| الريـاضيـة
تجتمع المدنيات، القائمة على القانون على فصل سلطة التشريع عن سلطة التنفيذ وكلاهما عن سلطة القضاء. ولم يأت هذا من فراغ، أو رغبة في هدر الأموال والجهود والطاقات وإنما للعلم أن الحق والعدل مهما كلف تطبيقهما خير من كل ما يمكن توفيره.
وعلى الرغم من أن لجنة الاحتراف، عندما أنشأت بقرار من الرئيس العام لرعاية الشباب، لجنة تنفيذية من منطلق التكييف القانوني المجرد، إلا أن المحزن في هذا الأمر أن اللجنة تتصرف بشكل يوحي بامتلاكها سلطات تشريع القانون، وتنفيذه وتفسيره، والفصل في المنازعات التي تنشأ في ظله، في سلوك، لم ولن يقبل تصور وجوده في بلد هو قدوة ومنبر للعدالة وحماية الحقوق.
والوصول إلى أرضية تيسر على مسؤولي اللجنة التصرف الخاطىء هذا أمر مبرر ونتيجة طبيعية لافتقاد رئيس اللجنة، ذي التخصص السياسي المفترض، إلى الخلفية القانونية العلمية التي لا غنى للمركز الذي يتسنمه عنها كأساس وتضاعيف ومنتهى.
إن بت اللجنة في المنازعة الحاصلة بين ناديي الاتحاد والهلال السعوديين بشأن قانونية وشرعية عقد الأول مع اللاعب السعودي البارز خميس العويران أحد مظاهر الخلل وتشعباته التي ستبعدنا كثيراً عن جذر المشكلة، والخطير في هذا أننا حينما نقتنع بوجود المشكلة، وهو أمر حتمي لا مناص منه، سننشغل بتضاعيف المشكلة وتداعياتها التي تبعدنا بمراحل عن أصلها وجذرها.
إن الخلل في اجتهادات اللجنة أمر من الوضوح بحيث يصيب كل من لديه حس عدالة، ومنطق بالأسى والحزن. حينما اعترض النادي ذو العلاقة الحالية مع اللاعب على عملية العقد المدعى مع النادي الآخر، كان من بين مبرراته: أن اللاعب تم شطبه لمخالفة شخصية اقترفها، والقواعد العامة الشرعية والقانونية تبين ان فترة خارجة عن مدة العقد مع اللاعب، إضافة إلى القواعد الخاصة، المتمثلة في لائحة الاحتراف، تؤكد هذا المعنى المستند إلى قواعد العدالة والمنطق. والجواب القانوني من اللجنة يفترض أن يكون من خلال أحد طريقين:
الأول: عدم الاتفاق مع ما تم الاستناد إليه من قواعد العدالة والمنطق المقررة شرعاً وقانوناً ومنطقاً «ولا يمكن لي الاستمرار في تسويغ هذا مع الأسف». ومن ثم بيان كيف ألا وجود لمثل هذه القواعد، أو أنها موجودة لكن غير قابلة للتطبيق في هذه الحالة للمبررات التي تسند إليه قرارها.
الثاني أن تعود اللجنة إلى الحق، وتقبل التظلم، وذلك بإعمال القانون والشرع وقواعدهما على الحالة محل النزاع. وهذا لن يتم إلا بثلاثة أسباب لا رابع لها؛
1 وضع العدالة هدفاً خالصاً وصادقاً، لا مناص عن الوصول إليه، ولا سبيل لرفض العدالة تحت أي مبرر من ميول أو غيره.
2 الاعتماد على المتخصصين، الذين تلقوا الشرع والقانون تعلماً وتعليماً، إضافة إلى الإيمان بالعدالة قيمة، وهدفاً نهائياً.
3 الاستناد إلى وعلى الشرع والقانون كأساس للقول بالشرعية أو عدمها.
إذا كان هذا هو الجواب الذي تقره قواعد العقل والمنطق، فماذا كان جواب اللجنة؟ «اللاعب عمره ثمانية وعشرون عاما، وبالتالي يحق له الانتقال إلى ناد آخر دون الرجوع إلى ناديه» ألم أقل لكم انه حينما يغيب التخصص، وتفتقد العدالة مبتغى وغاية يكون الوصول إليها ضرباً من الخبل والجنون.
وللتدليل، غير المحتاج إليه حقيقة، على تخبط اللجنة وعدم توافر عقلية القاضي فيها، انها بعد ان وردها التظلم المتعلق بشرعية العقد محل النزاع، انطلقت إلى حل النزاع حول قيمة اللاعب، وفعلت هذا حسب رئيسها رغبة في تسيير العمل بدل تعقيده!!!؟؟؟، وأن على المتظلم القبول بالمبلغ المحدد، وإلا صححت اللجنة عقد اللاعب المدعى!!!؟؟؟
القضاء أهم أجهزة الدول، وأكثرها كلفة. وإذا كانت أكثر الأجهزة أو كلها من الممكن أن تكون مصادر دخل للدولة، فإن القضاء هو الجهة الوحيدة المكلفة اقتصاديا وغير المفترض فيها أن تكون مصدراً لذلك. فهل هذا غفل أو رغبة في هدر الأموال؟
لقد أدركت المجتمعات أن القضاء، على الرغم من كلفته، أهم وخير من فقده، ففقد العدالة يعرضها للضياع وافتقاد الأمن والأمان، فاختارت وجود القضاء على إغفاله، إيماناً بأن كلفة فقد القضاء أكبر بأضعاف مضاعفة وبما لا مقارنة معه لكلفة وجوده.
والمراد من هذا التأكد على افتقاد اللجنة لعقل القانوني والقاضي. وإذا كان هذا غير مفترض فيها أصلاً، فما المراد من هذه المقاربة؟
لقد خطت الرئاسة العامة لرعاية الشباب برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد بن عبدالعزيز، وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد حفظهما الله خطوات كان لها أبلغ الأثر في بناء المؤسسات الرياضية في هذا الوطن على أسس الحق والعدالة. وإذا تذكرنا أن المجتمعات لم تلجأ إلى إحداث مؤسسات الفصل في المنازعات إلا بعد توافر محلها وهو المنازعات، وكون هذا المنازعات من الضخامة بحيث ان تركها لغير ذوي التأسيس الذهني والمنهجى مؤد بالضرورة إلى ضياع العدالة فإننا نجد مبرر هيئة أو لجنة للفصل في المنازعات الرياضية، ترتبط مباشرة بسمو الرئيس العام، ولا تنفذ قراراتها إلا بعد موافقته حتمية ملحة، وحاجة منطقية.. لقد تم التعامل مع التظلم بطريقة تفتقد إلى قواعد العدالة والمنطق والعلمية. عقد قيمته حسبما أعلن أكثر من أربعة ملايبن ريال، وإذا أضفنا التقييم السريع والعاجل من اللجنة «مليون وثمانمائة ألف ريال» فكيف يمكن حل النزاع المتعلق به بقرار كانت مدة كتابته أطول من مدة التفكير فيه!!!؟؟؟
إن استعمال المتخصصين ليس ترفاً في يوم من الأيام، ولن يكون كذلك وان ما حصل من رفض احتجاج وقبول آخر بعده على الرغم من اتفاقهما في كل تفاصيل وجزئيات الحالتين لدليل يؤكد ضرورة أن تكون جهة حل المنازعات مفصولة كلياً عن الجهات التنفيذية.
إن المجال الرياضي ذو طبيعة خاصة، ومنازعاته تتخذ من هذا الطبيعة مرجعاً وأساساً. ويمكن تكييف هذه المنازعات بتقسيمها إلى نوعين:
الأول: المنازعات العاجلة التي يجب حسمها إلى أقل من أربع وعشرين ساعة،
والثاني المنازعات غير العاجلة، أو ضد العاجلة التي لا يمكن حسمها إلا بعد اتباع إجراءات يركن إليها وتسكن النفس وتهدأ بالاستناد عليها أساساً إلى تحقيق العدالة.
يوجد في المملكة الكثير من القانونيين المؤهلين تأهيلاً علمياً عالياً، الممتلكين للعقلية المنطقية غير المقارن بها ممن يمكن لهم الاضطلاع بعمل ضخم لخدمة الرئاسة العامة لرعاية الشباب والسعي الأكيد لتحقيق العدالة.
لقد أصبحت العقود المتعلقة بشراء خدمات اللاعبين، في صورتها البدائية، تتكلم عن الملايين التي قد تصل حقيقتها إلى أكثر من عشرة ملايين لشراء خدمات لاعب واحد وإذا ما أضفنا إلى هذا ما هو متوقع من تكاليف جانبية منتظرة كالتأمين بكافة أنواعه وغيره، فلكل الحق في إطلاق العنان لقدراته الحسابية لتقدير قيم هذه العقود، فكيف يمكن ترك الفصل في هذه المنازعات إلى لجنة تفتقر إلى مبادىء وأصول هذا الفصل؟
أمريكا ksz3@arabia.com
|
|
|
|
|