لقد سعدت وأنا استمع إلى حديث صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل إلى رجال التربية والتعليم في منطقة عسير حينما كان يوجههم إلى أهمية الالتزام باللغة العربية واستخدامها في المدارس بين المعلمين والطلاب تحدثا وكتابة.
ولقد علمت بأن سموه قد وجه إلى تعميم التجربة في جميع المدارس، خصوصا بعد نجاح التجربة في إحدى مدارس المنطقة والتي وجدت متابعة ورعاية من مشرفي اللغة العربية بإدارة تعليم عسير لتقييم التجربة ودفعها إلى النجاح والاستمرار حتى يتم تعميمها على مدارس منطقة عسير.
وحقيقة أنا أثمن لسموه الكريم اهتمامه باللغة العربية والذي ينبع من إيمانه بأن الحفاظ على اللغة العربية هو الحفاظ على الأصالة والتراث.ولقد تذكرت جملة أوجزها العقاد وهو يتحدث عن سحر اللغة العربية وجاذبيتها عندما قال «إنها اللغة الشاعرة» وكم هو معنى جميل عن لغة رائعة، غير أنني لا أخفيكم سرا أنني بين الفينة والأخرى أطرق متأملا حال هذه اللغة الشاعرة مع الأجيال الحاضرة وأسأل نفسي وأنا أرى هذا الجحود والنكران من أبناء لغة الضاد للغتهم فأقول: ما فائدة أن ندْرس وندرّس قواعد اللغة العربية والنحو والصرف في مدارسنا ما دام أنها لا تتشكل في وجدان تلاميذنا ولا تنطلق بها ألسنتهم وهي لغة قرآنهم الكريم؟!
وأحياناً أتساءل عن لجوء الكثيرين من بعض الأكاديميين والمثقفين ليس هنا فقط ولكن في كل البلاد العربية ويبدو لنا هذا من خلال البرامج التلفزيونية إلى إقحام الكلمات الأجنبية بدلا من المفردات العربية وكأن اللغة العربية «عاجزة» عن إيراد لفظ يناسب ما يودون التعبير عنه.وكما تعلمون بأنه في فترات الاستعمار لبعض البلدان العربية حاول المستعمرون فرض لغاتهم الأجنبية على أبناء الوطن المستعمر بهدف محو حضارة تلك البلدان والمستعمرون يدركون جيدا أن السيطرة على البلد المحتل تبدأ بمحو اللغة الأم لأنها الرابطة الوثيقة بين أبنائه ولا يخفى عليكم ما حدث لبعض البلدان المغاربية والتي ما زال أكثر أبنائها يعانون من غربة اللغة الأصلية وضياعها بين لغات المستعمر على ألسنة أبناء لغة الضاد.
ولغتنا العربية لغة عزيزة علينا فيها نزل القرآن الكريم وبها كتب تراثنا العربي بمختلف فنون الأدب من شعر ونثر وقصة ومختلف العلوم واللغة العربية لا تشكو نكران أبنائها لها من قريب، فلقد ارتفعت شكواها على لسان أحد أبنائها الأوفياء عندما قال الشاعر حافظ ابراهيم بلسانها:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
وسعت كتاب اللّه لفظاً وغاية
وما ضقت عن آي به وعظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتنسيق أسماء لمخترعات
واليوم نسمع دعوات من هنا وهناك إلى الأخذ «باللهجات المحلية» بديلة عن اللغة والبعض جند وسائله لخدمة دعاويه مثل القنوات الفضائية التي تصر على تبني تصدير لهجات أوطانها.
«وسعيد عقل» لم يعد الحالة الوحيدة العربية الذي يسعى إلى تبني اللهجة «المحكية» وهو صاحب ديوان «يادا» الصادر سنة 1961م والمكتوب باللهجة اللبنانية، فلقد تعددت هذه الحالة المرضية وأصبح هناك أكثر من سعيد عقل في بلادنا العربية يدعو إلى الأخذ باللهجات، ولكم أن تتخيلوا لو أن كل وطن عربي أخذ يدعو إلى الأخذ بلهجته المحلية وأصبحت هي لغة الكتابة والمدارس والتأليف والنشر يا ترى كم قاموساً نحتاج إليه لنستعين على فك معان لكلمات من لهجات كل بلد؟!
إن اللغة العربية تسهم في وحدة الفكر والرأي وتحفظ للأمة تراثها ليس في البلد الواحد ولكن بين أبناء الأمة كلها في جميع الأوطان وإذا كان الفرنسيون يعتزون بلغتهم ولا يقبلون الحديث بغيرها فنحن أولى منهم في الالتزام بلغتنا العربية.وأنا أذكر في هذه اللحظة جملة «لهاردر» أحد المفكرين الألمان عندما قال: إن اللغة للأمة بمنزلة الوعاء الذي تتشكل به وتحفظ فيه وتتنقل بواسطته أفكار الشعب.
ولغتنا العربية فيها جمال لا يضاهيه جمال أي لغة وفاروق شوشة الشاعر المصري المعروف يعجبني حينما يستعرض جمال اللغة العربية في مجلة العربي عبر صفحته المعروفة «جمال العربية» فيبرز لنا روعتها ومحاسنها وجمالها
وسأدع باقي حديثي لمقالة قادمة حتى لا أطيل ولكن تذكروا أنه كلما بقيت الفصحى على ألسنتنا بقيت لنا فضائل كثيرة وأنا لا أخشى ضياع اللغة لأن الله قد كفل حفظها ولكن أخشى ذوبانها في زمن العولمة الثقافية على ألسنتنا حتى تضيع وتغلب علينا لهجاتنا.