| الاقتصادية
* القاهرة مكتب الجزيرة محمد العجمي:
تشهد الدوائر والأوساط الاقتصادية نقاشا حادا حول التعديل الوزاري الجديد الذي أعلنه الرئيس محمد حسني مبارك بإلغاء وزارة الاقتصاد وقصرها على إدارة قطاع التجارة الخارجية ، ويدور الجدل حول التعديل وأسبابه وما يمكن أن ينتج عن تطبيقه من إنجازات تسعى الحكومة لتحقيقها من جراء هذا الإلغاء ، ، «الجزيرة» في هذا النقاش تثور تساؤلات حول قدرة هذا الفصل على تحسين كفاءة الصادرات وزيادة عوائدها، ودور البنك المركزي لهذا التطور وحجم الاستقلالية التي سيتمتع بعد أن أصبح مسؤولا عن إدارة السياسة النقدية بعيدا عن التدخل التقليدي لوزير الاقتصاد، وتبعية الهيئات والإدارات التي كان يشرف على إدارتها وزير الاقتصاد، وأخيرا العلاقة بين هذا التعديل وما يثار حول تحديث النظام الحكومي لرفع كفاءته ،
شمل التعديل الوزاري الأخير إلغاء وزارة الاقتصاد ، ، فما هي دلالات هذا التعديل؟
قبل أن نبدأ، بدأت وزارة الاقتصاد في عام 1950م تولها الدكتور محمد الوكيل تحت مسمى وزارة الاقتصاد الوطني ثم تولى الدكتور عبدالجليل العمري من 1952 إلى 1954م ليصبح اسمها وزارة المالية والاقتصاد ومن 1994 إلى 1964 تولى الوزارة الدكتور عبدالمنعم القيسوني تحت مسمى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لأول مرة ثم تظهر تسمية أخرى في عهد الدكتور محمد زكي شافعي تحت مسمى وزارة الاقتصاد والتعاون الدولي ، وفي عام 1981م عادت إلى اسم وزارة الاقتصاد مع الدكتور سليمان نور الدين، ويمر عليها «6» وزارات من 1981 م حتى عام 1996م ليتم تغير الاسم إلى وزارة الاقتصاد والتعاون الدولي عام 1996م في عهد الدكتورة نوال التطاوي وأخيراً وزارة الاقتصاد مع الدكتور يوسف بطرس غالي من عام 1997م حتى الآن تحت مسمى وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية وذلك من بداية عام 1999م ليتم إلغاء وزارة الاقتصاد ويتولى الدكتور يوسف بطرس غالي بقرار من رئيس الجمهورية بتولي وزارة التجارة الخارجية، وبهذا يعد الدكتور غالي الوزير رقم 22 الذي تربع على عرش وزارة الاقتصاد والوزير الأول للتجارة الخارجية ،
فهل جاء قرار إلغاء وزارة الاقتصاد نتيجة لما أصاب المناخ الاقتصادي المصري من تشوهات حيث تشير إحصاءات الحكومة المصرية أن هناك عجزاً في الميزان التجاري بلغ 16 مليارا و 526 مليون جنيه خلال النصف الأول من عام 2001 مقابل 15 مليارا و 400 مليون جنيه في نفس الفترة من العام الماضي، كما انخفض الاحتياطي النقدي إلى 3 ،14 مليار دولار في أبريل الماضي مقابل 4 ،14 مليار دولار في أواخر عام 2000، ونحو 15 مليار دولار في أبريل عام 2000م، وأصبح الاحتياطي النقدي لا يغطي سوى قيمة واردات عشرة شهور فقط ، أما السوق المصرفي فقد شهد ارتباكاً شديداً انخفض الجنيه المصري بصورة مستمرة أمام العملات العربية والعالمية، ففي عام 1999م كان الدولار يعادل 341 قرشاً وسجل 365 قرشا عام 2000 وارتفع إلى 387 قرشا في مايو الماضي ، وقفز فجأة إلى 427 قرشاً قبل أن يتدخل البنك المركزي وسعر تحكميا للدولار يتراوح بين 404 قروش و 437 قرشا ، كما انخفض الجنيه المصري أمام الريال السعودي ليصل الريال السعودية حوالي 112 قرشا في سبتمبر الماضي مقابل 89 قرشا عام 1999 ، ولم يختلف الحال كثير في سوق الأوراق المالية فقد انخفضت قيمة الأوراق المتداولة من 10 مليارات و 407 ملايين جنيه خلال النصف الأول من العام الحالي مقابل 26 مليارا و 704 ملايين جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي بانخفاض نسبة 160%،كما انخفضت قيمة إصدارات الأسهم بمقدار 3 ،72%، وانخفضت نسبة إصدارات أسهم تأسيس شركات جديدة إلى 9 ،3% ، وتكشف بيانات الموازنة العامة لمصر عن عجز الموازنة العامة بنسبة 8 ،4% عام 99 2000 ،
وبلغ العجز خلال الشهور الأولى من العام الحالي مليارا و 128 مليون جنيه في حين بلغ في الثلاثة أشهر الأخيرة من العام الماضي نحو 630 مليون جنيه ،
وتشير بيانات مصلحة الشركات أن عدد شركات الأشخاص انخفض إلى 9236 شركة خلال النصف الأول من العام الحالي مقابل 11 ألف و 80 شركة في نفس الفترة من العام الماضي، وانخفض رأس المال المصدر لنفس الشركات من 318 مليون جنيه إلى 2 ،255 مليون جنيه وانخفض عدد شركات الأموال إلى 1920 شركة خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الحالي مقابل 2345 شركة في نفس الفترة من العام الماضي ،
تعثر الخصخصة
أكدت تقارير الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة انخفاض قيمة المشروعات الأجنبية الجديدة إلى مليار و 906 ملايين جنيه مقابل 3 مليارات 910 ملايين جنيه لعام 1999م بانخفاض نسبته 200% وانخفض المساهمات الأجنبية في مشروعات مصلحة الشركات إلى 169 مليون جنيه مقابل 538 مليون جنيه عام 1999م بنسبة انخفاض 350% ،
أما تقارير وزارة الاقتصاد فتؤكد أن الديون بلغت 380 مليار جنيه منها 107 مليارات جنيه ديون خارجية، و373 مليارا ديون داخلية ويصل نصيب الفرد من هذه الديون نحو 590 جنيها، وبهذا تخطت الديون الناتج المحلي والإجمالي لعام 2001 بمقدار 68 مليار جنيه ،
وتعثرت عملية الخصخصة تماما بعد أحداث 11 سبتمبر الماضي ولم يتم سوى خصخصة 8 شركات فقط في النصف الأول من العام الحالي مقابل 25 شركة عام 2000، و 31 شركة عام 1999م، ويشهد السوق المصري ارتفاع معدلات حالات الإفلاس «البروتستو» فقد بلغت عام 1999م نحو 1462 ألفا و562 حكماً في حين كانت 30 ألفا و 147 حكما فقط عام 1998 ووصلت 480 ألف حالة عام 2000 ووصل حجم أصول أموال الإفلاس «البروتستو» نحو مليار و 600 مليون جنيه في عام 1999م مقابل 895 جنيها عام 19998 ، أما السياحة فقد انخفض عدد السياح الوافدين إلى ألفين و144 سائحا فقط خلال النصف الأول من العام الحالي مقابل 4 آلاف و997 سائحا خلال نفس الفترة من عام 1999 ،
فماذا عن مصير القطاعات والإدارات التابعة لوزارة الاقتصاد؟
قال الدكتور عاطف عبيد رئيس الحكومة المصرية أن شركات التأمين البنوك ستخضع للبنك المركزي ، ، أما هيئة سوق المال ومصلحة الشركات فسيكون مسؤول عنهما رئيس هيئة الاستثمار أما وزارة التجارة الخارجية ستكون مسؤولة عن إدارة الصادرات والواردات ،
وبهذا ستكون الوزارة الجديدة مسؤولة عن قطاعات نقطة التجارة الدولية ومركز تنمية الصادرات المصرية، وجهاز مكافحة الدعم والإغراق، والتمثيل التجاري وهيئة المعارض الدولية، والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات ،
فتح الأسواق
إذا كانت وزارة التجارة سيكون هدفها التخفيض المستمر لحجم الواردات فهل تنجح في تحقيق ذلك وماذا يقول رجال الأعمال عن الوزارة الجديدة وخاصة أن هناك ارتياحا في الشارع المصري من التغيرات الجديدة؟ ،
اتفق رجال الأعمال على أن الوزارة الجديدة سيكون لها دور في المحافظة على توازن الميزان التجاري وتفعيل دور الاتفاقيات الثنائية لصالح الصناعات الوطنية ،
أكد الدكتور عبدالمنعم سعودي رئيس اتحاد الصناعات المصرية أن إنشاء الوزارة الجديدة سيساعد على فتح المزيد من الأسواق أمام المنتجات المصرية لزيادة الصادرات مما سيكون لها دور في المحافظة على توازن الميزان التجاري مما يكون لها دور في تفعيل دور الاتفاقيات الثنائية لصالح الصناعة الوطنية ،وطالب بأن يكون للوزارة آلية لتيسير عمليات التصدير، وإعفاء جميع الصادرات من الرسوم والضرائب وأن يعود الدروباك بنسبة 100% وليس 60% مع ضرورة تيسير الإجراءات التي تعوق زيادة الصادرات ،
وقال محمد المنوفي رئيس جمعية مستثمري السادس من أكتوبر، وعضو المجلس السلعي للصناعات الهندسية إن قرار تخصيص وزارة للتجارة الخارجية من أهم القرارات التي اتخذت خلال الفترة الأخيرة للحاجة إلى وزارة تهتم بدعم التصدير، وانعاش العمليات التصديرية خلال الفترة القادمة نتيجة التخصص وتفعيلها للآليات الموجودة واستخدام آليات أخرى ،
القطاع الحائر
على الجانب الآخر نجد رفضا من خبراء الاقتصاد للإلغاء، فالباحث الاقتصادي الدكتور عبدالخالق فاروق يرى أنه ليس بإلغاء وزارة الاقتصاد يتم دفع الصادرات، موضحا أن قطاع التجارة الخارجية هو القطاع الحائر بين الوزارات التخطيط والتموين وأخيرا وزارة الاقتصاد، وهذا القطاع له هيكل مالي وإداري ووظيفي منفصل، ويعتبر وزارة داخل الوزارة، ومع ذلك لم ينجح القطاع في زيادة الصادرات، ونجد أن لدول جنوب شرق آسيا تجربة في زيادة الصادرات تعتمد على التوجه العام للدولة شاملة القطاعين العام والخاص، أما في مصر فرغم القطاع الخاص له مميزات مالية، ومصرفية، واعفاءات من الضرائب فهو قطاع يعيش على الاعتماد على التمويل من خلال الجهاز المصرفي، ومعظمه إنتاج للاستهلاك المحلي وبأسعار مرتفعة، أما القطاع الأعمال العام الذي شهد طاقة إنتاجية في بدايته إلا أنه يشهد حالياً تدهورا ،
أما عن البنك المركزي فيقول الباحث الاقتصادي إن تابعيته لوزارة الاقتصاد أضعف من كفاءة البنك المركزي مما عانى الجهاز المصرفي من الفوضى وخاصة أن هناك منحا أعطيت لرجال الأعمال بدون ضمان وأخذ بعض موظفي الائتمان بالبنوك لعملات كبيرة مما جعل البنك المركزي المصري غير قادر على حصر الفوضى وهناك أضعاف ما ينشر في الصحف يتم احتواؤه داخل البنوك،
وتم فصل عدد كبير من الموظفين حرصا على سمعة البنك، لهذا لا بد أن يتمتع البنك المركزي بالاستقلالية مثل البنك الفيدرالي الأمريكي لدفع الاقتصاد للتقدم ،
قال الدكتور عبدالخالق إن أي نظام مالي ونقدي يحتاج إلى بنك مركزي قوي يمارس سلطاته الرقابية وتكون له الاستقلالية ،
وإذا كانت لإلغاء وزارة الاقتصاد إيجابيات وهي إعطاء فرصة حقيقية لاستقلالية البنك المركزي فإن الجهاز الحكومي في حاجة إلى تعديل فهناك وزارات يجب أن تختفي وتظهر وزارات أخرى ،
الشخصية الاعتبارية
الدكتور عادل بشاي أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية أكد أن البنوك المركزية في العالم تتمتع بالاستقلالية وأنها القوة الدافعة للنمو الاقتصادي وقوته وهو بمثابة الشخصية الاعتبارية للجهاز المصرفي، وأشار إلى ضرورة أن يضم هذا البنك أفضل الخبراء في البلاد ،
يستشف الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد السابق أن ما تم التفكير فيه هو إعادة توزيع الاختصاصات فيما يتعلق بالقطاعات الاقتصادية التي تكون مسؤولة عن السياسة النقدية، والمالية نحو السياسة الاقتصادية والتجارة الخارجية، والقطاع العام، والتعاون الدولي، والاستثمار والتخطيط وهي تتحرك فيما بينها بحيث تنتقل مسؤولية الإشراف عليه من وزير إلى آخر تبعاً للسياسة الحكومية ،
سلطة مركزية
قال وزير الاقتصاد السابق إن استقلالية البنك المركزي اتجاه يتمشى مع التطورات العالمية حيث تحرص الدول حاليا على أن يكون البنك المركزي هو السلطة النقدية الوحيدة المعنية بإدارة السياسات النقدية دون تدخل من الحكومات أو السلطات الاقتصادية الأخرى ، ، وقد ضرب الاتحاد الأوروبي أعظم مثل في ذلك بعد أن أصبحت سياسات أسعار الصرف وكمية النقود المعروضة تحددها سلطة مركزية واحدة وذلك لنحو 15 دولة تلتزم جميعا بهذه السياسات ،
موضحا أن السياسة النقدية من أكثر السياسات الاقتصادية حساسية وتأثيرا في كل القطاعات الاقتصادية، وفي مصر كانت السيطرة على هذه السياسات محل جدل وشد وجذب دائمين في الوزارات المتعاقبة حيث كان وزير الاقتصاد باعتباره المسؤول السياسي عن أداء السياسة الاقتصادية يصر على التدخل في وضع وتنفيذ هذه السياسة،
بينما كان البنك المركزي الذي يملك بالفعل أدوات تنفيذ السياسة النقدية، مما قد يكون هذا الفصل حلاً للخلاف المزمن في الفكر الاقتصادي المصري، وأن يتم رفع تبعية البنك المركزي من وزارة الاقتصاد إلى رئاسة الجمهورية أو رئيس الوزراء ،
|
|
|
|
|