيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب فإن الجهد الرئيسي في نظري ينبغي أن يركز على البنية التحتية لهذه العلاقات وهي بنية نجد أصولها السلبية فيما يتردد في الكتب المدرسية الغربية عن الإسلام و العالم الإسلامي ، وهناك عشرات الدراسات التي رصدت تلك الظاهرة و لم يهتم بها أحد ! كيف نتصور أن تلميذاً فرنسياً يدرس في المدرسة طوال مراحل التعليم المختلفة أن المسلمين عدوانيون وأن العدوانية جزء من تركيبهم ، ثم نتخيل أن هذا التلميذ حينما يصبح في السلطة سينظر إلى العالم الإسلامي نظرة إيجابية ؟ يكمل ذلك الجهد الإعلامي والحوار الحضاري والمشروعات الثقافية المشتركة ، وهي كلها أمور شديدة الأهمية لكنها شاقة في ظل ما أشرت إليه من فجوة ادراكية.
حوار الحضارات
* وهل تعتقدون أن مؤتمر حوار الحضارات الذي عقد مؤخراً بجامعة الدول العربية يسهم في رأب الصدع وتقريب وجهات النظر؟
أعتقد أن مؤتمر حوار الحضارات الذي دعت إليه الجامعة هو خطوة في الطريق الصحيح أولاً هو خطوة مهمة أن يكون للجامعة دور أو رأي في المناظرة الحالية حول حوار الحضارات .. ثانياً .. اجتماع المفكرين العرب لوضع أجندة وخطة عمل حول الحوار الحضاري مع الغرب خطوة إيجابية .. لكن ينبغي أن يتلو ذلك خطوات أخرى في اتجاه التفاعل العربي الجماعي من خلال الجامعة مع المؤسسات الجماعية الأوروبية مثل الاتحاد الأوروبي بغرض النظر في مصادر الفجوة الادراكية وأساليب تعديلها.
* هل يمكن أن نستكشف أبعاد الدور المطلوب من الجامعة العربية؟
أتصور أن هذا الدور لا ينبغي أن يكون مقصوراً على الغرب و إنما ينبغي أن يمتد إلى القوى الآسيوية والإفريقية. لقد كنت مؤخراً في زيارة لليابان ولمست خلال الزيارة اهتماماً كبيراً بالبدء في إقامة حوار حضاري ياباني مع العالم الإسلامي . أيضاً اعلم أن الجامعة العربية تخطط لاقامة منتدى ( عربي صيني ) للحوار ، العبرة في هذا كله هو «الاستمرارية». لأننا درجنا على أن نبدأ بدايات قوية ثم سرعان ما تتوقف قوة الدفع . واستمرار قوة الدفع عبر جهد دؤوب منظم ومستمر لابد أن يؤدي إلى نتيجة طيبة.
وفي النهاية لا يجب أن نترك الساحة لإسرائيل سواء في أوروبا أو آسيا أو أفريقيا لكي تفرض تصوراتها على الدول العربية بأسرها.
|
|
|
|
|