| مقـالات
الاختلاف في بعض أحوال الجن:
قال أبو عبد الرحمن: رأيت في كتب النصارى وشروحهم التسليم بالصرع، وذِكْرَ نماذج من حالاته شُفيت على يد عيسى عليه السلام.. والمسلمون أيضاًَ يَأثِرون ذلك .. أما القصيمي في كتابيه فرعون يكتب سفر الخروج، والإنسان يعصي: فقد نصب من نفسه محامياً للشيطان، ونعوذ باللّه من الخذلان .. وديوان الزهاوي ثورة في الجحيم من العبث الطفولي بحقائق الدين، ومذهب أبي محمد ابن حزم رحمه اللّه: أنه لا يُرى إلا الألوان، وأن ما لا لون له لا يُرى .. ومذهبه أيضاً أن النار عنصر لا لون له .. والجن خلقوا من نار لقوله تعالى: «واَلْجانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ» سورة الحجر/27 .. وأيّد العلمُ الحديثُ أبا محمد في قوله بأن النار لا لون لها، وعلل عدم لَمْسِنا لهم بأنهم أجسام رقاق صافية هوائية.
قال أبو عبد الرحمن: أفضل ما نقوله: إن حسنا البشريَّ ليس هو معيارَ الوجود، وإنما هو معيار ما نحسه فقط .. ونحن البشر الضعاف لا نحس إلا ما أذن اللّه لنا بإحساسه بتدبيره الكوني، ولا نعلم إلا ظاهراً من الحياة الدنيا بالنسبة لما نشاهده .. أما ما لم يأذن اللّه لنا بمشاهدته من عالم الغيب: فهو أوسع، والحس أبعد وأبعد أن يكون معياراً لوجوده .. وكل كلام أبي محمد عن الجن والشياطين نفيس إلا أنه أفسد علينا المتعةَ بدررِه الغالية عندما أنكر تلبس الجن والشياطين على سبيل مداخلتهم، فقال عفا اللّه عنه: وأما الصرعُ فإن اللّه عزل وجل قال: «الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِن المَسِّ» سورة البقرة 275، فذكر عز وجل أن تأثير الشيطان على المصروع إنما هو المماسة، فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئاً .. واعتبر أبو محمد ما قيل من الملابسة خرافات من توليد العزامين والكذابين، وتطرق إلى حديث جريان الشيطان من ابن آدم جريان الدم، فجنح إلى تأويله بالمجاز، واستأنس بقول الشاعر:
وقد كنت أجري في حشاهُنَّ حرةً
كجري معين الماء في قصب الآسِ |
بل وجدتُ عند غير أبي محمد ما يغيظ كل مسلم، وهو ما جاء في حاشية عصام على الأنوار إذ قال: كونُ المصروعِ ممسوسَ الشيطان باطلٌ، بل هو مرض» .. ومثل قول الكفوي: «وحديث الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم تمثيل وتصوير» «1».. أما أبو الحسن الأشعري رحمه الله فقد نُقل عنه أن مذهب أهل السنة والجماعة أن الجن تدخل في بدن المصروع .. وذكر عضد الدين الإيجي: «أن الجن تقدر على أن تلج في بواطن الحيوانات، وتنفذ في منافذها الضيقة نفوذ الهواء المستنشق».
قال أبو عبد الرحمن: الذي أحققه في هذا المجال عدة أمور:
أولها: أن ظاهر النصوص التي استدل بها أبو محمد من تخبط الشيطان ومسه وجريانه أعمُّْ مما قيده بن أبو محمد، فحقيقة الأمر أن أبا محمد هاهنا في مجال التأويل، وليس في مجال الأخذ بالظاهر .. وما دمنا لا نحقق كيفية تصرف الشيطان والجن في ابن آدم بمختبر علمي نملك به اليقين: فالمنهج أن نبقي نصوص الشرع على عمومها، ولا نؤولها بالدعوى.
وثاني تلك الأمور: أن مداخلة الجن لبني آدم في حالات الصرع تجربة حسية، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللّه أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه ينفث على المصروع، ويخرج الجني من جسده بإذن اللّه .. ولابن تيمية نفسه تجارب في هذا المجال، وبعض المصروعين في حالات الصحو يذكر حالات الملاطفة، وأنه يرى الجني كالدخان أو في صورة شبح، ويصرخ إذا رآه مقبلاً .. والتجربة البشرية هنا تنفي تأويل أبي محمد، وتوافق مدلول جريان الشيطان من ابن آدم مجرى الدم .. وقد عرف البشر بتجربتهم أن الجني يتكلم أحياناً على لسان المصروع بلغة ونبرة لا تُعرف عن المصروع قبلاً، ولا يقدر عليها.
وثالث تلك الأمور: أن من نفى صرع الجن من الأطباء فلا حجة له إلا عدم العلم، ولن تجد من حجته العلم بالعدم أبداً .. ولسنا ننكر أن عدداً من الأمراض النفسية لا علاقة لها بصرع الجن، وإنما ننكر الادعاء بأن تلك الأمراضَ العصبية ليس فيها شيء من صرع الجن، لأن هذا تكذيب للتجربة البشرية التي لا تزال ماثلة، وتكذيب لما صح به النص من رقية المصروع، وتكذيب لما شُرع لنا من أوراد تعصم من كيد الشياطين ومسهم .. كما أن الأطباء لم يشفوا مجنوناً واحداً أو مصروعاً بالأسباب التي يستشفى بها من العلل العصبية بإذن اللّه، بل بعكس ذلك شفى اللّه مصروعين ومجانين بالرقى الشرعية على أيدي الصلحاء من العلماء والزهاد .. وبعد: فإن الجن في وجودهم وكيفيتهم وآثارهم حقيقة ثابتة بالنص الصحيح الصادق، وبالاستنباط الحسي والعقلي، وبتخلف البرهان المعارض .. وإنكار ذلك تصميم على عدم العلم، وليس علماً بالعدم.
وبعض الأدباء تناولوا قضية الشيطان تناولاً لا شبه فيه، بل كان ذلك عن حس ديني يشكرون عليه، فمن هؤلاء مصطفى صادق الرافعي رحمه الله في مواضع من كتابه وحي القلم بعنوان حوار مع إبليس، والدكتور طه حسين في كتابه «بين بين» بعنوان «شياطين الإنس والجن»، وعباس محمود العقاد في كتابه مراجعات بعنوان «مذكرات إبليس». والسحار في همزات الشياطين.. وقد تناوله بالدراسة سيد قطب في كتابه كتب وشخصيات، والأستاذ العطار في كتابه حديث الكتب .. وهناك تناولات إما خيالية كما في التوابع والزوابع لابن شهيد، وإما خرافية كما في كتاب ألف ليلة وليلة، وكتب الفولكلور عامة.. وهي في عمومها أدب بحت لا يخدش جانب العقيدة .. أما كتاب التفسير العصري للقرآن فلم يخل من شطحات في تأويل الشيطان القرين، وأما الأستاذ الرومي في كتابه منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير فقد أوضح مفهوم النصوص الشرعية من الشياطين والجن، فكان إيضاحه مسدداً راشداً.
وعقد الرازي في مقدمة تفسيره مناظرة مطولة عن إشكالات الجبرية والمعتزلة، وهذه المناظرة من الجدل الكلامي تقوم على الخيالات والاحتمالات، وضرَّات هذه المناظرات غير الحسان موجودات في كتب علم الكلام بكثرة .. إن الخائضين في الجدل الكلامي من جبرية ومعتزلة أرادوا بزعمهم تنزيه ربهم عن الظلم، ففئة نفت قدرة اللّه لتثبت عدله، فقالت: إن العبد خالق لأفعاله ليكون جزاء الرب عادلا، ومن ثم جعلوا الاستعاذة حجة لهم على الجبر، لأن العبد يستعيذ بربه من أفعال لم يخلقها ربه بزعمهم.
والفئة الثانية قالت: إن الإنسان مجبور مسير غير مخير، فأثبتوا قدرة اللّه ونفوا بالضمن عدله، وكانت الاستعاذة عندهم لغواً .. وكل هذه المذاهب من كيد إبليس بلا ريب .. وللبعد عن خوض أهل الكلام فإنني ملخص المناقشة في أمور:
الأمر الأول: أن عجزَ العبد وضعفه ينبغي أن لا يكون محلّ جدل، لأن كل فرد يعلم ذلك منذ رحمة المهد إلى وحشة اللحد .. وما يعلمه في أفاويق عمره إنما هو اتصال لخبرة أجيال، وخبرة الأجيال كلها ما كان منها وما سيكون إنما هي ظاهر من الحياة الدنيا.
الأمر الثاني: أن الإيمان برب له الأسماء الحسنى والكمال المطلق جل جلاله هو نهاية واستقرار التفكير البشري لما نصبه اللّه من آياته في الأنفس والآفاق، فحريّ بمن آمن بقدرة اللّه، وشك في عدله أن ينطرح بين يدي ربه انطراح العبد العاجز يستمنح ربه الهداية لما اختلف فيه من الحق .. وإن الإيمان بالعدل فرع عن الإيمان بالقدرة، لأن العاجز قد يريد العدل ولا يقدر عليه أو لا يعلمه، وإنما غوى إبليس اللعين لمحاكمته ربَّه في عدله.
والأمر الثالث: أن الجبرية والمهتزلة حجبوا صراط اللّه المستقيم عن تفكيرهم ووعيهم، وأخذوا بأحد الطرفين الذميمين: إما ادعاء الجبر، وإما ادعاء الوثنية وتأليه العبد الفاني .. أما صراط من أنعم اللّه عليهم فإنما هو بقدرة اللّه ورحمته، ومن ثم جعلوا تصرف العبد على قسمين:
فالقسم الأول: ما كان بتدبير اللّه الكوني الذي لا حرية للعبد فيه كولادته وموته ومقدار عمره وغناه وفقره ومرضه وصحته، ومن ثم يلجأ إلى ربه بما شرع له من الدعاء الذي هو مخ العبادة لتحصل له إحدى الحسنيين: إما أن يستدفع أقدار اللّه بأقدار اللّه، وإما أن يرضى بما اختاره له ربه ويتشوق إلى وعد ربه في الآجل .
أما القسم الثاني من تصرفات العبد: فهو ما يتعلق به التكليف، ويترتب عليه الثواب والعقاب، فاللّه رحم عباده، فلم يكلفهم إلا بما يقدرون عليه، ويدخل في حرية إرادتهم التي هي منحة من اللّه.
وتكون الاستعاذة ها هنا لجوءا من الشيطان إلى الله بأن لا يقترف ذنباً يقدر على تركه، أو يترك واجباً يقدر على فعله، ولهذا كانت الاستعاذة فراراً إلى اللّه، لدفع ما لا يقدر عليه إلا اللّه كما في دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك.. كما تكون الاستعاذة فراراً إلى اللّه لدفع ما يقدر عليه المخلوق، لأن قدرة اللّه فوق كل قدرة، ولهذا جاءت الاستعاذة باللّه من الشيطان الرجيم.
قال أبو عبد الرحمن: وصح الحديث كما في مسند الإمام بن حنبل أن رسول اللّّه صلى اللّه عليه وسلم قال: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان، فإذا ارتفعت فارقها، فإذا كانت وسط السماء قارنها، فإذا دلكت أو قال زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها: فلا تصلوا هذه الثلاث ساعات .. وقد تناول أبو محمد ابن حزم هذا الحديث، فخصّص القضية وأبقى الحكم على عمومه، فأما القضية فخص بها المدينة المنورة، فقال: قد علمنا يقيناً أن الشمس في كل دقيقة طالعة على أفق من الآفاق، مرتفعة على آخر، مستوية على ثالث، زائلة عن رابع، جانحة للغروب على خامس، غاربة على سادس، فإذْ ذلك كذلك: فقد صح يقينا أنه عليه السلام إنما عنى بذلك أُفُقا ما دون سائر الآفاق .. لا يجوز غير ذلك، إذ لو أراد كل أفق لكان الاخبار بأنه يفارقها كذبا وحاشى له من ذلك، فإذ لا شك في هذا كله: فلا مرية في أنه عليه السلام إنما عنى به أفق المدينة، وهو الأفق الذي أخبر أهله بهذا الخبر.. ثم قال رحمه اللّه: واللّه عز وجل أعلم بذلك القرن ما هو؟ .. لا نزيد على هذا، إذ لا بيان عندنا.
هذا ما يتعلق بتخصيص القضية، أما عن أبقاء الحكم على عمومه وهو النهي عن الصلاة في تلك الساعات الثلاث فقد جعله أبو محمد حكماً لازماً لجميع أهل الآفاق .. قال رحمه اللّه: فصح بما ذكرنا أن أول الخبر خاص كما وصفنا، وأن نهيه عليه السلام عن الصلاة في تلك الأوقات قضية ثانية، وحكم غير الأول، فهو على عمومه في كل زمان وكل مكان إلا ما قام البرهان على تخصيصه «2».
قال أبو عبد الرحمن: هاهنا بعض الوقفات:
الوقفة الأولى: أن هناك من لا يسلم لأبي محمد أن الشمس لا تخلو لحظة واحدة من شروق على جزء من الأرض، لأن شيخ الإسلام ابن تيمية قرر في كتابه شرح حديث النزول فترة من أربعة وعشرين ساعة تغيب فيها الشمس عن الأرض بإطلاق .. ولا أحقق صحة ذلك علمياً.
والوقفة الثانية: أنه لا حذق لي في علم الفلك والهيئة لأصحح رأي ابن حزام أو ابن تيمية، وإنما يملك الحكم في هذا أهل التخصص في علم الفلك والهيئة، ولكن لا تخلو الحال من أحد أمرين:
أحدهما: أن يكون القولُ قولَ ابن تيميمة: أن هناك ساعات تغيب فيها الشمس عن الأرض بإطلاق، فحينئذ يزول استشكال ابن حزم، وهذا هو المهم.
وثانيهما: أن يكون القولُ قولَ ابن حزم، وهو أن الشمس لا تغيب عن جزء من الأرض مطلقاً، فنقول حينئذ لا يلزم من هذا أن الشيطان لا يفارق الشمس مطلقاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا عن شيطان واحد بصيغة «أل» .. أي بصيغة الشيطان، وإنما ورد الحديث بتنكير الشيطان، فقال: قرني شيطان، فصح بهذا أن كل أفق من الآفاق مُقيَّض لشمسه قرنا شيطان.
والوقفة الثالثة: أنه لا يحرجنا أن لا نعرف المراد بقرن الشيطان، لأننا لا نعرف خِلْقة الشيطان ولا كيفيته، وإنما نفهم ما ورد به الخبر من وصف الشياطين والجن .. واللّه الذي خلق الشياطين هو الأعلم بكيفية قرونهم ورؤوسهم.
والوقفة الرابعة: أن اقتران الخبر عن طلوع الشمس على قرني شيطان بالنهي عن الصلاة في تلك الساعة يتضمن دلالة سياقية، وهي أن الشيطان ينتصب تجاه طلوع الشمس، ليستقبله من يعبد الشمس من دون اللّه، فتكون العبادة للشيطان، وربما كانت قبلة بعض المسلمين شرقاً أو غرباً إذا ضل عن القبلة، كما أن بعض الآفاق قبلتها إما شرق وإما غرب .. هذا ما يظهر من دلالة السياق والعلم عند اللّه.
والوقفة الخامسة: أنه يمتنع فصل أبي محمد بين خصوص الواقعة، وعموم الحكم، لأن الحكم معلل نصاً، فلا ينفك الحكم عن علته.
وعن أبي الدرداء رضي اللّه عنه .. قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : خُلق الجن ثلاثةَ أصناف: صنفٌ حياتٌ وعقارب وخشاشُ الأرض، وصنف كالريح في الهواء، وصنف عليهم الثواب والعقاب.. رواه ابن أبي الدنيا في كتابه مكايد الشيطان .. وهذا الإسناد ضعيف برواية يزيد بن سنان، لأنه ضعيف .. ولكن له رواية صحيحة عن أبي قعلبة الخشني رضي اللّه عنه: عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: الجن ثلاثة أصناف: فصنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون.. رواه الطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الأسماء والصفات.. وهناك براهين تدل على صحة معنى هذا الحديث.. وهناك أمر لا ينبغي أن يُقتفى بالظن، وهو مسألة هل كان في الجن رسل من أنفسهم، لأن اللّه لم يقص علينا اسم رسول من الجن، وإنما حسبنا الإيمان بأن الجن مكلفون لقوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبدُونِ» سورة الذاريات/56، وحسبنا الإيمان بأن رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم رسول اللّه إلى الجن والإنس، وأن سليمان عليه السلام كان ذا سلطان على الجن.. وهذا لا يمنع من إرسال رسول من الجن إلى الجن أنفسهم .. إلا أن اللّه لم يسمِّ لنا رسلَ الجنِّ وأنباءهم ، وإنما استدل من رأى أن اللّه أرسل للجن رسلاً من أنفسهم بثلاثة أدلة.
أولها: أن اللّه سبحانه وتعالى قال: «يَا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ أَلَمّْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي» سورة الأنعام/130، فهذه الآية يقتضي ظاهرُها أن منهم رسلاً بدلالة قوله تعالى : «منكم» .. والى هذا ذهب ابن عباس رضي اللّه عنه، والضحاك بن مزاحم .. ولا يجوز صرف الآية عن ظاهرها إلا ببرهان، وهذا لا يمنع من كونهم تبعاً للرسل من بني آدم في أكثر الأحيان، لما ثبت من كونهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولما قصه اللّه علينا من قول الجن: «قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى» سورة الأحقاف/30،.
وثانيهما: أن اللّه أخبرنا بأن الجن مكلفون، ولم يحدد ربنا وقت تكليفهم بخلق بني آدم، فصح بعموم النص أنهم مكلفون منذ خلقوا، وصح بالنص أن اللّه لا يترك المكلفين هملاً دون أن يبين لهم ما يتقون، وصح بالنص أن الرسل هم واسطة اللّه إلى المكلفين، فصح بهذا أن الجن قبل خلق بني آدم مكلفون مبلغون شرع ربهم.
وثالثها: ما قصه الله علينا من قول الملائكة عليهم السلام: «أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء» ففي هذا إلماح إلى تكليفٍ ورسالةٍ على وجه الأرض قبل خلق بني آدم .. إلا أن الدليلين الأخيرين قاصران على ما قبل خلق آدم عليه السلام.
* * *
الحواشي:
«1» الكليات ص 540 بتحقيق الدكتور عدنان درويش ومحمد المصري «مؤسسة الرسالة» طبعتهم الأولى عام 1412ه .
«2» انظر الفصل 3/181 182 تحقيق أحمد شمس الدين نشر مكتبة عباس الباز بمكة المكرمة دار الكتب العلمية طبعتهم الأولى عام 1416ه .
|
|
|
|
|