أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 14th December,2001 العدد:10669الطبعةالاولـي الجمعة 29 ,رمضان 1422

أفاق اسلامية

د. عبد الرحمن الزنيدي لـ الجزيرة :
حوار الحضارات وسيلة دعوية أجدر بالمسلمين استثمارها!
* الجزيرة خاص:
يرى الدكتور عبد الرحمن بن زيد الزنيدي أن مسألة العولمة ليست ظاهرة جديدة كما يتصور كثير من الناس، كما يوضح د. الزنيدي السبيل إلى تحقيق العالمية الإسلامية وحوار الأديان والحضارات.
ويعرج د. الزنيدي إلى حقوق الإنسان في الإسلام، ومعنى الثقافة الإسلامية وغير ذلك.
والدكتور عبد الرحمن الزنيدي يعمل استاذاً بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالرياض، وله مؤلفات عدة في الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية وفيما يلي نص اللقاء:
* بداية نسأل عن الثقافة الإسلامية.. ماذا تعني؟ وما قيمتها الحضارية في وقتنا الحاضر؟
لابد أولاً من معرفة الثقافة بوجه عام! فالثقافة هي مجموع العقائد والقيم والنظم التي يتبناها فرد أو تجتمع عليه أمة من الناس، ولهذا لا تكون الثقافة بهذا المفهوم الا مضافة ثقافة اشتراكية صينية ليبرالية اسلامية.. الخ.
وليس المقصود بهذه العقائد والقيم والنظم التي تشكل الثقافة جانبها النظري أي بصفتها معارف تدرسها تخصصات علمية، وانما المقصود صورتها المتماسكة الشمولية التي ترتبط فيها القيم بالعقائد متجلية في نظم الحياة المختلفة في شخصية الفرد أو الأمة، والثقافة الإسلامية هي هذه الجوانب الثلاثة اذا كانت مستمدة من القرآن الكريم أو السنة أو مرتكزة عليهما.
إن مجتمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيمانه وقيمه وعبادته وجهاده وحركته الدنيوية يمثل الثقافة الإسلامية في الواقع البشري بأسمى صوره النموذجية، ولهذا لا غرابة أن يظل الصحابة هم نموذج الاقتداء للمسلمين خلال العصور المتعاقبة. أما قيمة الثقافة الإسلامية في هذا الظرف التاريخي فحسبك معرفة بها علمك أن الخلل الذي أصاب حضارة المسلمين بعد مرحلة الازدهار فانحسرت وركدت كان بسبب فقدان تلك الثقافة وهجها في النفوس، وتشوهها في تصورات الناس ومن ثم سلوكياتهم.
ثم لما حاولت بعض مجتمعات المسلمين القطيعة مع هذه الثقافة واستنبات ثقافة مستوردة من الخارج كان الانهيار الأكبر والدمار الشامل سياسياً وفكرياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً وكانت حالة الاغتراب التي أصبح فيها هذا القاطع مع ثقافته الأصلية والمتشبث بثقافة وافدة تائهاً متذبذباً بين الثقافتين.
هنا تتجلى القيمة التاريخية للثقافة الإسلامية بصفتها المبدأ الرشيد لأمة الإسلام الذي تحقق بارتكازها عليه نهضتها المنشودة ومقامها الحضاري المشهود. لا ريب أن الثقافة لكي تصبح روحاً فاعلة في كيان الأمة تحتاج إلى بناء ايماني وإلى اجتهاد يستنزل من قيم الإسلام وتشريعه أنساقاً في شؤون الاجتماع والاقتصاد والسياسة وغيرها، وإلى تجديد يرتقى بخطاب ثقافتنا إلى أفق عالمي معاصر سواء في مشروع الحضارة الإسلامية أو في الدعوة إلى الإسلام التي لم تعد نصيحة لجار أو قريب ولا أمراً بمعروف جزئي وانما دعوة عالمية في مجالها وأهدافها ووسائلها.
* «المثقف» هذا المصطلح الحديث الذي صار خاصية فئات معينة، وهو خاصية مدح، ماذا يعني، وما صلة العالم.. أقصد العالم الشرعي بهذا اللقب؟
«المثقف» قابل لتعريفات عديدة، لكن من أبرز ما يعنيه هذا الوصف هو الصنعة الفكرية التي تجعل صاحبها ممتهناً هذا الميدان مع التصاق بالمجتمع وعياً بمشكلاته واسهاماً في حلها وريادة حضارية للأمة.
هذا هو المثقف الحق في الأمة أما من ينتحل هذا اللقب مفتقداً الخصائص المذكورة سواء كان انتهازياً يوظف قدرته الفكرية لمصالحه الخاصة حتى ولو كان على حساب الحق ومصلحة المجتمع، أو كان مخدوعاً يجتر تراث أمم أخرى مبهوراً به محارباً تراث أمته.. هذان الصنفان وأمثالهما ليسوا بمثقفين وانما هم مزيفون. العالم الشرعي في صورته النموذجية التي قدمها الصحابة رضوان الله عليهم ثم التابعون لهم والأئمة والمصلحون مثقف بامتياز لامتلاكه الصنعة الفكرية من خلال فقه الشريعة ولفاعليته الحية في واقع الأمة وكونه مرجعها عامة وحكاماً.
أما من خلع على نفسه هذا الوصف دون التحلي بخصائصه كلها أو بعضها سواء كان جاهلاً مقلداً عاجزاً عن استيعاب الواقع المتجدد، أو كان مقتدراً علمياً ولكنه منعزل عن الواقع منحصر في دائرة تخصصه الدقيق في مباحث ترجيدية مبتوتة الصلة بحاضر الأمة وتغيرات المجتمع فهو على ما رضي لنفسه لكنه لا يتبوأ مقام المثقف.
* ما دام الحديث عن العالم الشرعي هناك ملاحظة خلاصتها أن المستوى العلمي لمنسوبي كليات الشريعة أقل بوضوح مما كان للجيل السابق قبل ربع قرن فإلى من تعزون ذلك؟
قبل ربع قرن، يعني في النصف الثاني من تسعينيات القرن الهجري الماضي! يبدو لي أن الملاحظة غير دقيقة، بل خاطئة فيما أتصور! كيف؟ الأجيال الأولى لطلاب الشريعة في السبعينيات وأوائل الثمانينيات كانوا هم طلاب العلم في حلقات العلماء الكبار في المساجد فكانوا متميزين علمياً كما هو مشهود لهم ثم كانت الأجيال اللاحقة في فترة انحسار الدروس العلمية ثم فترة الطفرة ثم أعقبتها أجيال الصحوة الإسلامية التي استعادت بقوة رسالة المسجد العلمية حيث يجمع الطالب بين الدراسة النظامية والتحصيل الحر على أيدي كبار المشايخ.
ثم بآخرة كانت كثافة المتقدمين للجامعات، وكليات الشريعة هي الأولى في الأفضلية مما جعل الانتظام فيها منحصراً في الغالب في المتفوقين علمياً ومن المعاهد العلمية الشرعية بالذات مما دعم حركة القوة العلمية لمنتسبيها الآن. الحكم عموماً في الماضي والآن ليست لكل المنتسبين لهذه الكليات انما للظواهر الجديرة بالاعتبار.
السؤال المهم هنا بالنسبة لهؤلاء هل سيحيلون تمكنهم العلمي والفقهي إلى فاعلية حية في مجتمعاتهم حلاً لمشكلاتها، وتفاعلاً مع تطوراتها، أو أن لذة الرياضة الذهنية ستستولي عليهم فيقبعون في خلواتهم مع كتبهم الخاصة وقلة من مسامريهم.
* تفيض الساحة الآن باصدارات مكثفة من الرسائل والكتيبات والمطويات قد تكون محاضرات، أو أسئلة وأجوبة، أو مستلات من كتب.. الخ.
هل هي ظاهرة صحية هذه، وهل تحقق المطلوب الآن في مجال الثقافة والفكر؟
نشر الثقافة في المجتمع، واقبال الناس على القراءة والتزود الفكري لا شك انه ظاهرة صحية، وأنه دليل على رقي المجتمع ثقافياً ومن ثم اجتماعياً وحضارياً. لكن لابد من التساؤل عن مضمون هذه الثقافة المنشورة وهذا ما يفضي بنا إلى الفقرة الثانية من السؤال.
فإذا كان المضمون تافهاً فضلاً عن أن يكون سيئاً مثل ما يتعلق بالسحر والشعوذة أو النكت الفارغة ونحوها فلا ريب أنه وبال على الأمة يزيد في رداءة فكرها وانحطاط همة أفرادها، وأما اذا كان المضمون نافعاً توجيهاً اسلامياً، أو تعليماً تربوياً، أو ارشاداً مفيداً في أي من جوانب الحياة فانه صحي ومفيد، وفي مجتمعنا السعودي بالتحديد ما أراه من رسائل ومنشورات ونحوها هو من هذا الصنف في الغالب، لكن ينبغي أن نعي أن هذا اللون من الثقافة مفيدة لعامة الناس والشباب والمشغولين بدنياهم أما طلاب العلم الشرعي والمثقفون الإسلاميون فان تلك لا تكفيهم ولا تغنيهم عن الرجوع الى كتب العلم التي تقرر القواعد وتعالج القضايا بتوسع وعمق.
* كيف يمكننا ابراز عالمية الإسلام في عصر العولمة وما هي في رأيكم أهم ملامح المشروع الإسلامي الذي يمكن أن تتبناه الأمة الإسلامية؟
العولمة ليست ظاهرة جديدة كما يتصور كثير من الناس، إنها حالة تصل إليها كثير من القوى الحضارية حينما تبلغ أوجها الحضاري فكراً وقوة عسكرية وتهميشاً للأمم الأخرى، في هذا الظرف تندفع بغرور واستعلاء هذه القوة فارضة سطوتها وقيمها وبرامج الحياة التي تحقق مصالحها على تلك الأمم الضعيفة التي يزيد ضعفها تلك القوة اغراء بسحقها.
قد تكون هذه العولمة باستعمار عسكري، وقد تكون من خلال نشر ديانتها وقد تكون باستثمار تقنيات العصر الإعلامية والاقتصادية مسنودة بالارهاب العسكري كما هو شأن العولمة الغربية اليوم.
لا مراء في أن العالم يعيش الآن حالة من التداخل والانفتاح المتبادل من خلال وسائل الاعلام والاتصال، والسياحة، والتبادلات الاقتصادية المتعاظمة وغيرها مما جعل العولمة المعاصرة تتحرك في أجواء مناسبة، وهذا هو الخيط الذي ينبغي ان يلتقطه المسلمون لنشر دينهم بصفته هداية الله التي جاءت للبشرية كافة.
إن الحجة الكبرى لدى الأمم في مواجهة العولمة الغربية اليوم هي أن العولمة تستهدف ترويج قيم ومسالك حياة أنشأها الغرب تلبية لحاجاته التاريخية فهي قيم ومسالك خاصة ومحلية ترويجها وصبغ الأمم التي لم تعش ظروف الغرب بها.
هذه الحجة الوجيهة لا تقف في وجه الإسلام لأن الإسلام دين الله الذي بعث به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم للإنسانية كلها فقيمه ليست مصطبغة ببيئة معينة ولا بظرف زماني خاص، وانما هي المثال السامي للبشرية أبداً.
ولهذا فإن من خصائصها أنها ترحب بالقيم الإنسانية السليمة في أي عصر ولدى أي أمة لأنها تمثل نوعاً من التطلع نحو قيم الإسلام العليا « وأينما ارتفع منار العدل فتم شرع الله» كما يقول ابن القيم وغيره.
لا شك هذه الاجابة تحيلنا إلى الشق الثاني من السؤال وهو أين مشروع الأمة الإسلامية لتحقيق هذه العالمية الإسلامية ما معالمه ووسائل تحقيقه؟
الحديث هنا يطول لكني ألخص في نقط موجزة جداً أبرز معالم هذا المشروع فيما يلي:
التوحيد المتمثل بعبادة الله وحده من حيث يتحرر الإنسان به من كل صور العبودية للبشر والحجر ونزعات النفس، وحيث يتوحد البشر في غايتهم التي تجمعهم: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله».
إقامة الحق والعدل وسائر القيم التي جاء بها الشرع سواء بين المسلمين أو في التعامل مع غير المسلمين والتعاون معهم على إعلاء منارها.
الاجتهاد من حيث هو وسيلة ربط الحياة بتسارع تجددها بشريعة الله كي تكون حياة اسلامية في كل تجلياتها المتطورة.
* الحوار.. حوار الأديان الحوار الثقافي بل حوار الحضارات الذي ارتبط بظاهرة العولمة، هناك مواقف متباينة تجاه هذا الحوار فما هو طرحكم في هذا المجال؟!
اذا حصرنا أنفسنا فيما اشتهرا الآن ب «حوار الحضارات» الذي روج له منذ سنوات مضادة لنظرية «صدام الحضارات» لهنتكتون وتعرفنا على وجهتي الرأيين المتباينين فيه فإنا نجد أن لكل منها مستنداً وجيهاً فيما رآه:
فالرافضون أو بالأحرى المتخوفون يدعمون وجهة نظرهم بأن هناك حوارات سابقة لم تثمر شيئاً مما كان يرتجى منها، وبأن الحوار بين المسلمين والغرب حوار بين أقوياء وضعفاء لا يقوم في الغالب على قواعد الحق والعدل.
أما المتفائلون بالحوار فانهم يرون أنه احدى وسائل تبليغ الدين والتعريف بالذات وحقوقها، وأنه احدي أسلحة المطالبة الحضارية التي تطمح الأمة إلى الدخول فيها فضلاً عن أنه لا سبيل في بعض المجالات لأهل الإسلام دولاً ومؤسسات إلا بالحوار مع الآخر..الخ.
والذي أراه أن الحوار وسيلة دعوية وتعريفية، وتعاونية مع الآخرين يجدر بالمسلمين استثمارها فيما يحقق المصالح الشرعية ولا شك أنها تحتاج إلى ايجاد كوادر مدربة تمتلك الفقه الشرعي وخطاب العصر وصدق النية وستكون النتائج في مثل هذه الحاله ايجابية بلا ريب.
* ما هي منطلقات حقوق الإنسان في الإسلام؟ ولم لم تبرز شأن حقوق الإنسان في الغرب؟
من أهم منطلقات حقوق الإنسان في دين الإسلام:
وحدة الأصل البشري حيث يرجعون جميعاً إلى رحم واحد «كلكم لآدم وآدم من تراب» مما يطيح بالتمايزات العرقية واللونية والقومية ونحوها.
العبودية لله وهي التي تحقق للإنسان كرامته وحريته الحقيقية دون غيرها لأن من خرج عن عبوديته لله حتماً سيعبد غيره، أي سيخضع لبشر مثله فيما يشرعه من قوانين، أو يفرضه من طقوس، أو تستعبده نوازعه الغريزية وشهواته.
فضلاً عن أن من انقطع عن هذه العبودية فقد كرامته الانسانية لأن هذه الكرامة لا تتحقق إلا باتصال العبد بالله فقط.
الخلافة في الأرض بعمارتها وفق منهج الله دون طغيان يفسدها ويدمرها شأن الماديين المترفين، ولا استخذاء ينزل بالانسان إلى الخضوع لها بعبادة الحجر والشجر والبقر، أو بالعزوف عنها واستقذارها.
انضباط سائر القيم التي تنبثق منها حقوق الانسان عدلاً وأمانة ووفاء.. الخ، بأحكام شريعة الله وتحقيق المصالح ودرء المفاسد.
أما عن سبب بروز حقوق الإنسان بصورتها الغربية على الرغم من أنها نسبية مقارنة بتلك المطلقة في الإسلام فضلاً عن أن بعضها يحمل في أحشائه نقصاً خطيراً السبب هو أن تلك الحقوق مفعلة في واقع الحياة وقد ذاق الغرب طعمها ولذتها بعد الويلات التي عانوها.
أما الحقوق في الإسلام فإنها وان تجلت في الكتب وان باهى بها الدعاة وان تمثلها أفراد أو حتى مجتمعات محدودة إلا أنها على مستوى العالم الإسلامي لا تزال بعيدة عن التطبيق في اشكال هيكلية مؤسسية مدعمة بضمانات تجعلها فارضة نفسها بعيداً عن المصالح الخاصة وأهواء الأفراد.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved