| عزيزتـي الجزيرة
حقيقة قد يحمل هذا العنوان طابعاً سياسياً أو تحليلاً عسكرياً فيعتقد أحدهم أنه يتكلم عن الحروب التي شنت على بعض الدول أو التي ستشن مستقبلاً ولا ندري على من يأتي الدور، وقد يتوهم بعضهم أنه يتكلم عن الحرب الجرثومية «الانثراكس» ولكن أظن أن القارئ قد سئم من تلك التحليلات السياسية أو الأطروحات الهوائية التي لا تعدو أن تكون «حاطب ليل» فيها ما فيها وفيها ما ليس فيها صدق وكذب غث وسمين ولكني سأنقلك إلى موضوع اجتماعي لازالت بلادنا الحبيبة تُعد له وتعيش أيامه ألا وهو «التحذير من أضرار المخدرات على الشباب» فهو لا يزال يشغل بال المسؤولين وفي نظري أنه لا يقل خطورة عن غيره من الأمراض التي تفتك بآلاف البشر خاصة إذا كان شرره منصباً على أغلى الثروات الشباب عماد الأمة ومستقبلها فهو أحدث سلاح قاتل يستخدم في السلم ضد الشباب.
يسير الانسان من طور إلى طور في هذه الحياة وفي بعضها قال الله تعالى :« أو لا يذكرُ الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا».
فهو في بعض هذه الأطوار لا يذكر شيئاً منها لضعفه وعجزه انتقل من شخص إلى آخر قبل أن يكون ليصل إلى الظلمات الثلاث ثم ينزل من أنثى رحيم إلى أخرى لعلها تارات تكون ملعونة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« ألا إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم» فيرى هذه الدنيا فيستهل صارخاً.
تمر أيام الطفولة بسلام وسرعة فليس هناك ما يكدر أيام الصبا لأنها تسمى براءة الطفولة فهو لا يزال يعيش على ساحل الأمان.
ثم تأتي مقدمات الشباب وهي ما يسمى «المراهقة» فتعصف العواصف وتهب الرياح لتثير الغبار ويشرق الشباب ويغرب في تيارات نفسية وفكرية غالباً ما يكون حصادها وخيماً عند الكبر، وحين يدرك الشاب ويعقل يتيقن أنه سار في ليلٍ ظليمٍ في غير مسارٍ صحيح.
وعند ظهور النور لا يرى تحت قدميه إلا أشواكاً وأحجاراً تعثّر مسيره عندئذ يحاول الرجوع عن طريقه ولكن هل الرجوع أمر سهل وهل يسعفه الوقت لتدارك ما مضى وهذا ما نراه في بعض شبابنا هداهم الله ومن تلك المشاكل مشكلة المخدرات التي غالباً ما يقع فيها الشاب وينحرف عن الفطرة السليمة بحجة «أني أصبحت رجلاً» وأحياناً بحجة حب الاستطلاع والتجربة فهي حجج واهية يقذفها الشيطان في قلب هذا الشاب يزينها له جليس السوء وقرين إبليس فأول طريق الشر هذا العدو المقنع بلباس الصديق يناوله السيجارة ليضعها في فيه الظاهر.
يسقيه شربة سم ثم شمة مخدر ثم إدماناً يسري في الدماء الطاهرة حتي يصبح مدمن مخدرات فإذا به قد سار في قافلة المخدرات فيتولى عنه ذلك الصديق.
هذا المرض وهذا الادمان يلازمه حتى يبلغ من العمر عتياً فإذا قارب اليقين ورأى الموت يدب إليه بسبب هذا المخدر قال رب ارجعون فأخرج يده من أوساط الادمان يريد من ينقذه فإذا هو قد باعد عن ساحل الأمان و غاص في ظلام الادمان وإذا الموت يحيط به من كل مكان خسر الدنيا والآخرة فإن كان في وظيفة فصل منها وإن كان من أسرة عريقة أدخل إليها الشكوك والفضائح فكل ينظر إليه بعين الاحتقار والسخرية، فهو أضاع الله فضاع من عيون الخلق فما قدر الله حق قدره فقدَّره الله حق قدره الذي يستحقه أن يكون من أراذل الناس وما شكر النعمة التي كانت عليه فما رعاها حق رعايتها فسلبت منه على حين غرة ولعل جزءاً كبيراً من الشباب انضم إلى عالم المخدرات من غير قصد أو أجبر على ذلك بسبب ظروفه أو لعدم علمه بأضرار المخدرات.
إن الشاب هو الأمل المرتقب لأسرته ومجتمعه هذا الأمل الذي يكون أحياناً حقيقة فيسعد مرتقبه ويبهج منتظره وأخرى يكون أملاً من سراب وهما لا حقيقة له أو حقيقة مرة حسرة وندامة ذل وخزي لمؤمله.
الشاب تبنى عليه آمال وينتظره أجيال كم من أبٍ ينظر إلى صغيره ينتظره أن يبلغ أشده يرى في ابنه سبباً من أسباب سعادته يرى فلذة كبده عوناً له في مستقبل زاهر وإذا بالحقيقة المرة تفاجئه.
يسمع.. أن ابنه سرق.. أو قتل أو.... أو....
كل ذلك بسبب ماذا...
بسبب سيجارة حشيش أو حبة مخدر أو حقنة هيروين.
كم من شابٍ غادر أهله وعشيرته وموطنه الذي درج فيه ذاق مرارة الغربة وعناء السفر.
ابتعد عن والدٍ رباه وأمٍ حنَّت عليه وعشيرةٍ عاش في أكنافها، وأتراب قضى معهم أيام الطفولة والصبا وديارٍ درج عليها وموطناً احتضنه، ابتعد عن كل هذا وتحمل كل ذاك من أجل أن يعود إلى وطنه محملاً بالعلم والنجاح والكفاح، وها هو بعد كل هذا يعود مملوءاً بالسموم والمخدرات والأمراض وإذا بالحقيقة المرة أمام عينيه، يعود مدمناً أو مروجاً أو ليهدم كبيرا ما بناه صغيراً فتنقلب حياته إلى جحيم فلا هو فاز بالأخرى ولا هو ظفر بالدنيا «خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين» وإذا سفينته ترسو على شاطئ الرذيلة والخيانة فالمجتمع نبذه والخلق مقته.
شباب في عمر الزهور يغرقون سراً في أوحال المخدرات.
شباب لم يبحث عن المواد المخدرة بل هي التي تطرق أبوابهم بشدة وتلح عليهم إلحاحاً شباب عرفناهم في الجامعات وإذا بهم يسقطون في أوكار الادمان.
شباب ضربوا أروع الأمثلة في الأدب والأخلاق ومعالي الأمور، وإذا بهم يقعون في المخدرات.
إن المخدرات دمار الشعوب والشباب خاصة فهي تخدر الشاب عن كل فضيلة لتدفعه إلى كل رذيلة حتى يصبح الشر خيراً في عينه يعيش في أوكار الفساد بسبب المخدرات.. يعيش في عالم غامض رهيب.. إنه عالم المخدرات عالم الدمار والهلاك أوله سيجارة وآخره ادمان ثم نهايته نهاية حيوان لا أحد يتصور أن حجمها فاق كل تخيل إنها خطة صهيونية محكمة ذكية تستهدف الدول الإسلامية وتلتهم هذه الخطة أعز ما تملك هذه الشعوب المسلمة وأغلى ثرواتها وأثمن خيراتها انهم عماد الأمة وحاضرها ومستقبلها انهم الشباب.
إن أعداء الإسلام يجدون في استنباط أنواع جديدة من المخدرات قذائف عالية المفعول دقيقة في اصابة الهدف أطلقوها لاصابة قلب الأمة.. الشباب
تحت شعار «جرِّب مرة واحدة»
سقط في كمين الادمان الكثير من الشباب فهذه الخطوة الأولى في طريق الادمان فهي أشبه ما تكون بالجرعة الأولى وبعدها يصبح من الصعب الفرار ثم يأتي الادمان ويعقبه الانتحار.
إن الادمان يدفع بالشاب الطاهر إلى حالة من الجنون لا يفرق بين الخير والشر، بين النور والنار، بين الانسان والحيوان «أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أظل سبيلاً».
ولهذا سمعنا عن الجرائم البشعة:
الادمان يدفع بالمدمنين إلى آبار الرذيلة.
الإدمان ينزع منهم الضمير والمبادئ والقيم.
الإدمان يحولهم إلى وحوش كاسرة لا رادع لهم ولا دين.
إن وراء الادمان خططاً مدروسة يقف وراءها رجال مسلحون بالمال والمكر والخديعة يعيشون في أوساطنا ولكنهم ينخرون في مجتمعنا وفي شبابنا لكي يفرقوا صفنا من الداخل فهم أشد علينا من أعدائنا في الخارج.
إنهم مروجي المخدرات، أفاعٍ مليئة بالسم القاتل وما يؤمل من الأفاعي إلا السموم.
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها،،،،،، فإن في أنيابها العطبُ.
فهم يسعون لتحويل المجتمع إلى غابة سوداء يصول فيها ويجول ذئاب المخدرات.
وأوضحت دراسات عديدة أن مشكلة المخدرات تكلف دولاً عربية بلايين عديدة سواء من طريق الاستهلاك أو تضييع طاقات الشباب أو عبر الأموال المخصصة لبرامج مكافحة المخدرات.
وبلادنا ولله الحمد لم تصل إلى هذه النسبة ولن تصل إليها إن شاء الله بل هي من أقل نسب المنطقة عموماً وهذا يرجع إلى تطبيق شرع الله ومكافحة المخدرات وجعل لها رجال موكلون بهذه المهمة يذودون عن شبابها ويحمونها من أضرار المخدرات فنسأل الله أن يحفظهم وأن يعينهم على أداء هذه المهمة فهي رسالة عظيمة ويكفينا أنهم يرخصون أرواحهم ويضعونها على أيديهم ليقدموها فداء للدين ولحفظ مجتمعنا وشبابنا وأبنائنا ولكن مع ذلك لا بد من تسلل المخدرات إلى بلادنا لاتساع رقعتها وموقعها الجغرافي اضافة إلى وجود الأماكن المقدسة وقدوم الآلاف من الوافدين مما جعل المملكة مزاراً يقدم إليه الملايين لأغراض عدة منها الحج والعمرة أو الزيارة أو العمل وهو ما جعلها أرضاً خصبة للمحاولات.
المخدرات تستهدف الشباب.. ساعد الأمة وأملها في المستقبل ولذلك فهي داء ينهش في اللب ويقتل من العمق ويقضي على الجذور ويفسد البذور! ليست المشكلة في ملايين تهدر من أجل مكافحة هذا الداء ولكن المحنة الحقيقية في أن يرى الناس أمل الأمة ومستقبلها يسقط عبر نماذج ملموسة في براثن المخدرات ليصبح الشباب رهناً لشبح الادمان، فتضيع أغلى الثروات في دروب النشوة الكاذبة، ويصبح حاضر الأمة بل ومستقبلها رهن أيدي تجار ومروجي المخدرات إنه الداء الذي لا بد من مواجهته، فالتقليل من شأنه، وتجاهل وجوده والتغافل عن المسارعة بمحاصرته.. كلها مسارات لن تؤدي إلا إلى الهاوية السحيقة، فكلما كان هناك تبكير في المعالجة سهلت المهمة وتم تفادي الكثير من الأضرار وكلما حدث التلكؤ والتجاهل والتغاضي.. تشعبت المشكلة وأصبح الحل والعلاج عسيرين على المحتاجين لهما، العالم كله يعلم أن الحرب ضد المخدرات هي مسألة أن نبقى أو لا نبقى فالخطر يهدد ويسحق كل الجنس البشري، إذا ما تتكاتف الجهود للمواجهة.. ولكننا نعلم قبل غيرنا مدى فداحة أن نترك للداء مساحة يغزو خلالها شبابنا فبلادنا ولله الحمد هي موئل الإسلام وبلاد التوحيد وأرضنا أرض الحرمين هي أرض الطمأنينة والأمن ورخاء العيش ومهوى الأفئدة وشبابنا هم أحفاد الصحابة وحملة هذا الدين فهل نترك لمثل هذا الوباء الفرصة لينال منّا ومن شبابنا؟ ديننا يحثنا على استئصال هذا الخطر وواجبنا يحتم علينا حماية شبابنا من الدمار ومنطق البقاء يجبرنا أن نواجه أحدث سلاح قاتل استخدم في السلم ضد الشباب.
فهد بن مطني القمعان
عضو هيئة التدريس كلية المعلمين حائل
|
|
|
|
|