| مقـالات
ربما تستغربين أن أوجه هذه الرسالة لك بالذات، ولكن لمعرفتي أنه لا يوجد لديكم وزير للإعلام وأن سيادتكم صاحبة الرأي والمشورة والأمر والنهي في هذا المجال، فقد توجهت إليك بها. ويقيني أنها لو وجهت إليك عبر وسيلة إعلام أمريكية فإنها لن تنشر وذلك لأن وسائل الإعلام في امريكا تحولت بقدرة قادر إلى أداة ضخمة للدعاية. لقد كانت مصداقية محطاتكم الإخبارية وإعلامكم المرئي والمسموع والمكتوب ضحية أخرى لحربكم على الإرهاب وبالتالي فقد العالم منبراً مهما للكلمة التي كنا نعتقد أنها حرة في بلادكم أو على أقل تقدير محايدة.
ولأنني أعلم أن وقتك هذه الأيام مزدحم بالكثير من الملفات الساخنة، سيما وأنك المرأة الحديدية في إدارة الرئيس بوش، فإنني سأوجز لك السبب في خصك بهذه الرسالة الشخصية من خلال جريدة الجزيرة. وأرجو بداية أن تعلمي أنني لم أرد مطلقا أن أثير أعصابك بذكر الجزيرة، ولكن فقط أود أن أذكرك أن في بلادنا صحفاً تقرأ حتى في أمريكا، وأننا لسنا مجرد محطة بنزين كبيرة لتزويدكم بالوقود. والسبب الثاني أنني أود تذكيرك بمقاطع من رسالة الرئيس بوش التي وجهها نيابة عنه توماس فريدمان إلى وزير الشؤون الإسلامية السعودي، وهي بلسان أمريكي مبين، يقول في بعضها: (والأهم من ذلك ندرك أنه يستحيل علينا التصدي للتطرف بدون مساعدة السعودية حامية الأماكن المقدسة، وزعيمة العالم الإسلامي، والممولة لآلاف المدارس الإسلامية والمساجد حول العالم، ولذلك فإن تصدينا للتطرف الإسلامي لن يكون فعالاً بدونكم). ولأنه من السهل عليك أن ترفعي سماعة هاتفك وتتصلي بتوم، كما فعلت في اتصالاتك الشهيرة للتعتيم على أخبار ما يحدث في أفغانستان، فإنني أرجو منك أن تشرحي له تناقضاً في رسالته المعبرة عن مشاعر وأحلام الرئيس بوش، والتناقض الذي أعنيه يتمثل في وصف السعودية في مقدمة الرسالة بمحطة الوقود الكبيرة التي تحميها أمريكا، وبالمناسبة عدد كبير من الكتاب والصحف الأمريكية كرروا مصطلح الحماية ويقيني أنك على اتصال بهم، ولعله ينالهم من التوضيح جانب.
ما علينا من هذه الهفوة اليسيرة فربما كان قصد الكاتب أننا نشتري منكم بعض أجهزة المطافي لحماية تلك المحطة الكبيرة التي تزودكم بالوقود، وكما تعلمين فإنه لكل حمار أو حصان كبوة. ومع ذلك فإنك تستطيعين أن تنقلي لبقية الكتاب والصحافيين هذا الاعتراف المتأخر لتوماس فريدمان الذي شهد فيه بأن حرب الغرب ضد الإرهاب لن تكون فاعلة بدون المملكة لأن المملكة هي حامية الأماكن المقدسة وزعيمة العالم الإسلامي، فدولة بهذه المواصفات ليست بحاجة لحماية أحد، فقد علمنا التاريخ المتواتر أن حماية الأماكن المقدسة تعد حماية للدولة الحامية، وزعامة العالم الإسلامي تعد بلا شك عمقاً استراتيجياً لا نحتاج معه إلى حماية أمريكا أو غيرها. لقد كانت العلاقات الحميمة والاستراتيجية بين السعودية وأمريكا والتحالف القوي بينهما عبارة عن مصالح متقاطعة بين بلدين مستقلين وليست علاقة حماية وتبعية، مع احترامنا لقوتكم وحضارتكم وصناعاتكم وتقديرنا أننا نعتمد في معظم وسائل الرفاهية على مصانعكم، إلا أن مسألة وجودنا لا ندين به لأحد من البشر ولا نعتمد في أحد منهم أيضاً على حمايتنا.
إن الشكوى من التطرف ومن مناهجنا أيها السيدة العزيزة مبالغ فيه، ولكن دعيني أوضح لك صورتنا في إعلامكم ومناهجكم. فهذا بول فندلي يقول في كتابه (Silent No More) وترجمته بالعربية «لا مجال للصمت»، ما نصه (إن الصورة المشوهة يمكن أن تخفي الحقيقة عن الناس في كل الأعمار، ففي سن التاسعة بدأت أول معرفتي بالإسلام بداية سيئة، فعندما كنت أدرس في المدرسة الأسبوعية التي تشرف عليها الكنيسة في منطقة جاكسون فيل في ولاية الينوي، تلقيت معلومات مضللة عن المسلمين ودينهم الإسلامي وقد اثرت فيَّ تلك المعلومات الخاطئة حتى منتصف العمر.
فقد علمتنا مدرستنا التي كانت تعمل باخلاص وبشكل تطوعي لسنوات عديدة أن المسلمين هم شعب جاهل، بدائي وإرهابي يعيش في صحراء الأراضي المقدسة ويعبدون رباً غريباً. وأتذكر أنها لم تكن تسميهم بالمسلمين ولكن كانت تسميهم المحمديين وقد استمرت في القول إنهم ليسوا مثلنا.
لقد رسخت ملاحظاتها عن الإسلام في ذاكرتي ردحاً من الزمن، ولمدة طويلة ظلت رؤيتي للمحمديين على أنهم أغراب وجهلة ومثيرون للرعب. وكما هو الحال مع معظم الأمريكيين اليوم فإن مدرستي وببراءة كانت تكرر معلومات خاطئة حصلت عليها من أشخاص لديهم معلومات ضحلة عن المسلمين. لقد كانت تتلو على الفصل ما كانت تعتقد بأنه الحقيقة بما في ذلك «المحمدية» كتسمية خاطئة. إنني لا أعتقد أنها قد تعمدت تضليلنا أو قد عملت على تشويه الإسلام بشكل متعمد. لقد افتقدت ببساطة إلى المعلومات الحقيقية عن الإسلام كما يحدث مع مدرسين آخرين ومع الكاهن الذي يقود حشود المصلين في الكنيسة.
لقد عملت المكاتب الوطنية للمدارس التي تشرف عليها الكنيسة على اصدار وثائق عن الإسلام والحاجة إلى فهم متبادل بين الإسلام والمسيحية ولكن اصلاح الأضرار السابقة بدأ متأخراً وسيحتاج وقتاً بالتأكيد). وعلى حد علمي أنك تعرفين عضو الكونجرس السابق بول فندلي وربما قرأت كتابه. وسؤالي أيتها السيدة العزيزة هو: هل المعلومات الخاطئة هنا في مناهجكم مبرر لوصفنا بتلك الأوصاف؟ وهل أتيحت الفرصة لكل الأمريكيين ليتعلموا ما تعلمه بول فندلي عن المسلمين عندما قال: (في محطات لاحقة تفتحت عيني على ثقافة تقوم على الشرف والكرامة وتقدير كل البشر، ثقافة تتمتع أيضاً بالاعتدال ومعايير التعلم المطلوبة التي فهمت فيما بعد أنها راسخة في قيم الدين الإسلامي. هذه غايات كان سيستحسنها أسلافي المسيحيون). وبول فندلي قد أمضى أكثر من عشرين عاماً محتكاً بالمسلمين، والعرب منهم خصوصاً، ليكتب ما كتب، وبالتالي فإن سعودياً يعيش في أعماق الصحراء ولم يحتك بكم ولا بحضارتكم ستكون لديه كل المبررات التي كانت لدى مدرسة بول فندلي. والعديد من الصحافيين وصناع القرار في الإدارة الأمريكية قد تلقوا تعليمهم من نفس المصدر الذي تلقى منه بول فندلي تعليمه، وهذا هو المبرر لصورتك المشوهة التي تنضح بها قنوات فكركم. وكما هي صورتنا في مدارسكم بتلك القتامة وهو ما يتحدى توماس فريدمان وجوده، فإن صورتنا في إعلامكم وقبل الحوادث التراجيدية الأخيرة التي تعرضت لها بلادكم لم تكن بتلك الإيجابية والتبرير دوما هو أن إعلامكم يتمتع بحرية مطلقة ليقول ما يشاء ويبدو أن يستكثر علينا حتى العيش على تراب الصحراء. وقياساً على هذا فإنه من العدل ألا تكون صورتكم أكثر بريقاً لدى الكثير في بلادي، فالذي يعرفه عنكم البعض من الناس هو أنكم قوة ظالمة متجبرة تدعمون إسرائيل دعماً أعمى، لم تذرف لكم عين على محمد الدرة عندما قتل بين يدي والده بجنود الصهاينة وبمليارات المساعدات الامريكية، ولم يهتز لكم جنان عندما تسلط شارون على أطفال فلسطين يقتلهم ويهدم بيوتهم، وها هو الآن يطوي صفحة السلام نهائياً في المنطقة بمباركة ورضى من إدارتكم بل وقد استجابت أوروبا لضغوطكم فعزلت مسؤولي السلام في الأراضي المحتلة وأطلقت يد إسرائيل تذبح وتقتل في الفلسطينيين العزل. إن الناس يعرفون عنكم أنكم تكيلون بمعايير مختلفة وأنكم تستخدمون حق القوة وحق الفيتو في الظلم والعدوان، فيا ترى كيف تريدين من أناس لا يعرفون عن أمريكا سوى هذا الوجه البشع لسياستكم الخارجية أن يحبوها ويعبروا عن مشاعر إيجابية تجاهها إن كانوا لم يروا منها سوى التهديد لدينهم ووطنهم والنيل من كرامتهم في الإعلام الأمريكي؟ إن الأمر لم يتوقف على مناهجكم التي شكلت عقول الصفوة في أمريكا وهي الصفوة الحاكمة للسلطات الثلاث، والإعلام، بل إن الإعلام يلقن أجيالكم الجديدة نماذج محترفة من الكراهية لبلادي ولا أدري ما إذا كانت لديك فكرة عن افتتاحية وول ستريت جورنال ليوم 30 أكتوبر 2001م التي جاء فيها ما نصه: (وإذا كان هناك نظام أكثر راديكالية سيحكم المملكة، من الأفضل أن تواجه واشنطن هذه الحقيقة اليوم وليس غدا. ان تعامل الولايات المتحدة مع حكومة سعودية معادية سيكون تعاملا أكثر وضوحا مما هو عليه الحال الآن. وربما يؤدي ذلك لاتخاذ قرارات قد يكون من بينها الاستيلاء على حقول النفط السعودية مما سيضع نهاية لمنظمة أوبك). وفي رأيك عزيزتي كوندا ليزا رايس: هل سيستقبل أي مواطن سعودي هذا الطرح بالتصفيق وتوزيع الحلوى على الأطفال على شرف الحليف الأمريكي؟ إذا كان الرئيس الأمريكي في رسالته التي مررت أو دعيني أبتعد قليلا عن نظرية المؤامرة وأقل مرت بخيال توماس فريدمان قد أكد على أن المملكة قائدة العالم الإسلامي وحامية الديار المقدسة وأن حرب التطرف لن تكون فاعلة بدونها، أفليس الأجدر بكم في مجلس الأمن القومي تسريب بعض المعلومات الصحيحة عن حقيقة المملكة العربية السعودية للصحف الأمريكية بنفس القدر الذين تسربون فيها خطوط سياستكم الخارجية للإعلام؟ وربما تحيلينهم إلى محاضرة الرئيس مانديلا في مركز السادات بجامعة ميرلاند، والمحاضرة لازالت تشاهد صوتاً وصورة عبر الإنترنت فلعلهم يتعلمون شيئاً عن المملكة.
إنني أفترض أنك، رغم كثرة مشاغلك، قد اطلعت على ما ورد في افتتاحية صحيفة شيكاغو تربيون ليوم 5 نوفمبر 2001 والتي جاء في مقطع منها: (إن الولايات المتحدة الأمريكية في موضع يلزمها بمطالبة الحكومة السعودية بالوقوف بقوة ضد الإرهاب حتى لو أدى ذلك لحدوث تذمر بين مواطنيها، أو جعلها تتعرض لبعض المخاطر)، إنني أجد صعوبة في فهم منطق صحيفة تطالب حكومة أن تعمل على اسقاط نفسها من أجل عيون حليفتها، لو أننا كنا من الولاء والتبعية لكم بالقدر الذي نلبي فيه هذا الطلب العجيب، ألن تكتبوا عنا ومعكم سيادة التاريخ بأن هذا التصرف سيكون أوضح مثال على الغباء السياسي وستدرسينه لطلابك عندما تعودين للجامعة؟ لقد قال الأمير بندر بن سلطان سفير بلادي لديكم لمحطة pbs إن بلادنا يمكن أن توصف باي وصف إلا بالغباء السياسي. وإنني أيضاً استغرب التناقض بين رسالة توماس فريدمان المتخيلة والتي ذكر فيها ما ذكر عن المملكة في وقت تؤكدفيه سوزان لي من وول ستريت جورنال في عدد الصحيفة ليوم 13 نوفمبر 2001م ما نصه: (... ولكن الحقيقة أنها ليست جذابة لتلك الدرجة، ولذلك يمكننا تحمل الحياة بدونها. إنها المملكة العربية السعودية)، ما رأيك يا مستشارة الأمن القومي الأمريكي، أليس هذا الطرح الإعلامي يولد الكراهية؟ ويؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم؟ وعلى فكرة، واحدة من مطالبكم أن يتوقف إعلامنا عن الكتابة عنكم بالشكل الذي لا يرضيكم! فأي تناقض هذا؟ فقبل أن تصلي إلى البيت الأبيض احتجت الإدارة الأمريكية السابقة على مسرحية ماما أمريكا، كما احتجت إدارة كلينتون على الصحافة السعودية بعد فضيحة مونيكا، مع أن الإعلام المصري أو السعودي لم يطالب بمسح أمريكا من على الوجود كما تطالب صحافتكم، ولم يطالب بأن تكون أمريكا هدفاً حربياً للعرب والمسلمين كما طالب روبرت شير الكاتب في صحيفة لوس انجلس تايمز في عددها الصادر يوم 16 اكتوبر 2001م عندما قال: إن الإغارة على السعودية بعد أفغانستان (هدف منطقي إذا كان الرئيس بوش جاداً في هدفه المعلن بمعاقبة الدول التي تساند الإرهاب). وحتى لا ننسى السيد فريدمان فلعلك تذكرين ما قاله بالنص في نيويورك تايمز يوم 16 أكتوبر 2001م : (مهما يكن فلتكفوا عن الكذب علينا وعلى أنفسكم فقد سئمنا هذا ولسنا وحدنا في ذلك) وهو بالطبع يعني السعوديين. أليس هذا يناقض ما كتبه في مقالته على لسان الرئيس بوش؟ وهناك الكثير من المقالات والمقابلات التلفزيونية والبرامج الحوارية التي تنضح بالكراهية لنا، فهل تعتقدين أيتها السيدة العزيزة أن من يعيش في الصحراء قد حرم القلب والمشاعر وعليه أن يتلقى رسائل الكراهية هذه بصدر رحب؟ ثم ألا تعتقدين معي أنه من السذاجة وتكريس مبدأ المعايير المزدوجة أن تطلبوا منا تعديل مناهجنا وكبت إعلامنا، بينما تطلقون العنان لإعلامكم ليزرع الكراهية لنا في قلوب وعقول الأصدقاء في أمريكا؟ إلى متى ستواصلون التعامل معنا بهذه المعايير المزدوجة.
عزيزتي كونداليزا رايس :
لقد عانينا من الإرهاب الذي اتخذ من الإسلام حجابا يغطي به وجهه القبيح، ومنذ ذلك الحين ونحن في المملكة العربية السعودية نعلم الناس سماحة الدين ووسطيته، ولقد تلقينا الكثير من اللوم بسبب اعتدالنا ولأننا لم نرفع شعار الثورة ولم نفت بقتل الأبرياء، ولم نحول الحرمين الشريفين إلى ساحة للتطرف والكراهية، ولم نخصص يوماً للبراء من أمريكا والكفار. لقد عملنا من خلال مؤسسات التعليم والإعلام على نشر الدين الصحيح في المملكة وخارجها ولم يتطرف أبناء المملكة إلا عندما احتكوا بجماعات خارج حدودنا وخصوصاً في أفغانستان. إن خطبة واحدة من الحرم المكي الشريف كفيلة بوضع العالم على مفترق طرق، عندما يقف مليار مسلم ملبين نداء ثورياً يتجاوب مع مشاعر القهر التي يشعرون بها.
في رأيك عزيزتي، هل سيكون هذا السيناريو هو الأكثر مناسبة لحل مشاكل العالم أم أنكم بحاجة ماسة إلى مراجعة حساباتكم في التعامل مع الأصدقاء والحلفاء. ان المملكة العربية السعودية هي البلد الوحيد الذي يطبق الشريعة الإسلامية بوسطية واعتدال الإسلام.
لدينا أخطاء في التربية ولدينا قصور في وعي البعض بما يدور من حولهم، ولكن عملية التعليم والتنوير وفصل الدين عن ظلال العادات والتقاليد مستمرة ونحتاج إلى وقت، لكنك سيدتي ومعك كل الإعلام الأمريكي ترتكبون خطأ جسيماً إذا توقعتم أن المملكة سترضى بدين ينتج في وزارة الخارجية الأمريكية بمواصفات إسرائيلية ويصدر إلينا مع السيارات والطائرات والهامبرقر والبيتزا. الأولى أن نجلس ونتحاور في جو مشجع على التحاور، وليس في جو يسممه الإعلام بالكراهية والبغضاء. ربما تقولين إن الإعلام الأمريكي حر فيما يطرح، غير أني أقول لك إن حرية الإعلام وهم كبير عشناه قبل أن تتعرض مصالحكم للخطر أما بعد ذلك فقد تحول الإعلام إلى آلة دعاية تستطيعون اسكاته متى شئتم. إنني أكتب لك هذه الرسالة لأنك المسؤولة الوحيدة التي يمكن أن توصلي رسالتي لمحطتها الأخيرة، فأنا أيتها العزيزة لا أجيد مخاطبة الرؤساء، إنه بروتوكول يصعب علي أن أتقيد به.
aaltayer@aol.com
واشنطن
|
|
|
|
|