| أفاق اسلامية
الحمد للّه وأصلى وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «تعوذوا باللّه من الفتن ما ظهر منها وما بطن». رواه مسلم في حديث طويل عن زيد بن ثابت.
فمن رحمة النبي صلى اللّه عليه وسلم بأمته أن حذرهم من الفتن كلها، ذلك أن الفتن إذا أتت فإنها لا تصيب الظالم وحده وإنما تصيب الجميع ولا تبقي إذا أتت لقائل مقالاً، وإنما يجب علينا أن نحذرها قبل وقوعها وأن نباعد أنفسنا بعداً شديداً عن كل ما يقرب إلى فتنة أو يدني منها، فإن من علامات آخر الزمان كثرة الفتن كما ثبت ذلك في الصحيح أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «يتقارب الزمان ويقل العمل ويلقى الشح وتكثر أو قال تظهر الفتن».
ولهذا فقد حذرنا اللّه جل جلاله من الفتن بقوله تعالى «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» . قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «هذه الآية وإن كان المخاطب بها هم صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لكنها عامة لكل مسلم لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يحذر من الفتن».
أيها الأخوة
تعوذوا باللّه من الفتن فإنها شر كلها لا تدع لصاحب العقل مجالا يفكر فيه بعقله، فعن حذيفة رضي اللّه عنه أنه قال: «ما الخمر صرفاً بأذهب بعقول الرجال من الفتن» فإذا وقعت الفتنة وجب على من يريد السلامة لنفسه أن يمسك عليه لسانه لأنه إن تكلم نطق كما ينطق من غلبت الخمر على عقله، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه مرفوعا «أسعد الناس في الفتن كل خفي تقي إن ظهر لم يعرف وإن غاب لم يفقد، وأشقى الناس فيها كل خطيب مصقع أو راكب موضع لا يخلص من شرها إلا من أخلص الدعاء كدعاء الغرق في البحر» رواه نعيم بن حماد في الفتن.
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير فيها من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن وجد فيه ملجأ أو معاذاً فليعذ به» متفق عليه.
أيها الأخوة:
وإن مما يعتصم به في الفتن لزوم الجماعة والحذر من الفرقة وهو ما يدل عليه قول اللّه جل وعلا «واعتصموا بحبل اللّه جميعا ولا تفرقوا» وثبت أيضا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «الجماعة رحمة والفرقة عذاب»، ولهذا فإن من لزم الجماعة، جماعة أهل السنة والجماعة، واقتدى بأئمتهم وعلمائهم العاملين بعلمهم فإنه قد لزم الجماعة ومن تفرق عنهم فإنه لا يأمن على نفسه من أن يكون ممن ذهب إلى الفرقة وعذب بعذاب من عذاب اللّه في الدنيا.
ومن الأمور التي تعصم في الفتن كثرة دعاء اللّه والإلحاح فيه فقد أرشد رسول الله صلى اللّه عليه وسلم إلى أن سبيل النجاة في الفتن كثرة الدعاء والإلحاح فيه كدعاء من شارف على الغرق في البحر وأيقن بالهلكة كما في حديث أبي هريرة المتقدم، وكذلك ما ثبت عن حذيفة رضي اللّه عنه أنه قال «يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغرق».
وإن مما يعصم من الفتن أيها الأخوة عدم الحديث فيها وكف اللسان واليد عنها والاشتغال بكثرة العبادة والمداومة على ذلك، فعن معقل بن يسار رضي اللّه عنه «أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال «العبادة في الهرج كهجرة إليّ» رواه مسلم في الصحيح.
قال الحافظ بن رجب رحمه اللّه تعالى «وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى الدين فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه ويتجنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا به متبعاً لأوامره مجتنباً لنواهيه» أ.ه .
عصمنا اللّه جميعا من الفتن ما ظهر منها وما بطن وجعلنا ممن يتعبون مراضيه ويجتنبون مساخطه ، وصلى اللّه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* الرياض
|
|
|
|
|