أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 23rd December,2001 العدد:10678الطبعةالاولـي الأحد 8 ,شوال 1422

مقـالات

لماذا نكتب؟
إبراهيم بن عبد الله السماري
كل مايكتب من خير أو شر من حسن أو سيئ هو في أصل مادته كلمة إما ان تكون طيبة وإما ان تكون خبيثة وعلى اساس هذه الكلمة يشيد البناء فيكون بنيان خير او بنيان شر، قابلاً للرسوخ او مهدداً بالانهيار.
فالكلمة الطيبة عنوانٌ من عناوين الرشد وسبيل من سبل الإصلاح، بها تُصاد الشوارد المفيدة، وتُفرَش المعاني الصادقة، ويُنَبَّه إلى غوائب الافكار النافعة، والكلمة الطيبة لها قدرة عجيبة في التسلل الى اغوار النفوس، والتسلق على جدران العواطف، والتسرب عبر منافذ القبول لدى الناس، فيبقى طعمها في النفوس زمنا طويلا يتجدد مع كل موقف وذكرى، ويؤكد علو منزلة الكلمة الطيبة أن القول السديد لايصدر إلا عن فكر رشيد مما يجعلها تتبوأ المنزلة العالية الرفيعة في نظر العقلاء.
وعكس الكلمة الطيبة فإن الكلمة السيئة ذات تأثير سلبي، تنفر منها النفوس الكريمة والفطر السليمة، غير ان تزيين الشيطان قد يلبسها على من ضعفت قدراته العقلية والفكرية والعلمية كما هو واضح في معاش الناس.
والكلمة طيبة أو سيئة حين تتحول إلى مادة مكتوبة يصبح خطرها اكبر واثرها اعظم، وقد تظل هذه الكلمة المكتوبة مقروءة فحسب وقد تصبح مسموعة أو مرئية فيكون اثرها بقدر ماتحمله من عوامل التأثير وما يصاحبها من وسائل التشويق والجذب، كما تتأثر بالظروف المحيطة ولذا قيل: لكل مقام مقال.
والكلمة حين تصب في وعاء القول او الكتابة او غير ذلك من الأوعية فإنها كالرصاصة إذا أطلقت فلن تعود إلى بيتها ابداً بل سيسأل عنها مطلقها بحسب طبيعتها وتأثيرها، لأنها إما ان تزيل شراً وإما ان تقتل خيراً، فقال الشاعر:


وما من كاتب إلا سيفنى
ويبقى الدهر ماكتبت يداه

والدوافع للكتابة تختلف من كاتب الى كاتب بحسب معتقد واهداف وغايات وطموحات كل واحد، ونحو ذلك من العوامل المؤثرة في عملية الكتابة، كما ان الكتابة تختلف باختلاف مجالاتها، فالكتابة العلمية تختلف عن الكتابة الادبية في طبيعتها وخصائصها ومصطلحاتها وطريقة عرضها ووسائلها وهكذا.
وإذا كانت كتابة البحوث العلمية ذات طقوس معينة وضوابط محددة تكاد في إطارها العام ان تصل الى درجة العرف المستقر بين مزاولي هذه الكتابة فلا يجوز تجاوزها، فان كتابة المقالات الصحفية لها اسس وخصائص تختلف عن اسس وخصائص كتابة البحوث العلمية بعد ان اصبحت كتابة المقال الصحفي علماً مستقلاً له نظرياته و مقوماته وهو جزء من علم الإعلام.
إلا ان الجدير بالتنويه هو ان المساحة التي تتمدد فيها كتابة المقال الصحفي واسعة بحيث تستوعب طريقة هذا وقدرات ذاك، كما تتنوع مادة هذه الكتابة بين جادة وساخرة وبين طويلة وقصيرة، كما تتغير لغتها من كاتب لآخر بحسب الادوات التي يملكها وبحسب المجالات التي يطرقها.
وبعد أن انتشرت وسائل الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية واستأثرت بمتابعة غالب الناس وتعليقاتهم اليومية، وبعد ظهور الوسائل التقنية الحديثة كالإنترنت وتعاظم اثرها وتأثيرها في حياة الناس كثر من يسأل: لماذا نكتب؟ وما الذي يدفعنا للكتابة؟ وهل الكتابة عملية سهلة ام انها عملية صعبة؟ وهل نحبها او نكرهها؟.
وجوابي على هذه الأسئلة ان اقول للسائل: عليك ان تستمر في طرح الاسئلة فتقول مثلاً: لماذا نأكل؟ لماذا نشرب؟ لماذا نستنشق الهواء؟ وهل ذلك عملية سهلة ام انها عملية صعبة؟ إلى آخر لائحة لماذا التي لايستطيع ان يحفظها أمهر جرسون في العالم!!.
الكتابة بالنسبة للكاتب الذي يعي رسالته في الحياة ويدرك ماهو مطالب به مثل الأكل والشرب واستنشاق الهواء لايستطيع الفكاك منها واذا حاول هجرها عاشت في مخيلته أسى وحسرة.
الكتابة اختيار سهل وصعب في آن واحد، ذلك ان بعض الكتّاب تتحول الكتابة عنده إلى هم يشغل حيزاً كبيراً من فكره ومشاعره لأن همه هذا مؤسس على أهداف عظيمة ومؤثرة.. فالكتابة عنده تتحول دوماً إلى حالة ولادة تحمل في طياتها كل آهات الولادة ومعاناتها.
وفي الجانب الآخر لانستطيع الإنكار ان الكتابة عند بعض الكتّاب ليست سوى ترف ذهني مفرغ من المضامين والأهداف الحقيقية فهي عملية سهلة لاتكلف أكثر من الحبر والورق الذي يستخدمه مع القدرة على التلاعب بعدد من الألفاظ المزخرفة.
وأخطر من ذلك ان تكون الكتابة عند بعض الكتّاب ليست سوى تعبير عن مشاعر عدائية مكبوتة وآهات حبيسة ولدتها ظروف معينة لم يجد سوى الكتابة ميداناً يتنفس فيه المكبوت وينطلق المحبوس!.
اتجاه الإنسان للكتابة مرتبط بشكل وثيق بالدوافع.. والدوافع للكتابة تختلف من شخص لآخر وبالتالي فإن التفاعل مع الكتابة حباً وكرهاً يختلف باختلاف هذه الدوافع ومدى تأثيرها في نفس الكاتب وفي نفس القارئ كذلك. لتوضيح الصورة فحسب فإن الاهداف النبيلة تثقل معاناة الكاتب مع كتابته، لأنه في سعيه لتحقيق تلك الأهداف يتعامل مع العوائق كما تتعامل الخيل المدربة مع حواجز السباق تدريباً و مهارة ورغبة في الوصول الى خط النهاية بسلامة ونجاح ولكنه في معاناته هذه يتزود بوقود مهم هو ثراء تلك الاهداف النبيلة وما يستقر في وجدانه من المترتبات عليها في دنياه وآخرته!!.
في حين تكون الكتابة ابنة لحظتها ومفرغة من نبل الهدف وسمو المعاناة الحقيقية إذا كان من اهدافها الترف الذهني او المماراة البغيضة او المتعة المؤقتة او السفسطة الموغلة في الوهم.
ازيدك من القول سطوراً كما زادك الشاعر من الشعر بيتاً فأقول:
الإنسان كائن حي مركب من مهارات وإمكانات وتعامله مع هذه الإمكانات والمهارات كما هي حاله في كل شيء يتأرجح بين الإفراط والتفريط وقليلاً ما يستقر في منطقة الصواب والأفضل.. ربما تقول كيف؟ فأقول:
الذي يملك مهارة وإمكانات الكتابة قد يتأرجح فعله بين الإفراط والتفريط.. الإفراط في حين يظن انه وحيد زمانه وفلتة عصره الذي لم يجد بمثله.. فيتعالى على الحرف وعلى القارئ فلا يصبح لقوله بلاغ ولا تأثير.
والتفريط حين يتقاعس المالك لقدرة الكتابة عن الكتابة ويسأل نفسه: لماذا أكتب والناس لاينتفعون بما اكتب؟.
وقد يسأل كاتب «ما» نفسه فيقول: الأمة مليئة بعلمائها فمن أكون أنا بينهم أو ماذا تكون أنت بينهم؟ إذا كان السؤال موجها للغير ؟ وهكذا هو شأن كل الأسئلة المحرضة على الإحباط والركون الى الكسل.
جمود الطبع في الناس والقول بأنهم لايستجيبون دعوى لايسندها الدليل، والواقع يكذبها فلماذا نشعل الأسئلة حولها لتحرق مانملكه من طموح وإمكانات ومهارات؟.
التيئيس واليأس واحتقار النفس من أشد الفواتك الحاصدة لسنابل العطاء لأنها تفتك بقدرات الإنسان وطموحاته والإنسان هو أساس نهضة الأمة في اي مجال من مجالات الحياة المتنوعة فإذا تعطل شيء من قدراته عاش هزيلا في الناس.. والهزيل لايسمن ولا يغني من جوع و لا يستطيع بناء نفسه بناء قادرا على التأثير في غيره، ولا المشاركة في نهضة الأمة، فلماذا لانكافح هذه الآفات بكل المتاحات امامنا وبكل الممكن عطاء وتميزا؟.
ملخص القيل ان يقال: ان الكتابة فعل محايد يمكن ان يستخدم في الخير كما يمكن ان يستخدم في الشر. والذي يحدد وصفه قبحا وحسنا خيرا وشرا هو نية الفاعل وسلوكه. والعجب حقا ان يتقاعس القادرون على الكتابة من اهل الخير ويترددون في الولوج الى هذا الميدان المؤثر ليلغ فيه أهل الشر؟.
هناك امور ينبغي مراعاتها في عملية الكتابة، الأمر الأول: عملية الاختيار والتخير.. فكما تختار الأفضل والأنفع في غذاء بدنك وهو عين العقل.. فمن باب أولى ان تختار الأنفع والأجود لغذاء فكرك، لأن الفكر أعظم أهمية من البدن، فلا بدّ ان تحرص على اختيار افضل مايكتب مما يعود عليك بالنفع في دينك ودنياك.
وكما تحرص على تخير الأفضل في لباسك وكسائك لتظهر امام الناس بأحسن لباس فكذلك من الأولى ان تتخير أفضل حلة زاهية بالخير والرشد لتظهر بها أمام الناس عندما تكتب لهم.
الأمر الثاني: ان الكتابة وسيلة اتصالية والوسائل الاتصالية تكتسب قوتها بحسب قدرتها على الوصول الى افكار الناس وقناعاتهم وبالتالي الفوز بقبولهم وبثنائهم.. والكتابة اليوم اصبحت ذات قدرة عجيبة في الاتصال والتأثير.. وهي ميدان للمناقشة والنقد، فلا بد من إحكام هذا البناء ليكون قادراً على صد هجمات النقد وليكون قادراً على الجذب والتشويق.ومايزيد أهمية الكتابة وتأثيرها ان الكتابة هي اساس ولب المادة الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية والإلكترونية.. تدخل مكتب الرجل ومخدع المرأة دون ان تحتاج الى استئذان او اختام تأشيرات فتكون إمكانية تأثيرها في هؤلاء قوية بدرجة كبيرة جداً.ثم إن انتشار وسائل الاتصال من وسائل اعلامية ووسائط اتصال في مختلف طبقات المجتمع، وشدة تعلق الناس بهذه الوسائل والوسائط، وطول تعاملهم اليومي معها، فكل ذلك زاد من قوة تأثير الكلمة وأهميتها. فلا بد من العناية بأمر هذه الكتابة وتوظيفها في مايفيد رغبة في تربية عقيدة افراد المجتمع وصلاحها والنهوض بذوائقهم الأدبية وتنمية ثقافتهم في مختلف مجالات الحياة.
من خواطري الشخصية:
* * ما أشد معاناة الإنسان عندما يكون قلبه مشحوناً بعواطف يشعر أنها تتمرد على حيز المكان المحبوسة فيه.. تقفز يمنة ويسرة لتسمو فوق واقعه المجدب.. فلا تجد الوعاء الذي تنسكب فيه ليحولها مصنع التعبير إلى كلمة!!.
هذا وبالله التوفيق..
alsmariibrahim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع













[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved