أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 19th December,2001 العدد:10674الطبعةالاولـي الاربعاء 4 ,شوال 1422

مقـالات

رؤى وآفاق
عيد يزاحم الأحداث
د. عبدالعزيز الفيصل
لو كانت أعيادنا دنيوية لما احتفلنا بعيد في غمرة الأحداث التي تكتنف عالمنا العربي والإسلامي، فالمسلمون في الدرجة الدنيا، وأعداؤهم يَسْتَعْلُون عليهم في كل أمر دنيوي، لقد أستهين بالمسلم فهو لا يستشار في أمره، واستهين بالعربي فأخذت أرضه، وسكت العالم، فسد أذنيه، وأغمض عينيه عن أرضنا المحتلة في فلسطين والجولان، فوقف في صف الظالم وتناسى أمر المظلوم.
إن الأحداث التي تجري في العالم الإسلامي تبعد المسلم عن بهجة العيد، فكيف يرتاح المسلم والفضائيات لا تنقل إلا أشلاء المسلمين، مقتولين، أو مأسورين، أو مسجونين، وكيف يرتاح المسلم والمسجد الأقصى تحت وطأة يهود، إن وضع العالم الإسلامي ليدمي القلب، ويُدمعُ العين، فكل الطرق تؤدي إلى نهايات مظلمة، لقد طلبنا السلام فلم يستجب لنا، وحاربنا فلم نحصل على طائل، فلماذا لا نعود إلى أنفسنا، ونعالج أمورنا من الداخل؟ لماذا لا نلتفت إلى التعاون الاقتصادي، بل التعاون في جميع أمورنا التي تؤدي إلى قوتنا أمام عدونا، إن البناء الداخلي والترابط الأخوي، والتقارب الثقافي، تلك الأمور مجتمعة وغيرها من وسائل التقارب هي ما ينشده العربي والمسلم، ان بلادنا العربية غنية بمواردها المائية والزراعية والتعدينية، بل غنية بالمهارات الطبية والصناعية والفنية فأين الاستغلال لتلك الموارد الطبيعية؟ وأين الاستغلال للطاقات البشرية؟ إننا نلوم الأعداء، فلماذا لا نلوم أنفسنا؟ لقد خطط الأعداء فبنوا بلادهم وأقاموا الصناعات، وتراخينا في بناء أنفسنا من الداخل، أين أثر الجامعة العربية التي قامت من أجل التقارب العربي في الأمور السياسية، والاقتصادية، والثقافية؟ انها اجتماعات تتلوها اجتماعات، والنتيجة لا شيء.
العيد يوم فرح، وساعة بهجة، وموقف أنس، فمن أين للمسلم والعربي الحصول على الفرح، والبهجة، والأنس، والأحداث تحيط به، والأجواء المكفهرة تخيم على بلاده؟ لو كان العيد عيداً دنيوياً يختاره العرب ليعبروا فيه عن سرورهم لما وقفوا وقفة واحدة للتعبير عن الفرح، ولكن العيد عيد إسلامي، فهو جزء من عقيدة المسلم في العبادات، لقد أظهر المسلمون السرور في يوم العيد على الرغم مما يحيط بهم من الأحداث، فلو تتبعنا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في السنوات العشر التي قضاها في المدينة لوجدنا انها سنوات جهاد، فالمسلمون بين دفاع عن المدينة كما حصل في غزوة الأحزاب أو تهيئة لغزوة كما في غزوة خيبر، وغزوة تبوك، وفتح مكة، وغزوة حنين، وغيرها، ومع تلك الحروب المنتظمة كان المسلمون يحتفلون بالعيد، لأن الاحتفال به جزء من الشريعة الإسلامية، فنحن نحتفل بالعيد من منطلق إسلامي، إن يوم العيد تنتظمه عبادات لله، فبعد صلاة الفجر يخرج المسلم زكاة الفطر لئلا يبقى بيت مسلم بدون طعام ليوم العيد، فلا يمكن ان يفرح إنسان وهو جائع، ولذلك جاء التكافل الإسلامي بإخراج زكاة الفطر في أول ساعة من ساعات يوم العيد ليجد كل بيت طعاما لساكنيه، فيخرج المسلمون في يوم عيدهم وهم ملأى البطون، ليس فيهم جائع، إن زكاة الفطر تحمل أسمى آيات التكافل الاجتماعي. وإذا كنا في المملكة العربية السعودية في وقتنا الحاضر ننعم بالعيش الرغيد، فإن البلاد قد مرت في تاريخها القريب بسنوات فقر وعوز، مما أرغم كثيراً من الأسر على التواري بسبب قلة ما في اليد، في ذلك الزمان كان لزكاة الفطر وقعها في النفوس، أما في وقتنا الحاضر فإن كثيراً من البلاد الإسلامية بحاجة إلى زكاة الفطر وغيرها مما يدل دلالة واضحة على مكانة زكاة الفطر في وسط الفقراء من المسلمين.
وبعد إخراج زكاة الفطر ينتظم المسلم في عبادة أخرى وهي صلاة العيد، والاستماع إلى الخطبة فيجتمع المسلمون في المساجد كبيرهم وصغيرهم، وقد لبسوا الجديد وتزينوا ليوم عيدهم، فيؤدون الصلاة، ويكبرون ويهللون، فبدء يوم العيد بالصلاة دلالة واضحة على ان العيد عيد إسلامي يتعبد به المسلم لربه ويشكره على اتمام صوم رمضان، فقد صلى المسلم ما فرض عليه، وتزود فيه بالصلاة وقراءة القرآن، وها هو يستقبل يوم الفطر بالصلاة والدعاء وطلب العفو من الله، بل يلتمس الطرق التي تؤدي إلى مرضاة الله، بعد ان أدى المسلم فريضة الصوم، وبعد أداء صلاة العيد تجتمع الأسر في ترابط وإخاء، فصلة الرحم حث عليها ديننا الإسلامي، فالمسلمون في يوم العيد يجددون العلاقة مع أقاربهم، وجيرانهم، فهم في سلام وتقارب، فالصغير يسلم على الكبير، والكبير يعطف على الصغير، والمسلم يبادر بالسلام على أخيه المسلم، إن مظاهر الفرح في يوم العيد تنبع من قناعة المسلم بتعاليم دينه، لا انه يفرح لأسباب تدفعه إلى الفرح.
إن عيدنا اليوم يزاحم الأحداث التي تحيط بعالمنا العربي والإسلامي، فيتيح للمسلم ساعة فرح في أيام يكتنفها الترح، ويخيم عليها ظلال الظلم من الدول التي أمسكت بزمام القوة الدنيوية، مع كل ما يحيط بنا فنحن أمة تفرح في أحلك أيامها، فهي لا تعرف الحزن في يوم أراد الله لها ان تفرح فيه.

أعلـىالصفحةرجوع












[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved