أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 14th December,2001 العدد:10669الطبعةالاولـي الجمعة 29 ,رمضان 1422

شرفات

فهمي هويدي في كتاب جديد يرصد:
حقيقة طالبان.. والنموذج الإسلامي الخطأ
طالبان ضحية للثقافة الجامدة والمتخلفة السائدة في بعض الساحات الإسلامية
قياداتها وقواعدها حملوا نموذج قريتهم المتخلفة إلى مقاعد الحكم
أسئلة كثيرة تناولها الكاتب والمفكر الإسلامي فهمي هويدي في كتابه الجديد «طالبان جند الله في المعركة الغلط» وحملها معه في رحلته إلى أفغانستان ضمن وفد المؤتمر الإسلامي الذي توجه إلى هناك بعد الضجة العالمية التي ثارت عقب قرار هدم تماثيل بوذا الشهيرة في مقاطعة باميان. يقول فهمي هويدي إن الذين يعيشون من الأفغان في الخارج يرون في حركة طالبان تعبيرا صادقاً عن الحقيقة الأفغانية بخيرها وشرها حيث يمثلون أول نظام حكم خرج من رحم الواقع وهو أمر يحير الباحثين لأن أفرادها قد يلامون على أشياء ليسوا مسؤولين عنها وينتقدون على أفعال ترى فيها أعيننا خطأ وجنوحا بينما هم تعايشوا معها ونشأوا في ظلها واعتقدوا في صوابها ومشروعيتها ولم يعرفوا غيرها وما تفعله طالبان في أفغانستان هو بالضبط سلوك الإنسان التقليدي والعادي هناك حيث تحكم الجميع قيم واحدة وثقافة واحدة الأمر الذي يعني أن المشكلة أكبر بكثير من أولئك النفر من طلبة العلم الذين قذفت بهم الأقدار إلى مواقع السلطة ومقاعد الحكم.
ويضيف: هذه الخلفية ضرورية لكي نفهم حقيقة ما يجري على نحو أكثر موضوعية وإنصافاً ذلك أن المشكلة ليست في طالبان ولكنها في المقام الأول تكمن في التربة التي خرجوا منها والثقافة التي تربوا عليها.
الإسلام أعلى السلطات
ويعرض الكاتب لعمق دور الدين وعلمائه في أفغانستان كنقطة جوهرية لفهم صفحة طالبان ودورهم في أفغانستان ويقول في هذا الشأن: منذ دخل الإسلام أفغانستان في منتصف القرن الثاني الهجري صار الأفغان هم رافعي لواء الإسلام والذائدين عنه في آسيا ورغم التنوع العرقي الموجود في أفغانستان والتي تضم 21 عرقاً وملة إلا أن الإسلام صار هو القاسم المشترك بين الجميع ولذلك لم يعد في أفغانستان دينا فقط ولكنه صار هوية جامعة وعقدا فريدا التأمت في ظله مختلف الأعراق ويقودنا هذا إلى دور الدين وعلمائه في الحياة العامة هناك فهم يتمتعون ببالغ التقدير وكل ما يتصل بالدين في مرتبة عالية القداسة وكل ما يقوله العلماء مطاع على نحو لا يقبل النقض ولا الابرام وبسبب هذه السلطة الواسعة التي يتمتع بها العلماء الأفغان فإنه قد تصدر عنهم أعمال مضرة يأباها الشرع والعقل إذ يحكمون بكفر بعض الأشخاص أو بفسقه إذا رأوا منه ما يخالف أهواءهم بل قد يكفر بعضهم بعضا حبا للانفراد بالرئاسة. ولذلك فهناك من يستثمر هذا الدور ويوظفه لصالحه من دول وجهات أخرى. وهذا ما حدث في الصراع بين الأمريكان والسوفيت عندما بثت أمريكا فكرة الجهاد ضد الشيوعية في عقول العرب والمسلمين على أرض أفغانستان وبعد أن تحقق الهدف وهزم السوفيت أصبح مجاهدو الأمس هم الإرهابيين وصارت أفغانستان سيئة السمعة السياسية وأصبحت صورتهم مرتبطة في الأذهان بالإرهاب الذي أصبح أسامة بن لادن رمزا له وبالتخلف والقمع اللذين أصبحت طالبان نموذجاً له. والأمة الإسلامية تحاكم الآن بما تفعله طالبان والناشطون الإسلاميون في كل مكان يشهر بهم ويجرى التخويف منهم من خلال الإيحاء بأن ما يفعلونه في كابول وقندهار هو النموذج الذي ينشدونه في بلدانهم ويبدو الأمر في نهاية المطاف مفارقة مدهشة فهؤلاء الذين خرجوا من عباءة الجهاد دفاعاً عن الإسلام أصبحوا الآن أحد الأسلحة التي يحارب بها الإسلام وتشوه بها صفحته وقد قدمت ممارسات طالبان ومواقفهم أكبر عون لتلك الأيدي الخبيثة التي تحارب الإسلام لكي تحقق مرادها وتنفذ إلى مقاصدها في هذا الزمان وأصبح السيف الذي أشهر لنصرة الإسلام يطعن به الإسلام الآن.
ممارسات طالبان
وينتقل الكاتب إلى ملاحظاته التي دونها حول ملامح التغيير التي أحدثتها طالبان في أفغانستان فيقول إن أهم هذه الملاحظات أن عناصر طالبان ليس لهم حضور كبير في الشوارع لكن وجودهم المكثف في مواقع السلطة وأجهزة الإدارة ولم ير أو يسمع شيءعن ما يقال بوجود ملاحقات في الشوارع لمراقبة سلوك الناس وأن هذا لم يتم إلا في الشهور الأولى التي أعقبت دخول الحركة إلى كابول عام 1996م. كما أن تركيز جماعة طالبان على المظاهر جعل للشارع طابعاً واحدا فثمة لحية لكل مواطن و «تشادري» زي النساء لكل مواطنة وهو من الأخطاء التي أساءت كثيرا لحركة طالبان حيث انها لم تترك الوضع الاجتماعي كما هو وإنما فرضت اللحية والتشادري على الجميع وجعلته مظهراً ملزماً وإجبارياً. والملاحظة المهمة أيضاً أن النساء يتحركن في الشوارع ولسن حبيسات البيوت كما قيل أو في صحبة محرم كما هو شائع وأغلب الظن أن قرار منع النساء من العمل في الوظائف العامة باستثناء الطب والتمريض أعطى انطباعاً بمثابة إلزام النساء بالبقاء في البيوت وعدم الخروج إلى الشوارع كما أن هناك مراكز متعددة لتعليم اللغة الإنجليزية والفرنسية في حين لا توجد أي جهة لتعليم اللغة العربية التي يتشوق إليها الأفغان وليل كابول طويل ممل فالبلد يخضع لحظر التجول من العاشرة مساء إلى السادسة صباحاً ويغمره الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي قصفت محطاته. كما أن علماء أفغانستان لم يجيزوا التليفزيون بدعوى أن الضرر فيه أكثر من النفع وفيه تصوير للأشخاص وهو محرم شرعاً. وبالنسبة لهم فصوت المرأة عورة والموسيقى حرام لأنها مزمار الشيطان والرسم عندهم جائز ما لم يكن فيه ذو روح أما المسرح والسينما فهما ممنوعان ولا توجد هناك سوى الإذاعة التي تقدم كل ما يساعد على تثقيف المسلم من علم وأدب وفن ومواد ترويحية كما يقول مديرها في حدود الحلال والحرام ولا يلهي الناس عن ذكر الله. وهذه الإذاعة هي إذاعة صوت الشريعة التي والكلام للكاتب لا يتابعها الكثيرون بينما يقبلون على محطة الإذاعة البريطانية ويبدو أن شباب طالبان هم المستمعون الوحيدون لإذاعة صوت الشريعة.
حقائق هامة
ويسجل الكاتب من خلال ملاحظاته ثلاث حقائق أولها أن نسبة غير قليلة من قيادات حركة طالبان والأغلبية الساحقة من قواعدها حديثة العهد بحياة المدينة ومنهم من دخل كابول لأول مرة في حياته وإدراك هذه الحقيقة يفيدنا في تصور آفاق تفكير أغلب قياديي الحركة وغياب خبرتهم بالحياة السياسية والإدارة والحكم وحياة المدن.
والحقيقة الثانية أن أغلب قادة الحركة وقواعدها جاءوا من ثلاث مقاطعات متجاورة هي قندهار وزابول وأوروزجان وهي مناطق متخلفة وبسيطة على المستويين العمراني والثقافي وهي مقطوعة الصلة بالعالم الخارجي مما يعني أن أبناء هذه المناطق حملوا معهم النموذج المستقر للقرية التي عاشوا فيها في إدراكهم وأعماقهم بعد أن أصبحوا حكاماً. والحقيقة الثالثة أن بساطة التفكير ومحدودية الأفق فإن المنكرات السلوكية والمباشرة كانت أكثر ما أثار انتباههم في فكرة النهي عن المنكرات التي ظلت إحدى مقاصدهم الأمر الذي جعلهم يقدمونها على الأمور الحيوية الأخرى.
الأفيون .. لماذا؟
وينتقل الكاتب إلى ما يقال حول زراعة الأفيون في أفغانستان فيقول: لا يشرف المسلمين بطبيعة الحال أن تكون الإمارة الإسلامية الوحيدة في زماننا هذا هي المنتج الأول للأفيون والمصدر الأول له في العالم بأسره وحين قلت هذا الكلام في أكثر من لقاء بكابول وقندهار كنت أسمع ردا واحدا يدعوني إلى عدم التعجل في الحكم والصبر لحين معرفة الحقائق ومؤدى هذه الحقائق أن الواقع المرير في أفغانستان يضغط على الناس ويضطرهم لزراعة الأفيون بعد أن دمر اقتصاد البلاد وأصيب بالشلل وفي ظل الغلاء الذي عم البلاد نتيجة للصراعات والحروب المتواصلة ولذا فقد كان الناس في حاجة إلى موارد من أي مصدر لكي يقابلوا بها أعباء الحياة والتزاماتها ولم يكن أمامهم سوى التوسع في زراعة الأفيون والحشيش وأصبحت زراعة المخدرات هي الحل وهو حل سيىء ولا ريب ولكنه أصبح ضرورة لأن البديل المتاح الآن هو الأسوأ حيث يصبح الناس مهددين بتدهور أحوالهم المعيشية ولذلك يصعب على الناس أن يستجيبوا لطلب منع زراعة المخدرات وأي سلطة تحاول فرض ذلك المنع بالقوة ستقابل بالتمرد والمقاومة حتى لو كانت طالبان.
نموذج خاطئ
ويمضي الكاتب في تقييم حركة طالبان كما شاهدها على أرض الواقع وحاورهم وجالسهم فيقول: حتى إذا بدا للبعض أن تجربة حركة طالبان ينبغي ألا تؤخذ على محمل الجد إلا أنني أزعم أنها تجربة مفيدة للغاية لأنها تقدم نموذجا للكثير مما ينبغي الحذر منه وتجنبه في التطبيق الإسلامي. صحيح أن أهم ما أنجزته طالبان أنها أعادت الأمن والاستقرار إلى البلاد إلا أنه أشبه بالأمان والاستقرار في القبور وهو وضع نهائي يشكل كل الصورة. وعلى الوجه الآخر فإن أخطر ما فعلته الحركة أنها أقامت نظاماً عدته نموذجاً إسلامياً وصور للعالم بأنه النموذج الذي يسعى المسلمون إلى تحقيقه في كل مكان. صحيح أن هناك نظماً إسلامية كثيرة يشوبها النقصان بدرجة أو بأخرى ولكن ليس بذلك القدر من النقصان الذي ظهر في النموذج الطالباني ولن تشفع لهم حسن نيتهم وغيرتهم على الإسلام فقد دفعت أمتنا ثمنا باهظاً وأهدرت فيها قيما جليلة على أيدي أولئك الطيبين المخلصين.. وفشل حركة طالبان في السياسة والإدارة يدفع ثمنه الناس في نهاية المطاف ولا يعني إيمانهم وغيرتهم على الدين الدفاع عنهم أو قبول ممارساتهم. ويؤكد الكاتب أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تعذر به الحركة هو أن ما يفعلونه وهم في السلطة هو ما تلقوه في المدارس الدينية التي حصلوا فيها على تعليمهم الأمر الذي يعني أن طالبان ضحية للثقافة الجامدة والمتخلفة السائدة في بعض أركان الساحة الإسلامية وضحية أيضاً للضغوط والملاحقات والحصار من جانب أمريكا منذ البداية والحروب المستمرة التي كانت بينهم وبين تحالف الشمال. وقد تكون طالبان أثبتت نجاحاً نسبياً في إزهاق الباطل لكنهم فشلوا في إحقاق الحق.
علي البلهاسي

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved