رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 25th December,2001 العدد:10680الطبعةالاولـي الثلاثاء 10 ,شوال 1422

الثقافية

نافذة على الإبداع
القاصة التونسية بو العبيدي:
«تغريد خارج السرب» قصص تَؤُول إلى الشعر - فضاء القصص بوح أنثوي، وتأمل في الأشياء
القاصة «بسمة» تقرر نقد الواقع وتقف على الأخطاء
إعداد: عبدالحفيظ الشمري
القاصة، والكاتبة التونسية بسمة البوعبيدي تطل على القارئ بعمل سردي جديد بعنوان «تغريد خارج السرب» واحتوى العمل على عدد من القصص القصيرة ذات الإيقاع المتسارع، واللغة المكثفة والرؤية الحادة للأشياء.. تلك التي تنطلق من أفواه الرواة والشخوص وكأنها محاكمات حادة للمجتمع ولا سيما المجتمع الذكوري الذي ترى الكاتبة أنه يضع المرأة «لاحقاً».
ومن هذه الاشكالية تقيم القاصة بسمة البوعبيدي علاقة فنية تستخلص فيها أهم الاشكالات التي تحيط بالمرأة في العالم العربي.. لتترجم هذه الرؤى الفنية على شكل اهتمامات قصصية استهلتها ببيت القصيد.. القصة الأولى «تغريد خارج السرب» والتي حملت اسم المجموعة..
* أنين داخل السرد..
النص الأول جاء على هيئة فكرة شرع الراوي في سردها للقارئ في وقت لا تحتاج به مثل هذه الومضات أي تدخل أو تفسير أو استزاده فالكاتبة هنا استهلت مشروع القص بآية من القرآن الكريم «سورة الملك.. آية 23».. وختمتها بمقطع من قصيدة «قبر النفري».. في محاولة منها دعم فكرة النص الأساسية.. وهي ركوب الرأس في وقت الأزمات.. إلا ان هذه الفكرة لم تحتمل الإطالة.. فالهم هنا عام ويحتاج منا أن تكون أكثر إيجازاً في وصف احزاننا اليومية.
القصة الثانية من المجموعة والتي جاءت بعنوان «عاملة البريد» سرد واقعي لحالة المرأة التي أخذت على عاتقها مهمة وصف معضلة الأنثى في المجتمع العربي بشكل عام، والمرأة العاملة بشكل خاص..
فضاء السرد يستند في هذه القصة على حاضن أساسي يتجسد بالحوارية المباشرة بين البطلة والآخر (الرجل) في مشاهد عديدة، لكن هذه الحوارية تأخذ شكل البحث عن «عاطفة» تسير هذا الإطار لترسم العلاقة الزوجية بطريقة دقيقة تتلمس من خلال هذه النظرة العميقة أهم نقطة ضعف تعيشه هذه العلاقة.. لتنتهي القصة على هيئة مفارقة مألوفة تتجسد في هذا الصدع العاطفي بين الزوج وزوجته إذ تكتشف المرأة ان دندنة الرجل وصفيره هي وبكل الم حالة جذل تأخذ عليه أيام حياته لتزيد من تباعدهما.. وتصبح «المرأة/ الزوجة» الضحية الأولى في هذا الصدع السحيق.
* حديث على سفح الرجل
في قصة «ما بين الموت والحياة رجل» في المجموعة «ص 38».. تظهر الأنثى كحالة غاية الفرادة إذ تفتش الكاتبة «بسمة» ومن خلال هذا السرد عن اشكالية فهم المرأة لما حولها وتفهم ما حولها لحالتها القائمة منذ أمد..
المرأة في هذه القصة تجسد الشخصية الرئيسة في السرد لتضع «القاصة» الرجل بين حالتي الوجود «الحياة والموت» في محاولة منها تسجيل الحالة المألوفة، أو المعتادة للغياب.. فالموت في هذه القصة لم يخرج عن نظامه، وطريقته في انتزاع الأحبة، وغير الأحبة.. لكن «الراوي» حاول ما وسعته المحاولة تسجيل تفاصيل الغياب لجسد يلفه الموت، ووجوه تعلوها الكآبة، وقلوب يعمرها الحزن، ونساء يتجللن بالسواد تحت حائط المقبرة لحظة أن دخل الرجال بالميت إلى المقبرة.. «المجموعة ص 40 41» فالموت هنا يخرج بمتلازماته الدائمة «المرأة، الموت، السواد، المقبرة، البكاء» وكأن العالم يشيع كل رجال العالم الى مثواهم الأخير، تكتب القاصة «البوعبيدي» الوصية المألوفة على لسان الرجل الراحل الى قبره.. تلك التي يحدد فيها ملامح «المرأة/ الزوجة» بعد غيابه ليتركها فريسة الحزن، والخوف من المجهول الآتي من كهوف القدر.
تعمد القاصة في مطلع كل قصة من هذه القصص الى إيراد نص فلسفي في محاولة منها ربط الفضاء السردي بمعامل فكري قد ينشأ لحظة قراءة هذه النصوص.. لكن الواضح في هذا التلازم بين المقولة والنص مرهون بما لدى القارئ من استعداد معرفي يسجل قراءة جديدة تزاوج بين النص والمقولة.. في وقت نرى فيه أن النص القصصي مشروع قوي، وبنية واضحة لا تحتاج الى من يفسرها او يدعم وجودها، ولا سيما هذه القصص في المجموعة.
أفكار القصص واضحة، ومستنبطة من واقع الحياة المعاش.. واللغة السردية في النصوص ظلت محافظة على قوتها وحيويتها.. وديباجة السرد ظلت أيضاً عفوية.. وتؤيد الرواة في القصص بما تملك الكاتبة من معلومات.. قد لا يحتاجها النص كما في قصة «ما بين الموت والحياة رجل»..
وفي القصص الأخرى من المجموعة تحافظ الكاتبة على نمطها المألوف في وصف الحياة.. ذلك العالم الواسع الذي تتداخل فيه الصور، وتذوب من خلاله المسلمات بعضها ببعض.. فلا يمكن لقاص او كاتب أن يحدد ملامح هذه الحياة المليئة بالتناقضات، والتباين، والتحول والنهايات المفجعة غالباً، والسارة نادراً.. فالقضية أعصى على الحل، وأقوى في أسئلتها من الاجابة عن كنه هذا الوجود، وعن هذا العالم المترامي الذي لا يشغل الإنسان به إلا القليل..
وللقاصة «البوعبيدي» رغبة قوية في تسجيل حياة المرأة حولها، ولها قدرة مناسبة في استخلاص العبرة من المواقف، او المآزق التي تقع فيها الأنثى أحياناً لتسجل ضعفها في نص يوائم بين الحالة الاجتماعية والرغبة القوية للفرد بالتمرد وتحقيق الذات من خلال غربته الدائمة في الخروج من مأزق النمطية، والتكرار، والعادية التي تطبع هذا العالم حول «الكاتبة/ المرأة».. المصابة بدوار الابحار في أعماق الرجل وكأنه المسؤول الأول عن بقاء المرأة في آخر الممر نحو الحياة.سبقت مجموعة القاصة البوعبيدي بمقدمتين جاءت الأولى بقلم الزاهي بالعيد والذي تحدث عن النصوص باقتضاب توجه ببيت للشاعر العراقي سعدي يوسف:
أمشي مع الناس..لكن خطوتي وحدي
وجاءت المقدمة الثانية للمجموعة بقلم يحيى محمد فيما أهدت القاصة عملها الى والدها، فيما صممت الغلاف الفنانة شيماء عيسى وبلغت صفحات المجموعة نحو «100 صفحة» من القطع المتوسط، وذيلت بسيرة ذاتية للكاتبة بسمة البوعبيدي.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved