| الثقافية
أذننا العربية لا تزال سماعية في الغالب، أي أنها متأثرة بالمسموع أكثر من المقروء وهو ما يتوفر في الشعر دون القصة ولهذا الجانب تأثير كبير في تعامل المتلقي مع القصة، ولذا جاء الحضور الإعلامي للقصة متراجعاً مع مكانة القصة عند متذوقها ليزيد من تلك الإشكالية.
ومما لا شك فيه أن القصة لفتت الأنظار إليها مؤخراً وكونت قارئها الذكي والذي يرفض الحكاوي المغلقة التي يغلب عليها الوضوح السافر فأبحر مع الرمز والغموض الموظف بفن متميز، وسواء كانت القصة استجابة عصر او تجريبا فهذا لا ينقص من قيمتها بعد ما وضحت الرؤية فيما تحبه النفوس من الاختصار والسرعة كسمة للعصر الذي نحياه وصارت تلهث خلف التكثيف، والقصة القصيرة جدا وجبة غنية إذا تطابقت لغتها مع فكرتها أمكن للقاص ان يجسدها في عبارات مقتضبة هي الحد الأعلى في عملية الطرح، ما تلبث ان تحط على مدرج الواقع حتى تبحث عن قارئ تسكنه في محاولة جادة منها للتحرر من قبضة المبدع، وكم يخذلها الحال عندما لا تجد في المتلقي ذلك الميدان الذي وجدت من أجله، فترتد كسيرة لتصيب القاص بالإحباط،
لقد وصلت القصة عندنا الى مصاف التجارب العربية والعالمية بعد ان تجاوزت عائق تحديد الهوية، ومن إبرز سمات القصة المكان والزمان والحدث، فبغيابها في القصة القصيرة جدا على وجه الخصوص اعطى صورة غير مثالية للبطل، فتلاشي الزمان وغياب المكان وانحسار السرد تحت وطأة التكثيف أفقد العمل أحلى ما فيه مخلفا قطيعة بين المتلقي والنص ذهب ضحيته الراوي «البطل»، والقصة تختلف عن أي إبداع آخر كالشعر والمسرح، إذ ليست هناك طريقة محددة يستطيع الكاتب ان يبدع قصة من خلالها بفرضيات سابقة او مناسبات خاصة توجب خلق نص قصصي متميز، وسر انتكاسة القصة الآن تعاملنا معها بشكل خاطئ في أمسياتنا حيث تسمع كالشعر في حشد قد لا تسعفه الظروف في الإلمام بتقنياتها او الدخول معها كما في الشعر.
إن كُتاب القصة والرواية المحليين بحاجة الى اعتراف من الداخل قبل الخارج وهذا لا يتأتى في حال عدم تمكين المتلقي المحلي منها ليكون رأيه عن اطلاع ودراية، فهناك من يقرأ العمل ويعجبه، وهناك من يقرأ العمل ولا يعجبه، أما ان يتحدث المتلقي عن العمل سلبا او ايجابا وهو لم يقرأه فتلك مصيبة المصائب التي نعاني منها.
أوصلتنا الى الانصراف عن القراءة عدا من أوتي حسا قرائيا راقيا، ولقد بدأ عصر العولمة وتمازج الحضارات وكان التركيز على الجانب الثقافي أكثر إذ هو المنفذ الذي مرت منه بيسر وسهولة ولا تزال الأقمار ترجمنا بكل غث وسمين، لهذا كان الحضور الإعلامي للقصة لا يتوازى مع مكانتها لدى متعاطيها فضلا عن متذوقها ولن نتجاوزه إلا بالتعليم الذي يحث على القراءة لا ان يعاديها، أما النقد وجدلية الغموض والوضوح في لغة القصة فإن النقد لم يؤد دوره الفاعل الذي يرفع من شأن العمل. اما الغموض في نظري فهو ما يغمض على الكاتب نفسه وإلا تحول النص الى لغز متكلف ساذج، والنتاج القصصي حاليا ينقصه الكثير رغم ما قدم من حضور بارز، ولكي يكون إبداعنا القصصي متميزا لابد أن يكون خارج المكان والزمان والحدود لكي يصبح في وجدان الإنسان.
قاص وكاتب
|
|
|
|
|