| عيد الجزيرة
إن يوم عيد الفطر لدى أمة الإسلام يعني الشيء الكثير، يترقب وقته كل صغير وكبير فهو يوم تسود فيه المحبة وتعلو فيه الابتسامة، يتواصل في أيام العيد حبل الرحم، ويترفع فيه الجميع عن كل ضغينة وسوء خلق.
وهذا العيد يأتي في نهاية شهر صوم بعد مجاهدة النفس رغباتها وملذاتها وإذ بالشارع يجعل لهذه النفوس الصابرة وقتا للفسحة تعبر فيه عن فرحها وسرورها ففي الحديث «يا حنظلة ساعة وساعة» غير أن أفراح أمة الإسلام تحكمها مبادئ رفيعة وضوابط شرعية تراعي حق النفس وحق الغير. ومن هذا المنطلق ينبغي للمرء المسلم في يوم عيده أن يلاحظ أمورا من خلالها يضفي على نفسه وأهله ومجتمعه محبة وإخاء وفرحا وبهجة:
1 إفشاء كلمات التهنئة مع الصغير والكبير من الأقارب وغيرهم كقولك تقبل الله منا ومنك أو مبروك ونحوهما.
فالتحية والكلمة الطيبة تؤثر في القلوب، وتزيل الضغائن، وترفع الوحشة بين المتجافين.
أما إذا اجتمع مع التهنئة هدية تناسب المقام كان الأثر أكبر، وكم هو جميل ما يقدم في أيام العيد من أكلات ومشروبات تعبر عن السعادة والسرور، حين يلتف حولها الصغار والكبار ويتبادلون أحاديث المحبة والاستبشار.. وأحذر أن تجعل الصغير بمنأى عن ذلك لأن هذا يرسم نكتة سوداء في قلب الصغار.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يبدأ بالصغار عند مقدمه من السفر، ويدفع أول ثمرة النخل للصغار وهكذا.
2 كثير من الآباء يحرص كل الحرص على جلب البهجة والسرور لأولاده بتوفير ملبسهم ومشربهم ومأكلهم بل ومركبهم ليوم العيد وهذا أمر حسن ويؤجر عليه الأولياء ما لم يصل إلى البطر والمخيلة، قال تعالى «ولا تصعر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحاً، إن الله لا يحب كل مختال فخور».
ومع هذا يحسن للأب أن يوقظ لدى ولده أواصر العطف والمواساة لأن هناك من لا يجد المطعم، فكيف بالملبس، وهناك الأرملة المحرومة، والفقير المدقع، فيزرع لدى ولده الأخلاق الفاضلة فيواسي ويتصدق ويعطف. ومن مظاهر عيد الفطر مشروعية صدقة الفطر إذ فيها جبر لقلب كل فقير فلا تغفل عن هذه الحكمة في أيام عيدك ففي الحديث «إنما تنصرون بضعفائكم» وأمة الإسلام كالجسد الواحد.
3 من حكم العيد شكر المنعم المتفضل سبحانه وتعالى على إتمام الصيام فلا ينسيك فرح هذا اليوم وبهجته هذا المبدأ فتغلِّب جانب الإسراف والتبذير، والبطر والخيلاء. فكم من غني افتقر وكم من فقير تنعم واغتنى.
ومما يروى في هذا أن أخت أحمد بن طولون صاحب مصر كثيرة السرف في إنفاق المال حتى أنها زوجت بعض بناتها فأنفقت على وليمة عرسها مائة ألف دينار فما مضى إلا قليل حتى شوهدت في سوق من أسواق بغداد وهي تسأل الناس فنعوذ بالله من هذه الحال.
4 للشباب والفتيان إقدام في مثل هذه الأيام قد يقدم على ما يحلو له غير مكترث بما حوله لفرح وسرور يخالج نفسه. فانظر يمنة ويسرة تلاحظ الكثير منهم يخالف الآداب ويجانب الأخلاق، وكثير ما يجني الوالدان نتيجة ذلك فالوالد مسؤول عن ولده «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» فلا يعني الفرح مجاوزة حقوق الآخرين وانتهاك حرماتهم فكم أثرت المفرقعات والمعاكسات، والتفحيط بالسيارات على أهل العقول في هذه الأيام.
5 إن كان لنفسك عليك حق فإن لأهلك ولولدك ولأقاربك عليك حقوق، فبادر بصلة أهليك وأقاربك فكم هو والله جميل أن يتخذ المرء من هذا اليوم نقطة تحول لترميم علاقته بأقاربه وإزالة ما يقد يشوبها من تنافر وتشاحن فيتكون خلال هذا اليوم مجتمع مترابط متكاتف.. فلا خير في مجتمع تعمه الفرقة، ويخيم عليه التنازع وإلا ماذا يعني العيد لمثل هؤلاء؟
6 إن كنت تنعم بين أهلك وولدك بالصحة والعافية وترسم علامات الفرح والسرور عليهم فاعلم أن هناك من يحتاج إلى مثل هذه العناية فلا تغفل عنهم بمد يد العون لهم، وبذل أواصر المحبة لهم إذ هم إخوان لك قربت المسافة أم بعدت. فمن ذكر حال البؤساء والمشردين في المعمورة شكر ما هو فيه من الخير والنعمة واعلم أن التكافل الاجتماعي والمواساة من سمات أهل الإسلام، فقد كان عبدالله بن عمر رضي الله عنه إذا أحب شيئا تصدق به. متأولا قوله تعالى «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون».
وأخيراً إلى من صام شهرا تخللته أنواع من العبادة، من خلالها صفا ذهنه، وتهذبت أخلاقه، لازم هذا النهج تظفر بخيري الدنيا والآخرة. ولا تكن عبادته موسمية فقد قال أحد السلف «بئس من لا يعرف الله إلا في رمضان، واعلم أن اتباع الحسنة الحسنة علامة على قبول العمل وأيا منا لا يريد أن يقبل عمله؟!! فقد قال فضالة بن عبيد «لئن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها».
ولا تكن ممن يفرح بالأيام تغدو وتروح فقد قيل إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل اللهم أدم علينا نعمة الإسلام والإيمان، وتقبل منا ومن جميع المسلمين صالح الأعمال.
* مدير المعهد العلمي بمحافظة البكيري
|
|
|
|
|