| مقـالات
كنا نحسب للعيد في الماضي ألف حساب ونعد الليالي والأيام منتظرين حلوله لما ينفرد به من مميزات شتى كنا نفتقدها في أيام السنة كلها.. من ضمن هذه المميزات وأبرزها انه يجمعنا بالآباء والأجداد والأقارب والجيران حيث تعم الجميع الفرحة الغامرة والسعادة الحقة التي تطفو على الوجوه في الأحاديث المتبادلة.. وكانت الحميمية تبدو في أزهى صورها وأصدق وأجمل معانيها، وثانياً كنا نلبس له الجديد الذي نحتفي بلبسه ونزهو بارتدائه، وثالثاً كانت الاكلات الخاصة المتنوعة فرصة لتغيير نمط حياتنا في غذائنا اليومي حيث يبادر الجيران بالذات في الاحتفاء بهذه المناسبة السعيدة الغالية فيحاولون جاهدين وحسب استطاعتهم على تنويع الموائد والحرص على الجودة والإجادة في الطهي رغم ان امورهم المادية إلا ما قل كانت تبدو محدودة ومتواضعة ولكن كما قيل طعام على فاقة أحلى من مائة ناقة ورابعاً كان برنامج تبادل الزيارات الودية والتهاني كان لها مذاق خاص وتبدو فيها المشاعر متوهجة وصادقة ونابعة من الأعماق ولم تطفُ على سطحها المجاملات والروتينية الرتيبة كما هو سائد في وقتنا الحاضر، حيث تقوم البطاقات الجاهزة والرسائل التليفونية المكتوبة والمكالمات العابرة محل الزيارات وتبادل المشاعر والأحاسيس واللقاءات الجماعية البهيجة.
ولقد كان والدي رحمه الله يحرص على تأصيل معاني العيد والمعايدة وواجباتها في نفسي منذ الصغر، فقد كان يصحبني معه على سبيل المثال الى اعز اصدقائه وأنبل رفاقه مثل العم حمد المنصور المالك أحد أبرز أعيان محافظة الرس رحمه الله وكذلك الأعمام عبدالرحمن الصيخان ومحمد العلي العقل ومحافظ الرس في حياته حسين العساف الحسين وغيرهم ممن كانت تربطه بهم وشائج المحبة الصادقة بعراها المتينة القائمة على الوفاء والشهامة.. وكانت الأيام او بمعنى أصح الليالي التي تسبق يوم العيد عادة ما تكون عامرة بالتخطيط المتواصل للاحتفاء بهذا اليوم المبارك بما يليق به وبمكانته سواء بعد انقضاء شهر الصوم الفضيل او عيد الأضحى، بعد يوم عرفة ذروة أيام الحج، وكان الشباب بصفة خاصة يساهمون فيما بينهم برصيد من مدخراتهم للاحتفاء بأيام العيد وشراء الحلوى والفواكه والمرطبات للتحلق حولها حيث يطيب الحديث وتغمر السعادة قلوبهم وتتوطد وشائج الألفة والوفاء فيما بينهم.. أما في وقتنا الحاضر ونقولها بكل صراحة بل وكل مرارة وخاصة في السنوات الأخيرة فقد خفت الفرحة بالأعياد او تضاءلت وانكمشت تقريباً فلا مظاهر شعبية ملفتة ولا لقاءات مفتوحة تعمق الحب وتوطد العلاقات وتزيل ما يعلق بالنفوس من شوائب تعكر صفاءها بل اصبحت مجرد اجازة يطيب فيها النوم او تحلو معها السهرات مع القنوات الفضائية او التسكع بالشوارع والأسواق او السفر، أما الأطفال وحدهم فلا يذكّرهم بأعياد الماضي إلا بعض العيديات من أقاربهم او الطراطيع الشروخ او ما يطلقون عليها الصواريخ يعبثون بها ويزجون بها فراغهم العريض وهو في هذه الحالة وهو احيانا ما يكون الفراغ القاتل للحروق والجروح التي تنالهم من سوء استعمالها والتهور في الاستعمال بعيداً عن الرقيب.
وهنا نتساءل وكمحاسبة للنفس بعيداً عن التشاؤم فإن الأمل لازال باقياً بأن تعود أيام أعيادنا كما كانت تشيع بالبهجة ويغمرها الصفاء بدليل ما نراه ونتفاءل باتساعه من اجتماع بعض الناس عند أبواب المساجد بعد صلاة العيد وفي يوم العيد وتبادلهم التحايا وإعلان الفرح بالدعوات الصادقة بأن يعيده على الجميع والأمتين العربية والإسلامية في أزهى أيام السعد والصفاء وذروة الانتصار على النفس وأسمى مراتب القوة لدحر الأعداء.. والله ولي التوفيق.. وكل عام وأنتم بخير..
«للتواصل فاكس 4786864 01/ الرياض».
|
|
|
|
|