أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 24th December,2001 العدد:10679الطبعةالاولـي الأثنين 9 ,شوال 1422

عزيزتـي الجزيرة

علامات أمراض القلوب وسبل علاجها
عزيزي رئيس التحرير: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
الحمد لله الذي جعل القلوب تطمئن بذكره، وجعل الألسن تلهج بحمده وهو على كل شيء قدير.
أيها الأحبة: لو انتشر بين أظهرنا لا سمح الله مرض عضوي خطير لرأيت الناس يتخبطون ويفزعون الى علاجه بأي وسيلة، وهذا أمر طبيعي ولكن قد يكون بيننا الآن مرض أعظم من أي مرض وأفظع من أي داء. ما هو هذا الداء؟ إنه مرض يصيب الإنسان في أفضل عضو عنده فهل عرفناه؟ إنه مرض القلوب ولا أعني بذلك تعطل صمام القلب او ان الشرايين فسدت او ان القلب اصابه هبوط او جلطة.. كلا! إن الأمر لجلل، لأن هذه الأمراض العضوية قد ينتبه لها المريض، ويبادر الى علاجها ولو لم يُعاف منها، لنال الأجر من الله بالصبر على هذا الداء الذي أصابه.
لكن الذي أعنيه هنا هو: مرض الشك والنفاق ومرض الشهوات الذي قال تعالى فيه: «في قلوبهم مرض» وقال تعالى: «ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون»، وقال تعالى: «فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين» وقال: «فيطمع الذي في قلبه مرض»، ولعلنا هنا نتعرض لثلاثة أمور: 1علامات مرض القلوب. 2أسباب مرض القلوب. 3 علاج مرض القلوب.
أما علامات وجود المرض في القلب فهي كثيرة: منها ما قاله ابن القيم الجوزية رحمه الله: العلامة الأولى: عدول النفس وبُعدها عن الأغذية النافعة الموافقة لها الى الأغذية الضارة، وهذا مشاهد فنرى الرجل وقد فتح الله له باب الرزق الحلال على مصراعيه ونجده ينكب على بيع المحرمات ويستأنس بها ويفرح بها وآخر يصاب بمرض عضوي وينصحه الناس بعلاج طبيعي فيتركه ويبحث عن العلاج المحرم إما أن يكون هذا العلاج الذي يظنه علاجاً من السحر او أشياء محرمة لا تجوز لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بالحرام» رواه ابو داود، وقال ابن مسعود صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» رواه البخاري معلقاً، وهنا مدخل شيطاني خبيث ألا وهو قول من قال إني قد مرضت فعولجت بأدوية مباحة فلم أتعاف. فلما ذهبت الى اولئك السحرة عافاني الله.. ولقد سمعت بأذني قائلاً يقول: أُصبت بمرض الربو فلم أجد علاجاً إلا في الجراك والشيشة. أقول في الرد على هذا: وان صار هذا فإن هذا المريض ربما يعافى من المرض العضوي، ويصاب بمرض القلب الذي هو أخطر. إذاً ففي كل الحالتين لم يزل المرض.
يقول ابن القيم: «وإنما حُرم على هذه الأمة ما حُرم لخبثه وتحريمه له حمية لهم وصيانة عن تناوله فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب». أ ه.
العلامة الثانية: الإعراض عن دين الله أو كتابه أو ذكره يقول تعالى: «ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون»، ويقول سبحانه: «وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون».
فكل قلب لا يعرف الله فإنه لا يأنس بذكره ولا يسكن إليه ولا يفرح به. ، وقد يخشى على المسلم ذلك حيث إنه يفرح بمزامير الشيطان مثلاً ولا يفرح بسماع القرآن والذكر. قد يُخشى عليه بأن يكون مريض القلب وهو لا يدري. كيف لا!؟ وهو ينام على صوت الشيطان ليلاً ونهاراً والقرآن بين يديه مهجور يقول تعالى عن الشيطان: «واستفزز من استطعت منهم بصوتك»
العلامة الثالثة على مرض القلب: الغفلة:
يقول تعالى: «ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون».
قال السعدي رحمه الله: «أي الذين غفلوا عن أنفع الأشياء عن الإيمان بالله وطاعته وذكره أ ه، ولذلك الغافل أمر الله تعالى باجتنابه والحذر منه فقال: «ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً» يقول ابن القيم رحمه الله: فإذا تراكم على القلب الصدأ واسود ركبه الران وفسد تصوره وإدراكه فلا يقبل حقاً ولا ينكر باطلاً وهذا أعظم عقوبات القلب وأضل من ذلك الغفلة فإنما يطمسان نور القلب ويعميان بصره أ ه.
وبعد هذه العلامات على أمراض القلوب فإن لها أسباباً فما أسباب مرض القلوب؟
يجيب عن هذا الإمام ابن القيم فيقول: وأما مفسدات القلب فهي خمسة:
الأول: كثرة الخلطة: وهي بأن يعاشر كل رجل ويجالس كل إنسان دون قيود ولا حدود ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي» رواه ابو داود وهو حديث حسن.
وما أوقع كثير من الناس في أمراض شتى وخاصة مرض القلب إلا بالمخالطة المجردة عن الاصطفاء. قال تعالى: «وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه» قال ابن كثير رحمه الله: «أي لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم» وكما قيل: «فتوخ أن يكون خلطاؤك وذوو الاختصاص بك أهل التقوى».
الثاني من أسباب مرض القلوب: التمني:، والناس فيه قسمان:
الأول: قوم ركبوا بحر التمني وهو بحر لا ساحل له بحر يركبه المفاليس وأصحاب الخيالات الباطلة فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة وهذا التمني إما أن يتمنى للقدرة أو للضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو يتمنى النسوان والمردان، وصاحب الهمة العالية أمانيه هائمة حول العلم والإيمان والعمل الذي يفر به الى ربه.
فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خدع وغرور.
ومن الأسباب أيضاً: التعلق بغير الله: وهو من أعظم مفسدات القلوب على الإطلاق، فمن تعلق بغير الله وكله الله الى ما تعلق به، وخذله، وفاته تحصيل المقصود من الله عز وجل فلا على نصيبه من الله حصل ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل.
ولقد حكى الله سبحانه وتعالى العشق عن المشركين من قوم لوط وامرأة العزيز وكانت إذاك مشركة، فكلما قوي شرك العبد بلي بعشق الصور، وكلما قوي توحيده صرف عنه ذلك.
وليس في الذنوب أفسد للقلب من فاحشة الشرك، وفاحشة العشق ولهما خاصية في بعد القلب من الله فإنهما من أعظم الخبائث فإذا انصبغ القلب بهما بعد ممن هو طيب وكلما ازداد خبثاً ازداد من الله بعدا. يقول ابن القيم: «ولا ريب ان العشق الذي يقدم العاشق رضا معشوقه على رضا ربه بأنه من أعظم الشرك، وكثير من العشاق يصرح بأنه لم يبق في قلبه موضع لغير معشوقه البتة.
رابعاً: من الأسباب: كثرة الأكل والشبع المفرط أو أكل الحرام، وأما الصوم فانه يضيق مجاري الشيطان ويسد عليه طرقه والشبع يطلقها ويوسعها قال تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» ولا تسرفوا أي لا تأكلوا حراما، وقيل لا تأكلوا من الحلال فوق الحاجة.
الخامس: كثرة النوم: قال أحد العلماء: إن كثرة النوم تميت القلب وتقل البدن وتضيع الوقت وتورث كثرة الغفلة والكسل ومنه المكروه ومنه الضار غير النافع للبدن.
وبعد عرض أسباب مرض القلوب لعلنا نتكلم عن العلاج لها فنقول أولاً:
من أراد علاج قلبه فعليه بالتوحيد الخالص قال تعالى: «قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء» وأما الظالمين المعرضين فلا يزيدهم إلا خسارا قال أحد العلماء: لا سعادة للقلب ولا لذة نعيم وصلاح إلا أن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه واحب اليه من كل ما سواه.
الثاني: التعلق بالله: بأن يكون إليه الملجأ وإليه الحب التام وأن يتذكر هذا المريض سواء كان بالعشق او غيره بأن أبعد القلوب من الله قلوب عشاق الصور فإذا بعد القلب من الله طرقته الآفات وتولاه الشيطان من كل ناحية وأناله وبالا ولم يدع أذى يمكنه من ايصاله إليه إلا اوصله.
الثالث: الإيمان بالله واليوم الآخر وتذكر الآخرة ومعالجة الموتى وزيارة المرضى فإن هذه الأعمال تلين القلب وتجعله سليما معافى.
الرابع: الإكثار من الأعمال الصالحة وكثرة الاستغفار وتدبر القرآن وفهم معانيه والوقوف عنده.
الخامس: محاسبة النفس وعدم تركها وهواها قال تعالى: «فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى».
السادس: الدعاء: فإن دعاء الله والوقوف بين يديه وسؤاله الشفاء من أعظم الأسباب المعينة على شفاء القلوب لأن الله يقول في الحديث القدسي: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم».
ولا ينتفع بالهداية بعد توفيق الله إلا من اجتهد وجاهد. إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد.
والله من وراء القصد وصل اللهم على سيدنا محمد.
محمد سعد اليوسف

أعلـىالصفحةرجوع













[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved