| متابعة
* بقلم نيك ألين كابول د.ب.أ:
بينما كان يفرد ساعديه ويضغط وجهه ليقبل أرض أفغانستان بلاده، كان عبدالصمد ينشج بالبهجة والحزن اثر عودته بعد أكثر من عقدين في المنفي في ألمانيا.
وقال بعد أن هبط بين أنقاض قاعدة باجرام الجوية شمال كابول «لقد قتل نصف مليون أفغاني على هذه الارض خلال 22 عاما من القتال، وفر سبعة ملايين إلى الخارج وهناك مليون لاجئ داخل البلاد، لقد شعرت بأن قلبي على وشك أن ينفجر».
وفي اليوم التالي سوف يسافر عبدالصمد «44 عاما» إلى واصل أباد، مسقط رأسه التي تقع على ضواحي العاصمة، وواصل هي مدينة أكواخ بها منازل متداعية من الطوب اللبن وشوارع طينية ضيقة وأشجار صغيرة تقبع بين الصخور، وفي الحال يتجمع الاقارب والاصدقاء حول الزوار المفاجئين، غير مصدقين ما تراه أعينهم، وقال عمه علي عبد العلي «85 عاما» والدموع تنسكب من عينيه بينما يقبل ابن أخته وجهه المجعد ولحيته الطويلة الرمادية «ولكنا كنا نعرف أننا سنراه ثانية إذا ما شاء الله»، غير أن نساء الاسرة كن قابعات في الغرف الخلفية من المنزل في غمرة عمليات لم الشمل، حيث كن فقط يغامرن بإلقاء نظرة بعد لبس الحجاب.
وفي تلك المناسبات النادرة ما زالت المشاعر تتصارع داخل النفس، فكل شيء تقريبا عرفه عبدالصمد في حياته السابقة قد تدهور أو تم محوه تماما بسبب الحروب الاهلية التي لم تعرف الهوادة، والعديد من دائرة أصدقائه ومعارفه سقطوا ضحايا الغزو السوفيتي بين عامي 1979 1989 أو في وقت لاحق في الاقتتال الطائفي للمجاهدين وحكم طالبان، ومناطق كاملة من كابول كان يتردد عليها في شبابه أصبحت مدمرة تماما بفعل الضربات الصاروخية المتبادلة بين أمراء الحروب في أوائل التسعينيات. والآن تشق مقاتلات بي 25 الاجواء الافغانية كعامل يذكره بأن السلام في أفغانستان لم يصبح مكتملا.
وفي زيارته لمنزل إحدى عماته يقابله الموت، فقد ماتت ابنتها البالغة من العمر 16 عاما في اليوم السابق بعد أن أصيبت بصداع وحمى، وليس هناك أدوية لعلاج الامراض البسيطة التي يمكن علاجها في الاحوال الطبيعية.
من ناحية أخرى يمكنك أن ترى طبيب القرية وهو يرعى الاغنام، فهو الآن مضطر للعمل كراعي أغنام لكي يكسب معاشه.
ويتوقف المزيد من الزائرين بمن فيهم عم عبدالصمد، الحاج أحمد عاصف «78 عاما»، الذي يقدم على أنه «سائق سابق بالسفارة الروسية وأفضل من يتكلم عن شؤون الاستخبارات السوفيتية السابقة المعروفة باسم الكي.جي.بي»، أما قضية المنفي العائد فهي أيضا قصة مثيرة للاهتمام، وقد تم استكمال أجزائها عندما بدأ حوالي العشرين من أفراد الاسرة والمهنئين بالعودة في نبش الذكريات القديمة. فبعد أن تدرب لمدة ست سنوات على أعمال الطباعة في هامبورج ومناطق أخرى في غرب ألمانيا، عاد عبدالصمد إلى أفغانستان عن طريق إريان بعد الغزو السوفيتي وانضم إلى حركة سرية يشارك في قيادتها عمه. وفي الشهور التي أعقبت ذلك قام سرا بترجمة الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة وكتب مقالات حول بناء الديموقراطية. ولكن على الرغم من اتخاذه كافة الاحتياطات، فإن وصوله من الغرب الرأسمالي أثار شكوك الروس وحفزهم على اعتقاله وسجنه.
وأخيرا قرب نهاية عام 1979 استمع إلى نداءات أسرته بأن ينقذ نفسه ويهرب عن طريق باكستان عائدا إلى ألمانيا، ومات عدد من أصدقائه في وقت لاحق أثناء الاستجواب على يد الكي.جي.بي. بحثا عنه. والآن يعتقد عبدالصمد أن لديه الفرصة لاستخدام مهاراته كسياسي وصحفي في المهمة الصعبة لإعادة بناء بلاده، ولكن الاولويات يجب ترتيبها أولا، ويقول عبدالصمد بصوت مرتعش «عليّ أن أعود إلى ألمانيا لأناقش مع زوجتي وأولادي فكرة البقاء هنا لمدة ثلاث سنوات، بعد ذلك على أن أعود وأبدأ في بناء منزلي وقريتي» وأضاف «هذه هي أهم مرحلة في حياتي».
|
|
|
|
|