| متابعة
*
* القاهرة مكتب الجزيرة محمد العجمي:
علامات استفهام كثيرة مازالت تبحث عن إجابات حول أوضاع الحرب في أفغانستان، وبخاصة الموقف الروسي، وعلاقاته بمعطيات ونتائج تلك الحرب التي يرى البعض أنها شارفت على الانتهاء.. فلماذا أيد الروس الحرب الأمريكية ضد أفغانستان؟ وما هو تأثير الوجود الأمريكي في المنطقة على المصالح الروسية؟ وما هي العلاقة التي تحكم روسيا بتحالف الشمال؟ وما هو مستقبل المنطقة بعد القضاء على طالبان؟ ماذا عن مستقبل تحالف الشمال؟.. أسئلة كثيرة حملناها إلى مراد غالب رئيس منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية. وسفير مصر السابق بالاتحاد السوفيتي.
* ما هي العلاقة التي تربط بين روسيا وتحالف الشمال؟ وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر نجاح التحالف في تدعيم النفوذ الروسي في أفغانستان؟.
لاشك أن تحالف الشمال كان معزولاً عندما استولت القاعدة وقوات طالبان على أفغانستان، ولم يكن لقوات الشمال إلا منطقة صغيرة مجاورة لآسيا الصغرى والاتحاد الروسي التي كانت تقوم بدعم تحالف الشمال الذي كان يقوده أحمد شاه مسعود، وكانت هناك علاقة وثيقة بين تحالف الشمال والاتحاد الروسي، ولكن لا أعتقد أن هناك نفوذاً روسياً من الممكن أن يكون في أفغانستان بمعناه الحقيقي، ويمكن أن نقول إنه سيكون تأثيراً محدوداً، وأن نجاح التحالف الشمالي في الاستيلاء على معظم أفغانستان سيقوي موقف جمهوريات آسيا الوسطى والاتحاد الروسي في أفغانستان. وما أريد قوله هو أن الأفغان أكثر حساسية للوجود الأجنبي، فهم لا يريدون أن يكونوا مجرد أداة في يد أي قوة أجنبية، لذا فبالرغم من دعم الاتحاد الروسي لتحالف الشمال في حربهم ضد طالبان سيكون تأثيرهم محدوداً.
سقوط سريع!!
* في بداية الحرب أكدت كثير من الأقلام والآراء العسكرية والسياسية صعوبة خوض الولايات المتحدة الأمريكية حرباً ضد طالبان.. نظراً لطبيعة أفغانستان الجبلية، إلا أنه بعد فترة قصيرة سقطت حركة طالبان.. ماهو تفسيرك لهذا السقوط السريع؟
علينا أن نفرق بين حرب الولايات المتحدة، وبين الحرب التي كان يخوضها الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، فالاتحاد السوفيتي كان معزولاً تماماً وكان الشعب الأفغاني بكل قبائله و تنوعاته العرقية يقف ضده، أما الولايات المتحدة فإنها تحارب بأحدث تكنولوجيا عسكرية يساندها في ذلك العالم كله سواء في أوربا أو آسيا أو أفريقيا والبلدان المجاورة لأفغانستان مثل باكستان، والهند، وبالتالي لا أتصور أن تهزم الولايات المتحدة في حرب كهذه، إضافة إلى أن طالبان لا تلقى أي مساعدات ولا تجد من يقف بجوارها.
* هل صحيح أن السيطرة على حقول البترول هي الدافع الرئيسي لقيام الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الحرب؟
أعتقد أن عامل البترول كان موجوداً قبل الحرب، وعندما كانت طالبان موجودة، وسيطرت على معظم الأراضي الأفغانية توجهت إليها شركة بترولية أمريكية للتنقيب عن البترول، وتحدثت معهم عن خط أنابيب بترول وغاز طبيعي يمر بأفغانستان، لكن هذا المشروع لم يتم لأسباب كثيرة.
.. وما أستطيع قوله هو أن عامل البترول موجودة لكن لا يمكن القول: إن الولايات المتحدة جاءت إلى أفغانستان من اجله فقط، ومع ذلك أستطيع أن أؤكد أن البترول سيكون المحرك الرئيسي للأحداث بعد الانتهاء من حركة طالبان.
هناك أيضاً عامل مهم يضاف إلى البترول وهو موقع أفغانستان الاستراتيجي الذي يتوسط منطقة الشرق الأوسط حيث إيران وتركيا وباكستان والهند، بجانب أنها تعتبر في «بطن» الاتحاد الروسي، إضافة إلى حدودها مع الصين. لذا فهي منطقة في غاية الأهمية من الناحية الجغرافية السياسية، فإذا أضفنا لكل هذا البترول المتواجد بالمنطقة والذي يقدره البعض ب 70% من أجمالي البترول الموجود في العالم كله نجد أن ذلك سيكون حتماً محركاً للأحداث بعد الانتهاء من طالبان.
«أطماع محدودة»
* إلى أي مدى يمكن أن يهدد الوجود الأمريكي المصالح الحيوية لروسيا؟
لا نستطيع حتى الآن أن نقول ان هناك تهديداً حقيقياً لمصالح روسيا من قبل الولايات المتحدة، إلا أننا نؤكد أن هناك احتمالاً كبيراً لحدوث خلافات بين الدولتين في محاولة ظهور نوايا أمريكية بالنسبة لبترول المنطقة وذلك ليس مستبعداً أيضاً مع الصين.
كما أن أطماع روسيا في أفغانستان محدودة على أساس أن الاتحاد الروسي لن يفكر في غزو أفغانستان لأن ما يهمه هو بقاؤها على الحياد وعدم تبعيتها لأي قوة عظمى وتحديداً السيطرة الأمريكية، وهذا ليس مطلباً روسياً فحسب بل أيضاً مطلب لدول المنطقة كلها.
الأصوليات المتطرفة
* من وجهة نظرك. ماهي تأثيرات الأحداث الأخيرة بأفغانستان على الجمهوريات الإسلامية بالمنطقة.
هذه الجمهوريات عانت من الأصوليات الى الإسلامية المتطرفة وخاصة أوزبكستان التي قامت بها حركة أصولية متطرفة كانت ترمي الاستيلاء على السلطة وخاضت صراعاً قوياً مع نظام الحكم وهو ما دفع هذه الجمهوريات إلى تأييد القرار بالقضاء على هذه الحركات، وهو نفس المنطق الذي انطلقت منه روسيا، حيث اشتراك الأفغان والعرب الذين ينتمون لهذه الأصول المتطرفة مع الشيشان في حربهم ضد روسيا سابقاً، ونفس السبب هو ما دعا الصين إلى تأييد القضاء على طالبان حتى إننا فوجئنا بقرارها الذي منع دخول أي عربي إلى الطائرات الصينية حتى إنهم في إحدى المرات قاموا بإنزال 11 رجل أعمال عربي من إحدى الطائرات، كل ذلك يؤكد وجود ترحيب من كل دول المنطقة بالقضاء على هذه الأصولية بقيادة طالبان وتنظيم القاعدة.
وما أريد قوله هو أن الخطر قادم بدون شك من الأصوليات المتطرفة الموجودة في كثير من مناطق العالم، ولا أعني بها الأصولية الإسلامية فقط، فهناك الأصولية المتطرفة الصهيونية التي تحكم الآن في إسرائيل وما حدث في غزة وجنين دليل قوي على ذلك وهناك الأصولية المسيحية المتطرفة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك الأصولية البوذية في الهند، وبالتالي فالخطر قادم من هذه الأصوليات التي تعاني منها البشرية جمعاء، وليس فقط الأصولية الإسلامية.
هناك فرق
* ما رأيك في بعض الآراء الإسرائيلية التي تربط بين ما يدور في أفغانستان وما يدور في فلسطين على أنها حرب ضد الارهاب؟
لا أتصور أن طالبان أو ابن لادن يمثلون الإسلام بأي حال من الأحوال فهم كما ذكرت يمثلون الأصولية المتطرفة، وبالتالي لابد وأن نفرق بين القضاء على الارهاب في أفغانستان، وبين الحرب في أفغانستان، التي لا أسعد بها لوجود ضحايا أبرياء كثيرين ليس لهم أي علاقة بطالبان أو غير طالبان لذلك فإن اللجوء إلى الحرب لحل المشكلة لا نوافق عليه، وعندما نأتي ونشاهد ما يحدث في فلسطين الذي يصوره الإسرائيليون على أنه حرب ضد الارهاب نجد انه لا يوجد داع للكلام عن الفرق بين ما يحدث في فلسطين، وما يحدث في أفغانستان.. الفلسطينيون يحاربون قوات احتلال تقوم بهدم منازلهم، وتروعهم، وتقضي على زراعاتهم، وصناعاتهم.
* هل من الممكن أن تقوم الحكومة الائتلافية بدورها المنوط به في أفغانستان خاصة في ظل توقع بعض الآراء بفشلها الذريع، وتوقعاتهم بنشوب حروب أهلية جديدة؟
لا أستطيع أن أؤكد حدوث حالة من الوفاق بين الجماعات الإثنية والقبائلية الأفغانية، فأفغانستان مكونة من جماعات عرقية مختلفة، ويأتي على رأسها البشتون الذين يمثلون 40% والطاجيك يمثلون 25% من إجمالي عدد السكان وكلاهما أصول فارسية) ويوجد أيضاً الشيعة والسنة وغيرهم.. وأرى أنه من الصعوبة تشكيل حكومة ائتلافية لسبب بسيط وهو ان تحالف الشمال لا يضم البشتون الذين يمثلون اغلبية الشعب الافغاني إضافة الى وجود عداوات جديدة حدثت نتيجة لهذه الحرب، وعندما نضع كل ذلك في الاعتبار نجد صعوبة ان نكون متفائلين بوجود حكومة ائتلافية إلا أن ذلك لا يمنع من ضرورة البحث عن الوسيلة الملائمة لجمع كل هذه التجمعات الإثنية والعرقية والقبلية مهما كلفنا الأمر، ولابد في ذلك من تدخل القوى الأخرى كالأمم المتحدة وكذلك الدول الصديقة لأفغانستان.
تعلم الدرس
وهناك شيء مهم يجب أن نذكره، هو أن جميع القبائل والجماعات الأفغانية أخذت درساً قاسياً من الغزوات الأجنبية السابقة سواء من بريطانيا أو السوفيت والروس حتى قبل الثورة البلشفية، وأخيراً التدخل الأمريكي العسكري، وهو أن خلافاتهم لن تؤدي إلى شيء إلا الى خرابهم، وأن أفغانستان محطمة وليس بها أي شيء ونصف الشعب الأفغاني هو المرأة كان معطلاً، والتعليم مهم وضروري خاصة للمرأة، كما أن التعليم يجب أن تغير مناهجه تماماً حتى بالنسبة للرجال، وكل هذه تجارب ضخمة خاضها الشعب الأفغاني وخرج منها بدروس نتمنى أن تكون بداية لأن يخطو أولى خطواته نحو الطريق الصحيح.
* ماهي حقيقة الموقف الروسي تجاه التصريحات الأمريكية بضرب العراق استكمالاً لحربهم كما يقولون ضد الارهاب؟
أعتقد أن الروس ليسوا مع توسيع هذه الحرب فالقضية الأولى هي القضاء على طالبان، وتنظيم القاعدة الذي ما زال موجوداً، وستأخذ هذه القضية وقتاً كبيراً، وعليه إما أن تأتي الولايات المتحدة الأمريكية، وتصرح بنيتها في ضرب العراق وغيرها وهذا مالا يوافق عليه أحد، وبخاصة الدول العربية، والإسلامية، وكذلك أوروبا ومع ذلك فلا نستطيع ان نجزم بعدم ضرب الولايات المتحدة للعراق فهناك احتمال بذلك، ولكن توجد قوى دولية كثيرة ضد هذا الاتجاه.
ظاهرة الازدواجية
* هل استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية القضاء على الإرهاب في أفغانستان؟
قد تستطيع الولايات المتحدة القضاء على الارهاب في أفغانستان، والقبض على أسامة بن لادن، أو الملا محمد عمر إلا أن الشبكة ما تزال موجودة، لذلك لا يمكن أن نقول: إن كل شيء انتهى بل يجب أن تقوم كل دولة من الدول بمقاومة الارهاب بداخلها بدون وجود عدوان خارجي للقضاء على الارهاب داخل الدولة بعينها.
* ولكن ألا ترى أن هناك ازدواجية في السياسة الأمريكية تجاه إرهاب الدولة الإسرائيلية في فلسطين، وأفغانستان؟
الازدواجية هي سلوك تمارسه كل الدول العظمى وبالطبع فإن الولايات المتحدة كل سياستها ازدواجية لهذه السياسة قائمة على المصالح وليس الأخلاق أو حقوق الإنسان أو قيم الديمقراطية.. وبكل صراحة نحن لا نحسد الولايات المتحدة على أنها دولة غنية ولا نحسدها على ديمقراطيتها، أو وجود بعض الأشياء الجيدة مثل احترام القانون وأنه يطبق على الجميع، وكل ذلك لا يدفعنا للانتقام منها فالمسألة هنا ليست مسألة انتقام.
والسؤال الذي يجب أن تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها هو لماذا الولايات المتحدة مكروهة من جميع الشعوب في الكثير من دول العالم؟ اعتقد أن ذلك راجع إلى حد كبير إلى الازدواجية وعدم العدالة التي تمارسها مع دول العالم.
|
|
|
|
|