| الاخيــرة
لا أزال أذكر بينما كنت أجالس أبي رحمه اللّه وهو جالس مع رفاقه يتذاكرون أحداث وأهوال معارك التوحيد التي خاضوها خلف الملك عبد العزيز رحمه اللّه، وهو يمضي قدما إلى لم شمل الوطن وتوحيد أركانه التي نهنأ بها اليوم ونعيش في رغدها ونعيمها الذي منّ الله به علينا جميعاً.
وكطفلة تستمع بلهفة إلى أحاديثهم تلك دون أن تعي كثيرا من العبارات والمعاني والعناوين، كنت كثيرا ما أسال أبي رحمه اللّه ببراءة مطلقة عن الخوف من الحرب، فأقول له: «يبه ما تخاف من الحرب؟»، وأذكر أنه كان يحتضنني بحنان الأب الذي لا حدود له، فأشعر بأنه يأخذ سؤالي على محمل كبير من الجد، فيقول: «هه ... نخاف؟ من ما يخاف من الحرب؟ والله يا بنتي ان مفاصلي ترقص من الخوف إلى أن أدخلها ... ومن أدخلها يكون آخر علمي بالخوف»!!!
أقول هذا وأنا أتابع العمليات الاستشهادية التي يقوم بها إخواننا وأبناؤنا في فلسطين العربية المحتلة، وأستمع إلى ابنتي وهي تسألني: «يمه هم ما يخافون؟» فأقول: هؤلاء أصحاب قضية، قوامها مقدساتهم الإسلامية وأرضهم المحتلة، وكرامتهم الممتهنة، وتجبر أعدائهم فيهم وشعورهم بالاغتراب في أرضهم، وقبل كل هذا إيمانهم المطلق باللّه سبحانه وتعالى ثم انهم يدافعون عن عقيدتهم وأرضهم. يكفي كل هذا لسد ثغرات الخوف إلى قلوبهم.
إن الملامح التي يسطرها هؤلاء المستشهدون سوف تدخل في تاريخ الذود عن الوطن وكرامة الإنسان فيه وهم بعون اللّه منتصرون ومحققون غاياتهم المثلى.
إن أعداءنا قد أثبتوا لنا وللعالم كله بأنهم أهل بطش وحقد دفين، وهم لا يتورعون عن سفك دماء الأطفال قبل الرجال، بل لقد وصل حقدهم إلى الشجر والحجر، فآلاف دونمات الأشجار قد جرفوها، وآلاف البيوت قد هدموها، وآلاف الأطفال والأمهات يبيتون لياليهم في العراء، يقرصهم البرد، وتحرق قلوبهم ممتلكاتهم المدمرة. المؤسف حقا أن كثيرا من وسائل الإعلام العالمية تركز على عمليات هؤلاء الاستشهاديين وتعتبرها ضرباً من الإرهاب ... وتتناسى المذابح التي يقوم بها أعداؤهم كل يوم، فبعض محطات التلفزة الغربية عرضت مشاهد التفجيرات في القدس المحتلة لأكثر من ساعة ونصف متصلة، بينما غيبت وبشيء من المكر والدهاء المشهد المبكي لأطفال غزة الذين اختلطت دماؤهم وأشلاؤهم بكتبهم ودفاترهم، ومرّت على هذا الحدث المؤلم مرور الكرام «وهم ليسوا بكرام».
أنا ضد الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، لأن ديننا الحنيف دين سلام ورحمة، لكنني في الوقت نفسه ضد العنف الاختياري والإرهاب الإعلامي والفكري أيضا . صحيح أن أبرياء يسقطون جراء العمليات الاستشهادية، وكلنا نحزن كثيرا لذلك، ولكن أي خيار ترك لهؤلاء المدافعين عن أرضهم وأبنائهم وهم يرون دماء وأشلاء أطفالهم تتناثر أمام أعينهم، ولا يجدون من العالم الغربي إلا عبارات مساواتهم بظالميهم ، ولا يسمعون إلا وعوداً تخديرية قد لا تزيد عن عملية «نصب سياسي» كما قال أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى .... وتاليتها؟!!
HendMagid@hotmail.com
|
|
|
|
|