أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 24th December,2001 العدد:10679الطبعةالاولـي الأثنين 9 ,شوال 1422

مقـالات

الأمة والأجواء المكفهرَّة - 3 -
عبدالله الصالح العثيمين
أشير في الحلقة الأولى من سلسلة هذه المقالات إلى بعض العواصف الهوجاء التي تحيط بالأمة الإسلامية الآن من أعدائها الخارجين، كما أشير في الحلقة الثانية منها إلى بعض عوامل الهدم من داخلها. وكنت قد قلت في مقالات أخرى: إن الولايات المتحدة الأمريكية قد وصلت إلى مكانة عالمية؛ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بحيث أصبحت المتحكمة في سير الأحداث الدولية، والمسيِّرة لهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن حسب إرادتها.
وقضية فلسطين هي القضية الأولي للأمة الإسلامية ومنها العرب ؛ مشاعر وانشغالا. ومن سوء حظ هذه الأمة أن تلك القوة الأمريكية العظمى قد نشأت نشأة تشبه في بعض وجوهها نشأة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، وأنه مع مرور الأيام وتبلور عوامل مختلفة ومؤثرة أصبح التحالف الاستراتيجي المنقطع النظير حتمياً بينها وبين هذا الكيان العنصري المغتصب.
وكان من تلك العوامل المؤثرة أن ملايين من الأمريكيين يعتنقون مذهباً أصولياً لحمته وسداه أن المنقذ المنتظر لن يأتي قبل أن يبلغ اليهود قمة تفوقهم وسيطرتهم على الآخرين. وبالتالي فإن دعم هؤلاء اليهود الصهاينة ليصلوا إلى تلك القمة أمر تحركه مشاعر كامنة داخل النفوس، إضافة إلى عوامل ظاهرة تصعب مقاومتها. ومما يثير الانتباه إن أعداد تلك الملايين تزداد عاماً بعد عام، وأن رؤساء أمريكا كلهم إلا من ندر من المعتنقين لذلك المذهب الأصولي.ومن الممكن إضافة عامل آخر إلى ذلك العامل المهم؛ وهو عامل مشابه له في بعض الجوانب. فمن المعلوم أن اليهود هم الذين وضعوا قواعد الماسونية؛ وهي المنظمة الرهيبة؛ تنظيماً وتأثيراً في العالم. وكان في طليعة من أوضحوا شيئاً من جوانب هذه المنظمة الرهيبة الأستاذ الجليل الدكتور حسن ظاظا، رحمه الله رحمة واسعة. ولقد كشف برنامج قناة الجزيرة أن حوالي خمسة عشر رئيساً من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية كانوا ماسونيين. وللمرء أن يتوقع مدى تأثير اجتماع الانتماء إلى ذلك المذهب الأصولي المؤمن بوجوب العمل لكي يصل الصهاينة إلى قمة قوتهم، والانتماء إلى الماسونية في شخصية واحدة، على أي نهج ينتهجه سياسياً.
ومسألة النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثيره على صنع القرار فيها، مسألة معروفة بشكل فاضح منذ عهد الرئيس ترومان قبل أكثر من خمسين عاماً، وإن كان ذلك النفوذ قد بدأ قبل ذلك العهد. وفي طليعة من كتبوا كتابات جيدة مستفيضة عن التسلط اليهودي المؤثر على كثير من وجوه النشاط في المجتمع الأمريكي، في الوقت الحاضر، الكاتب المعروف بول فندلي. ومن الواضح أن الصهاينة من اليهود يمتلكون ناصية وسائل الإعلام الأمريكي المختلفة؛ مرئية ومسموعة ومكتوبة؛ اضافة إلى السينما المؤثرة.
ولهم الصدارة في الحياة المالية؛ وبخاصة البنوك التي هي أحد أركان الاقتصاد. وفوق هذا فإنهم يحتلون المركز الأول في الحياة العلمية. وكل هذه الأمور تغطي وتعوض قلة عددهم النسبية. فمع أن هذا العدد لا يصل إلى 1 من 40 من مجموع السكان فإن خريجي الجامعات منهم تصل نسبتهم إلى 1 من 20، ونسبة الحاصلين على شهادات عليا إلى 1 من 10، ونسبة الأساتذة منهم في الجامعات المشهورة لا تقل عن 1 من 4.
ولهذا ما له من أهمية؛ وبخاصة إذا أخذ في الحسبان أن اليهود اشتهروا ببراعة التنظيم، والتفاني في العمل لمصالحهم الذاتية مهما كانت الوسائل والأهداف وفي طليعة هذه المصالح مصلحة الكيان الصهيوني في فلسطين.
وباستخدامهم لما يملكونه من عوامل مؤثرة أصبح إرهابهم هو الإرهاب الحقيقي الخطر ضد أمريكا نفسها. ذلك أنه مع وجوده وخطره لا يستطيع أحد أن يذكره، أو يشير إليه مجرد إشارة، دون أن يفقد الأمل في الوصول إلى مركز سياسي مهم أو الاحتفاظ بذلك المركز. لقد أبان الكاتب الأمريكي المشهور ديفيد ديوك، في تناوله الأحداث الجارية، ذلك الإرهاب؛ وهو الأمر الذي سأحاول عرضه للقارىء الكريم مستقبلاً، إن شاء الله.
وبما أن هناك تشابهاً في نشأة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني من بعض الوجوه، وأن عوامل مختلفة مؤثرة قد حتمت قيام تحالف استراتيجي منقطع النظير بينهما، فإنه ليس غريباً أن تكون حرب الإبادة التي يشنها الصهاينة ضد الشعب الفلسطيني مدعومة؛ سياسياً وتسليحياً وتمويلياً، من قبل أمريكا. وليس غريباً، أيضاً، أن تأتي الجرائم المرتكبة من كلا الطرفين ضد العرب بالذات متشابهة في بشاعتها. كانت مذبحة صبرا وشاتيلا، حقيقة، بقيادة شارون، الذي كان حينذاك وزير حرب الكيان الصهيوني. وهو الآن رئيس حكومة هذا الكيان المتمادي في تقتيل الفلسطينيين؛ رجالاً ونساء وأطفالا. وكان الجيش الصهيوني هو الذي مشى على أجساد الأسرى المصريين في سيناء. وشبيه بذلك تمت مذبحة الأسرى في أفغانستان وكان المستهدف العرب بالدرجة الأولى وكانت هذه المذبحة، واقعياً، بأوامر رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي، الذي لم يكتف بهذه المذبحة، بل نفذ من يأتمرون بأمره مذبحة أخرى للعرب وهم جرحى على الأسرة في مستشفى قندهار. والله أعلم بالمذابح الأخرى، التي ستكشف عنها الأيام عندما «يفتك الهيس من الميس». على أن هذا الرجل لم يخف ما يعتمل في مشاعره وإن كان الصهيوني كيسنجر يقول عنه: إنه رجل بلا مشاعر فقد صرح أكثر من مرة بأنه لا يريد أن يرى أسرى من العرب في أفغانستان؛ أي أنه يرى وجوب إبادتهم جميعاً.
وإذا كانت الساحة الأمريكية هي الأقوى والأهم في العالم فهل نفوذ الصهاينة من اليهود مقتصر على هذه الساحة؟إن الإجابة بالنفي تؤيدها الأدلة الواضحة الكثيرة. فالساحة الأوروبية مثلاً لها أهميتها وخطورتها. ومن المشاهد أنه لا يستطيع أي أوروبي أن يصل إلى الزعامة السياسية، أو يحتفظ بها، ولو اتخذ موقفاً ليرضى عنه قادة الصهاينة. ولم يقتصر الإرهاب الصهيوني للأوروبيين على المجال السياسي فحسب، بل شمل مجالات أخرى من بينها المجال العلمي. ومن ذلك أن أحد الباحثين كتب رسالة دكتوراه، في جامعة فرنسية، وبرهن فيها على أن المذابح التي قام بها النازيون ضد اليهود قد بولغ في أعدادها، ومنحته الجامعة الشهادة. وبعد شهر من منحه إياه أتى وزير التعليم الفرنسي إلى هذه الجامعة، ووبخ المسؤولين فيها، وسحبت الشهادة الممنوحة.
وإن الموقف الذي اتخذه القادة الأوربيون أخيراً باعتبارهم منظمتي حماس والجهاد الإسلامي، والمقاومتين للاحتلال الصهيوني في فلسطين، منظمتين ارهابيتين موقف ساهم في بلورته النفوذ الصهيوني في المجتمعات الأوروبية بدرجة كبيرة. على أن فيه ارضاء لرغبة أمريكا، وإرضاء لمشاعر نفاقية كانت تردد مستترة المثل الشعبي: «اغصبوني واتغيصب». ولقد أدرك أولئك القادة أن زعامات الأمة الإسلامية فقدت قوة الإرادة. وما قرارات مؤتمرات القمة التي عقدها قادة هذه الأمة، أو القادة العرب، واجتماعات وزراء خارجية هؤلاء وأولئك؛ قولاً وعملاً، إلا أدلة مؤلمة على فقدان تلك الإرادة. وكان صدى تلك القرارات من أهم أسباب فقدان الرأي العام العربي والإسلامي، بصفة عامة، الأمل في شفاء الأمة من الشلل الذي أصيبت به. ولذلك رأى القادة الأوروبيون أنه لم يعد هناك داعٍ لإخفاء مشاعرهم الحقيقية. فاتخذوا القرار المذكور، وصرح رئيس وزراء إيطاليا بما صرَّح به، وتظاهر آلاف من أنصاره مطالبين بطرد المسلمين وكثير منهم عرب من بلادهم.
وبعد:
إن ما حدث في أفغانستان، وما يحدث في فلسطين، رغم فداحة هذا وذاك ما هما، فيما يبدو، إلا بداية لعواصف أكثر خطورة وفداحة. فالإشارات تدلّ على أن أي تحرك إسلامي يهدف إلى تحرير بلاد المسلمين ستعده من تملك مقود العالم الآن عملاً إرهابياً. لكن ماذا سيكون موقف العرب والمسلمين؛ حكومات وشعوباً، إذا انتهى ما أرادت أمريكا أن تفعله في أفغانستان، وبدأت بعدوان على بلدان عربية أو إسلامية، وغيرها؟ ماذا لو قامت مثلاً بعدوان على المقاومة الباسلة في لبنان، وبخاصة أنها عدَّتها إكراماً للكيان الصهيوني منظمة إرهابية؟ وماذا؟ وماذا؟.
إن بقاء سفارات الكيان الصهيوني، أو مكاتب الإتصال في بلدان عربية بالذات رغم ما يحدث من حرب إبادة للشعب الفلسطيني، وامتهان لكرامة الأمة العربية المسلمة، ليس إلا نذير شؤم بسوء العاقبة. وإن إجهاض الانتفاضة مرّة أخرى؛ تشبثاً في أمل بتحقق معجزة من دولة ربطت مواقفها ماضياً وحاضراً برغبة الكيان الصهيوني وأخذت على عاتقها أن تحقق له ما يريد، لدليل أكبر على ما وصلت إليه حال الأمة من تدهور ومذلة.
أما افتتاح فروع لمحلات ماركس آند سبنسر في قلب جزيرة العرب مثلاً ، وهي المحلات التي لا يخفى أنها تمد دولة الصهاينة كل عام بمئات الملايين من الدولارات رغم إدّعاء من يدِّعي بأنها مجرد شركة بريطانية فليس إلا إساءة إلى موقف المملكة العربية السعودية النبيل من تلك الدولة العدوانية. إن الأجواء لمكفهرة من اتجاهات عدة، ولا يملك من يحس بآلام أمته وكل الشواهد تبعث على اليأس إلا أن يقول: ياربّ سلِّم سلِّم.

أعلـىالصفحةرجوع













[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved