| عزيزتـي الجزيرة
أولت الدولة أيدها الله رعايتها الكريمة للمواطن خلال مراحل حياته المختلفة، وحددت لكل مرحلة عمرية احتياجاتها وتكفلت بما يغطي هذه الاحتياجات وهو خير مثال لتطبيق المبدأ الإسلامي الذي ينص على مسؤولية الراعي تجاه الرعية.
ولو خضنا في تفاصيل هذه الرعاية او حاولنا حصرها لاحتجنا الى مجلدات عديدة، وهذه الرعاية غطت معظم مناحي حياتنا، وسأتطرق هنا لجانب مهم من هذه الرعاية التي وفرتها الدولة لمواطنيها، ولعل أهم ما سأتطرق له نابع من أنه يمس فئة عمرية عزيزة على مجتمعنا المسلم، وهم ما يمكن تسميتهم بكبار السن وقد جرت العادة على تسميتهم بالمتقاعدين، او المنتفعين بمعاشات التقاعد او نظام التأمينات الاجتماعية، وهؤلاء منهم الآباء والأجداد والأمهات والزوجات من الأرامل والأيتام.
وقد أولت الدولة أعزها الله لموظفيها المتقاعدين رعاية لا تنقطع من خلال أنظمة التقاعد المدني والعسكري التي أعدت بعناية فائقة، واعتقد انها تمت مراجعتها وتطويرها عدة مرات لتضمن للمستفيدين منها حياة كريمة في هذه المرحلة من العمر، لتتيسر لهم سبل المعيشة، والضمانات الصحية والتوازن النفسي والاجتماعي، ويستمر ذلك لورثتهم من بعدهم.
وكنظام مواز لنظام التقاعد، انشأت الدولة ممثلة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية والتي بدورها ضمنت للعاملين بالقطاع الخاص معاشا تقاعديا وضمانات أخرى تضمنها نظامها مقابل اشتراك شهري يسدد للمؤسسة مستقطعاً من راتب العامل.
وقد ظل هذان النظامان يسيران جنباً الى جنب كخطين متوازيين نظر اليهما ألا يلتقيان ابدا بالرغم من انعدام السبب وهو ايقاف التأمين على الرواتب التقاعدية لغير السعوديين اضافة الى ان الدولة وحدها هي التي ترعى هاتين المنشأتين والمستفيدون منها بالدرجة الأولى هم المواطنون السعوديون ونتج عن عدم التقاء النظامين سلبيات عديدة ألقت بظلالها على الكثير من المستفيدين من النظامين. ومن أهم هذه السلبيات انه لا يمكن الربط بين مستحقات المتقاعد العائدة له من النظامين اذا انقسمت حياته العملية بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي بل يلزمه تصفية مستحقاته من القطاع الذي كان يعمل فيه وينتقل الى القطاع الآخر وكأنه موظف مبتدئ وهذه لوحدها تركت اثرا سلبيا على فئة من السعوديين عندما بلغوا سن التقاعد وجدوا أنفسهم بعد ان قدموا شبابهم وعمرهم محرومين من الاستفادة من معاش تقاعدي يكفيهم لباقي اعمارهم بالرغم من ان انتاجهم وجهدهم ربما كان مضاعفا، كما ان هناك فروقا ملموسة بين عائدات المنتفعين من كل من النظامين، فنظام التقاعد الحكومي يعطي المستفيدين منه او ورثتهم بسخاء وكرم، وفي الجانب الآخر نجد وضعا يقل عن ذلك كثيراً وتحتويه تعقيدات وشروط كثيرة منها بلوغ الستين، العجز او الوفاة، وكل هذه السلبيات جعلت العديد من المواطنين ينظرون الى الوظيفة الحكومية على انها ضمان للفرد ولورثته من بعده، ويقللون من شأن الوظيفة في القطاع الأهلي بما فيها الشركات الوطنية المساهمة لأنها لا توفر لهم نفس القدر من الضمانات لفترة ما بعد الخدمة.
وهذا الأمر يخلق تنافساً حاداً على الوظائف الحكومية ويبعد كثيرا من الكوادر المؤهلة عن السعي للحصول على وظيفة بالقطاع الأهلي ونجد الكثير من الشباب ينظرون الى الوظيفة بالقطاع الأهلي كأنها وظيفة مؤقتة يبقون فيها حتى يحصلوا على وظيفة بالقطاع العام وهذه في حد ذاتها كانت من أسباب عدم سعودة الوظائف.
وقد أدرك ولاة الأمر كل هذه السلبيات وأدركوا مخاطرها، وهذا ديدنهم في كل الأمور، وبذلوا سعيهم للمساواة بين النظامين بايجاد قواعد للربط وتسهيل الانتقال بينهما، وتم تكليف لجنة وزارية لوضع هذه القواعد، وترأس هذه اللجنة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية ورئيس مجلس القوى العاملة، وكما تابعنا بالصحف ووسائل الإعلام المختلفة فقد قطعت هذه اللجنة شوطاً كبيراً في النظر في مجموعة من القواعد لتبادل المنافع بين أنظمة التقاعد ونظام التأمينات الاجتماعية، ولعمري فإن هذا هو الاتجاه السليم لمعالجة اوضاع كثير من المستفيدين من نظام التأمينات الاجتماعية ومساواتهم باخوانهم المستفيدين من انظمة التقاعد الحكومية بشقيها المدني والعسكري. او على الأقل الا تضيع سنوات عمرهم الوظيفي سدى لا لذنب اقترفوه بل بسبب نظام او انظمة لم تستطع التنبؤ بالمشاكل والآثار التي يمكن ان تنتج من القياس الخاطئ للعدالة بالحقوق بين المواطنين.
وبالنظر الى وضع مؤسسة التأمينات الاجتماعية نجد ان المؤسسة حققت نجاحات كبيرة في توسيع مظلتها لتشمل العاملين في الغالبية العظمى من مؤسسات القطاع الأهلي، وقد حققت اشتراكات هؤلاء دخلا كبيرا للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية التي قامت باستثمار هذه الأموال في مشاريع خدمية وانتاجية مملوكة لها كليا او مساهمة بها مساهمة كبيرة، وبالطبع فإن ذلك حقق دخلا متزايدا للمؤسسة، ودعم مواردها بشكل ظاهر للعيان وتمثل ذلك في تحقيق موظفي المؤسسة وحصولهم على مزايا تفوق غيرهم.
وهذا النجاح الذي تحقق للمؤسسة انطلق من مساهمات العامل باشتراكه الشهري ربما ليس بسبب جهود العاملين فيها لوحدها بل لالزامية النظام ومدخلاته العالية ومخرجاته المتدنية، ولهذا السبب يرى كثير من المستظلين بمظلة التأمينات الاجتماعية ان لهم الحق هم ايضا في الاستفادة من أرباح هذه الاستثمارات وانها يجب ان توظف لمصالحهم ولخدمتهم لأنها دون ادنى شك أموالهم التي دفعوها للمؤسسة، ولا يبدد هذا الأحساس إلا ان يتم انصاف العامل المستظل بمظلة التأمينات الاجتماعية، اولاً بالربط بين النظامين واحتساب سنوات الخبرة التي قضاها المواطن في خدمة بلده سواء كانت حكومية او بالقطاع الخاص وثانياً بمنحه على أقل تقدير نفس المزايا التي تقدمها انظمة التقاعد الحكومي او فتح نظام التأمينات الاجتماعية للمنافسة والخصخصة.
وإذا حدث ذلك فإنه في حد ذاته يكون دعما ودافعا قويا لقطاعنا الأهلي ليقوم بدوره المنشود في بناء هذا الوطن، وبالمساهمة في بناء الأهداف التي انيطت بالنظام، خاصة وان عصرنا الحالي هو عصر التخصيص والتوجه نحو تشجيع وتنمية القطاع الخاص، وقد تعهدت الدولة برعاية ودعم هذا التوجه ايمانا منها بأن للقطاع الخاص دورا كبيرا في التنمية لابد ان يلعبه.
وأنا اثق في حكمة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي يدرك جيدا مثل هذه الأمور، وأعضاء اللجنة الكرام المكلفين من قبل مولاي خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني بمعالجة هذا الوضع سعيا لتحقيق مصلحة المواطن التي ظلت هدفا تسعى اليه الدولة دوما، ولضمان مصلحة الاجيال القادمة التي ترعاها حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين وتهتم بها، والخطوات التي اتخذت حتى الآن كفيلة بأن تزرع الطمأنينة في قلوب هؤلاء المستظلين بمظلة التأمينات الاجتماعية ولتؤكد فرصتهم التي ينتظرونها منذ سنوات بفارغ الصبر.
أخيراً أود ان اطمئن الذين ينظرون الى ان الدمج بين النظامين له تأثير على مداخيل المؤسسة واستمرارها ان هذه مع التقدير الشديد لوجهة نظرهم نظرة قصيرة جداً انطلاقا من ان التيسير دائماً يأتي بثمار ايجابية ويمكن تفسير ذلك بما يلي:
أولاً: لا يمكن ان تقبل عدالة الدولة ان يضار أناس خدموا سنوات طويلة ينتهي بهم المشوار بسبب انقسام خبراتهم بين القطاعين العام والخاص لحرمانهم من ابسط حقوقهم المتمثلة في المعاش التعاقدي الذي يكفل لهم ولأسرهم حياة كريمة مماثلاً لزملائهم، خصوصا ان هذا مطبق لفئة من المواطنين، وبالتالي لو لم يتم فسيكون هذا على حساب الدولة وصندوق الضمان الاجتماعي.
ثانياً: بمجرد ان يتم الاستفادة من الخبرات السابقة سيبادر عدد من الموظفين للتقاعد وبالتالي ستتاح فرص جديدة لدماء شابة تجدد حركة العجلة الاقتصادية ليزداد عدد الوظائف وعدد المشتركين ايضا وتعم الفائدة على الجميع.
ثالثاً: سيلجأ هؤلاء المتقاعدون لفتح نشاطات جديدة كامتداد لخبراتهم السابقة وستحقق ايضا فرص وظيفية جديدة واشتراكات جديدة ونشاطات جديدة.
رابعاً: سيبادر معظم من ينتمون لهذه الفئة عند دمج الخبرات السابقة باللاحقة بإعادة تسديد ما استلموه من التصفية التقاعدية الأولى وهذا بحد ذاته مع فوائده يشكل رافدا جديدا للمؤسسة.
خامساً: مع التنفيذ سيكون الموظف او العامل رقيبا على منشأته وسيحرص اشد الحرص على الاشتراك بالنظام لأنه سيرتب له مصلحة واضحة «وليست فقط مصلحة عند العجز وبعد الوفاة»، وهذا أحد العوامل التي تدعم موارد المؤسسة.
ومن واقع خبرتنا العملية مررنا بتجربة نضيفها هنا لندلل على ان تيسير الأمور يدفع الى النمو وليس العكس، فقد دار حديث كثير حول التأثير السلبي الذي ستتركه اضافة خدمة الجوال العائلي على مبيعات بطاقات الاتصال المدفوع، ولكن ما حدث كان العكس تماما حيث ادى ذلك الى احداث زيادة في مبيعات البطاقات وبالتالي زيادة في دخل شركات الاتصال المدفوع وكان المستفيد الأول هو شركة الاتصالات السعودية، لأن كل راغب في الاتصال على الهاتف الجوال مهما كان نوعه لابد له ان يستخدم خدمة الصفر المحلي او ان يشتري بطاقة اتصال مدفوع، وهكذا مع تعدد الوسائل ازدادت الحركة على الاتصالات.
وفق الله ولاة أمرنا لتحقيق آمالهم وآمال شعبهم وجزاهم الله خير الجزاء في سعيهم لوضع الأسس المتينة للمساواة بين المواطنين وتوفير الرعاية لهم بجميع فئاتهم.
عبدالرحمن محمد الرشيد
المدير العام لشركة المفتاح الدولي للاتصال والكمبيوتر «إنتركي»
|
|
|
|
|