| الاقتصادية
لا يكاد يرى الكثيرون من أشكال الاستثمار إلا نوعاً واحداً يتمثل في تشغيل المدخرات على وجه تدر على مالكيها عوائد مالية ويغفلون عن نوع مهم من أنواع الاستثمارات الذي يتمثل في الانفاق على وجوه الخير المتعددة الذي عادة ما ينظر إليه على انه انفاق استهلاكي وربما يكون سبب هذه النظرية هيمنة الرؤية الاقتصادية الرأسمالية بأفكارها ورؤاها المادية الضيقة التي تحد حياة الإنسان والبعد الزمني الذي يسعى لتعظيم منفعته فيه بهذه الحياة الدنيا، واذا كان الأمر كذلك فإنه ينبغي ان يكون للمسلمين في هذا الجانب.. كما في غيره من جوانب الحياة رؤاهم واطرهم المنطلقة من عقيدتهم ودينهم وقيمهم مثلما ان رؤى الغرب وأفكاره المنظمة لحياتهم تنطلق من عقائدهم وأديانهم وقيمهم ونظراتهم للحياة والهدف منها.
وانبنى على الأخذ بالرؤية الرأسمالية للانفاق على سبل الخير والانفاق التطوعي ان عُومل معاملة الانفاق الاستهلاكي فيدون عادة ضمن بنوده ولا يدون على انه استثمار على الرغم من وجود النصوص الصريحة من القرآن والسنة التي تنص على اعتباره انفاقا استثماريا ذا مردود دنيوي وأخروي، وهذا المردود مضمون متى ما توافرت مجموعة من الشروط والضوابط المؤهلة لهذا الاستثمار لأن يكون مقبولاً.
ان التعامل مع هذا النوع من الانفاق ينبغي ان يتغير لأجل ان يكون منسجماً مع أهميته ومتمشياً مع الأسس الشرعية الحاكمة له وآخذا في الاعتبار ان حياة الإنسان لا تقتصر على الحياة الدنيا فقط، ولذا فإنه يسعى لتعظيم منفعته في الدنيا والآخرة، وعليه فإنه ليس من المناسب ان يُوجه نحو هذا الانفاق جزء مما يفيض لدى الشخص بعد الاكتفاء من كل الضروريات ومعظم الكماليات وكأن ما ينفق في اوجه الخير لا يستفيد منه إلا من ينفق عليهم هذا المال، أما بالنسبة لدافع المال فهو عبء يتحمله وفضل يتفضل به على الآخرين ومعروف لابد وان يقابل بالعرفان، وكل ذلك نابع من اعتبار هذا الانفاق انفاقا استهلاكيا في حين ان النظرة السليمة للأمور تبين ان المستفيد الأول من هذا الانفاق الاستثماري هو باذل المال الذي يستفيد من مردوده في الدنيا والآخرة، وإذا كان الأمر كذلك فإنه من المناسب ان تتضمن ميزانية كل أسرة بندا أساسياً خاصا بهذا النوع من الاستثمار وألا يكون الانفاق عليه أمراً ثانوياً ان سمحت بذلك البنود الأخرى وإلا فلا.
ان تعزيز هذا المفهوم للانفاق في وجوه الخير لدى الأفراد والأسر يسهم في توفير مورد دائم منتظم ومناسب لتغطية الانفاق على أعمال البر ويساعد على التخلص من التصور النمطي الشائع الذي يبرز المتبرع على انه صاحب الفضل الذي يخسر الكثير من ماله في الانفاق على سبل الخير بدون مقابل في حين ان الواقع غير ذلك فهو يحصل ان اخلص نيته على مردود هائل يساوي اضعاف ما انفقه في الدنيا والآخرة، وهو بهذا يعد أفضل أنواع الاستثمار واكثرها أمانا وأعلاها عائداً.
قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|