| عيد الجزيرة
* القاهرة مكتب الجزيرة شريف صالح:
د. عبدالرحيم الكريمي أستاذ تكنولوجيا الغذاء بجامعة عين شمس.. خبير في مجال التغذية وصاحب رؤية مضادة لما هو سائد حالياً.. يدعو إلى العودة إلى مائدة البيت العربي بعاداتها وتقاليدها.. ويسعى تنظيراً وعملاً إلى تقديم مشروع لتجفيف الغذاء ينبع من طبيعة وخصوصية البيئة العربية.. ويراعي إمكانات المواطن العربي محدود الدخل.. من المهم أن نستفيد من التكنولوجيا لكن لايعني هذا ان نكرس «التبعية» حتى في غذائنا..
* أضرار قاتلة:
* بداية.. ما السر في تغير عاداتنا الغذائية في السنوات الأخيرة؟
أعتقد ان سطوة الإعلام ساهمت في الترويج للوجبات السريعة أو ماتعرف ب «التيك اواي» كما ان هذه الوجبات الوافدة على ثقافتنا تتسم بسرعة الاعداد وتنوع العناصر ورغم ارتفاع أسعارها نسبيا لمعظم فئات المجتمع العربي إلا أنها لقيت استحسان أصحاب الدخول الطفيلية وهؤلاء لاتعنيهم النقود المتآكلة لأنهم يستطيعون تغطيتها بسهولة.
* وهل لهذه الوجبات تأثيرات ضارة على صحة المواطن العربي؟
عادة المواد الغذائية التي تطهى سريعاً تفقد الكثير من قيمتها الغذائية، كما ان الطعم «المزاجي» لهذه الوجبات لايرتبط بثقافتنا الغذائية حيث اعتدنا في أكلاتنا المحلية ان نضيف ألواناً من التوابل لنعطي الطعام مذاقاً مصريا أو خليجيا.. أما في هذه الوجبات فنحن نستسلم للطعوم المصطنعة التي يقررها أصحاب هذه السلاسل والمحلات. كما ان هذا النمط الغذائي الذي استسلمنا له يخضع تماماً لقانون السوق وليس لمبادئ العلم. من هنا بدأت منظمات الصحة العالمية والجمعيات الأهلية التي تدافع عن المستهلك تأخذ موقفا مضادا من هذه الوجبات لأنهم اكتشفوا أضرارها، فبدأوا يقاومونها.. لذا من الضروري ان يرتبط ذوقنا الغذائي بالعلم وألا نخضع في عماء لمغريات السوق.
* وما أهم أضرار هذه الوجبات بشيء من التفصيل؟
هذه الأطعمة تحتوي على دهون غير مهدرجة ودهون ثقيلة صعبة الهضم وسكريات عالية، كما ان الزيوت المستخدمة في إعدادها قد لاتكون بالجودة الكافية. بالإضافة إلى استخدام مخلفات مصانع الأغذية وما يترتب على ذلك من مخاطر بيكتريولوجية ولذلك تخضع هذه الأطعمة في تصنيعها لنظم تعقيم معقدة للغاية حتى تصبح آمنة في استهلاكها وعادة ما تكون هذه الوجبات خالية من الألياف مما يتسبب في عسر الهضم، أما الدهون الثقيلة والمواد غير القابلة للإذابة بسهولة فأقل ما ينتج عنها هو السمنة ولأن أغلب المواد الغذائية المستخدمة هي مواد مصنعة لذلك فهي تفسد سريعاً مما ينتج عنه حالات تسمم نسمع عنها من وقت لآخر.
* إذا كانت هذه الأضرار كلها محتملة.. فما سر إقبال الناس على هذا النمط الغذائي؟
بسبب الطعوم الصناعية التي هي عبارة عن كيماويات تضاف بعناية فائقة لتكسب الطعام مذاقا قريبا من مذاق الأطعمة المحلية.. فعلى سبيل المثال طعم الهامبورجر في مصر يختلف عن طعم الهامبورجر في فرنسا أو سنغافورة وما نسمعه عن خلطات سحرية كلها تصب في محاولة جذب الجمهور وإعطاء إحساس بمذاق مختلف وإحساس بشبع مؤقت. وإن افتقرت الوجبات لعناصر غذائية أساسية كالأملاح والفيتامينات.
* وما البدائل التي يمكن طرحها على المستوى المحلي؟
ليس أمامنا سوى تطوير أكلاتنا المحلية المستمدة من بيئتنا ومن عاداتنا الغذائية وان نتلافى السلبيات.. ففي العادة وجباتنا تأخذ وقتاً طويلاً في إعدادها فلو نجحنا باستخدام التكنولوجيا في ان نعد وجبات سريعة الطهي ومتنوعة فلن تصبح هناك حاجة إلى أنماط غذائية وافدة فمثلا يمكن ان نضيف إلى الطعمية الفول الصويا وان نعد منها أشكالاً مختلفة بطعوم مختلفة .. لكن للأسف نحن لانتعامل بهذه الإيجابية مع أكلاتنا.
* حفظ الغذاء:
* هناك قضية تطرح نفسها دائماً فيما يتعلق بوسائل حفظ الطعام بكميات معينة.. ما هي أفضل الوسائل؟
ترتبط عملية حفظ الأغذية بثلاثة عناصر: التطور التكنولوجي ومفهوم الاستهلاك في المجتمع والمعادلة الزراعية القائمة.. استناداً لهذه العناصر نصل إلى فلسفة حفظ الأغذية، فقديما قبل وجود الكهرباء كانت طرق الحفظ تعتمد على المناخ الطبيعي لكل مجتمع، ففي البلدان شديدة البرودة كان يمكن تجميد الطعام في الشرفة فلا يفسد وفي المقابل نجد ان البلد المشمسة كانت تميل إلى تجفيف الأغذية في الشمس كالتمور والزبيب، بما يعني ان فكرة الحفظ تكون تابعة في الأساس من ظروف البيئة ولما بدأت الكهرباء فكر الناس في استخدامها لتوليد طاقة حرارية تساهم في عملية الحفظ سواء بالتجفيف أو التبريد تبعا لثقافة المجتمع أو لوجود عناصر غذائية معينة.
* هل هناك فقد في القيمة الغذائية نتيجة حفظ الطعام مجمداً أو مجففاً؟
لابد ان نقتنع «ونقبل» ان نتنازل عن جزء من القيمة الغذائية للمادة الطازجة إذا ما استخدمناها محفوظة سواء بالتجميد أو التجفيف. من الطبيعي ان تكون هناك نسبة فقد وإن كانت التكنولوجيا الحديثة تسعى دائماً لتقليلها بالنسبة لعملية التجميد فإنها تعني تجميد المياه داخل الأنسجة ويسبقها عملية «سلق» لمدة ثلاث أو خمس دقائق للحفاظ على لون وطعم المادة المجمدة قدر الإمكان ومن الطبيعي ان عملية «السلق» تفقد المواد الغذائية بعض الأملاح والفيتامينات القابلة للذوبان في الماء، وكذلك تسبب عملية التجميد نوعاً من «التهتك» للخلايا الغذائية مما يجعل من الضروري استهلاكها مباشرة فور خروجها من ثلاجة التبريد حتى لاتتحلل سريعاً وتبعاً للأسلوب التكنولوجي المستخدم ومدى الحرص والدقة تكون نسبة الفقد خلال عمليتي «السلق» و «التجميد».
أما بالنسبة «للتجفيف» فهو يعني انتزاع المياه من خلاليا المادة الغذائية مما يجعل الوسط المائي في المادة أقل مايمكن وغير صالح لنمو الكائنات الدقيقة أو لحدوث أنشطة أنزيمية وكيميائية، وهذا يحافظ على ا لمادة الغذائية بشكل أفضل ولمدة زمنية طويلة، كما أنه أقل في تكاليفه من التجميد لأن التجميد يحتاج إلى ثلاجات كبيرة للحفظ، في حين أن المجفف يتم في الجو العادي وبالتالي لاترتفع أسعار المواد المجففة عن المواد الطازجة سوى بمقدار ضئيل.
* وأيهما أنسب لنا في البيئة العربية؟
نحن بطبيعة الحال بيئة مشمسة ودافئة أغلب شهور العام، ومن المفيد علمياً ان تكون طريقة حفظ الأغذية موائمة للطقس المحيط، فإذا كانت درجة الحرارة لدينا 25 درجة مئوية فهذا يعني أننا نحتاج إلى طاقة تبريد تصل إلى )10( درجة مئوية وهذا مكلف، بينما البلاد الباردة بطبيعتها لن تحتاج إلى كل هذه الطاقة على حين نستهلك نحن طاقة كبيرة للغاية لأننا نستخدم من الأساس وسيلة غير ملائمة مما ينعكس على ارتفاع أسعار الخضار المجمدة مثلاً.
* كيفية التجميد:
* لكن جرت العادة ان ربة البيت تفضل الأغذية المجمدة وقلما تعتمد على الحبوب المجففة مثلاً؟
هذا التفضيل أحد السلوكيات الغذائية الخاطئة لدينا.. بدليل ان الغرب نفسه يفضل المواد المجففة لأنها أكثر احتفاظاً بقيمتها الغذائية.. والمسألة أولاً وأخيراً ترتبط بالذوق الاستهلاكي والتعود والرغبة في توفير النفقات.
* وإذا افترضنا ان ربة البيت قامت بنفسها بعملية التجميد توفيراً للنفقات.. كيف تقوم بذلك؟
بداية تختار أجود الأصناف في أوقات الوفرة حتى تقلل نسبة الفقد ثم تغسلها جيداً، وتستخدم في التقطيع سكيناً معقماً )بإمراره على النار مثلا( كما تستخدم عبوات حفظ معقمة ولو عن طريق مائي لعدة دقائق وتراعي ان يكون تقطع الثمار ملائماً ومعتدلا لا رفيعاً ولا سميكاً وبعد ذلك تقوم بعملية السلق لمدة 3 دقائق ثم تقوم بتجميده في الديب فريزر مباشرة حتى تتجمد المواد وبعد ذلك تحتفظ بها في الثلاجة العادية عند درجة التجميد ومن المهم ان تكون العبوة المستخدمة لمرة واحدة فقط، أي ان مسألة فتح العبوة واستخدامها ثم إعادتها إلى الثلاجة من الأخطاء الشائعة التي تفسد المواد المجمدة كذلك لاداعي لأن تنتظر ربة الأسرة حتى تسيل المياه تماماً بل يجب ان تستهلكها أو تطهوها مباشرة وهي مجمدة.
* إذا انتقلنا إلى سلوكيات الطهي.. وأهم عيوب المطبخ العربي؟
العيوب كثيرة مثل الاعتماد على «التسبيك» و «القلي» كوسيلتين لإعداد الطعام وأنصح ربة المنزل أن تتخلى عن هاتين الطريقتين نظراً لأضرارهما الصحية ولنسبة الفقد العالية، أما عن أفضل طريقة طهي حتى الآن فهي «الشوي» الذي يحافظ على أعلى قيمة غذائية سواء للحوم أو الخضراوات، كما انه أطيب مذاقاً، كذلك يمكن الاعتماد على «السلق» بدرجة تالية.
كذلك من عيوب المطبخ العربي الإكثار من الدهون والزيوت وهذا غير صحي، وفي المقابل قلة العناصر الطازجة في الوجبات مثل السلاطة الخضراء والفاكهة، رغم أنها عناصر غنية بالأملاح والفيتامينات والألياف وتحتوي على سكريات غير معقدة ومن المستحب بعد الأكل تناول قطعة جبن أو ملعقتين من الزبادي للمساعدة على إتمام عملية الهضم بدلا من المشروبات الغازية مثل الكولا.
* دائماً نسمع تحذيرات عن عدم شرب الشاي بعد تناول الوجبات مباشرة.. هل هذا له فائدة ما؟
لا أظن ان الشاي يؤثر سلبياً على عملية الهضم إلا إذا كانت هناك أسباب خاصة بشخص ما.. بالعكس الشاي مفيد جداً لتجنب أمراض القلب على ألا يزيد عن ثلاثة أكواب يومياً.
* وفي ظل احتفالات كل أسرة بعيد الفطر المبارك.. ماذا عن اللحوم على المائدة؟
هناك نسبة مقننة من البروتينات يستهلكها الجسم في اليوم الواحد، وأي زيادة عن هذه النسبة لا قيمة لها ويلفظها الجسم.. وفي العادة يحتاج الإنسان من 150 إلى 200 جم تبعاً لنوع الجهد المبذول وطبيعة العمل الذي يؤديه كذلك من المهم لفت الأنظار إلى ان الوجبة الرئيسية لدينا عادة هي الغداء وتأتي بعد الحركة وانتهاء النشاط قبل الحركة والنشاط الرئيسي للإنسان أو على الأقل على الإنسان ان يبذل طاقة ونشاطاً بعد تناول وجبته الأساسية.
وأحذر الأسرة بصفة عامة من تناول اللحوم بإفراط فوق حاجة الجسم وكذلك تجنب اللحوم الحمراء قدر الإمكان واستبدالها باللحوم البيضاء التي تحتوي على نفس البروتينات ولكنها أفضل لأنها غير مركبة وسهلة الهضم ودهونها قليلة، ويستطيع الجسم امتصاصها تماماً بعكس اللحوم الحمراء فهي أقل في الامتصاص بل وتعيق امتصاص بعض المواد الأخرى، لذلك أفضل أنواع البروتينات الحيوانية تتوفر في الأسماك المختلفة ثم في الدجاج والطيور الأخرى.
|
|
|
|
|