| أفاق اسلامية
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة الأنبياء والمرسلين ولا سيما خاتمهم وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم فقد وصفه الله بأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهي صفة لأمته كما قال تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله».
بهذه الكلمات قدم فضيلة الشيخ د. صالح بن فوزان الفوازن عضو هيئة كبار العلماء كتابه الموسوم ب«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» والواقع في 72 صفحة من القطع الصغير.
وقد بدأ فضلته الكتاب بمبحث أوضح من خلاله معنى المعروف والمنكر مبيناً أن المراد بالمعروف جميع الطاعات، مرجعاً تسميتها معروفاً لأنها تعرف بالقول السليمة والفطر المستقيمة فكل ما أمر الله تعالى به أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه معروف،
كما أن المنكر كلما نهى الله تعالى عنه ورسوله فجميع المعاصي منكر، حيث تنكرها العقول السليمة والفطر المستقيمة.
ملوك الأجسام
بعد ذلك أوضح فضيلته فائدة القيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معللاً ذلك بقوله:
لا صلاح للبشرية إلا بقيام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن طبيعة الاجتماع البشري أن الانسان لا يعيش وحده، وحتى لو عاش وحده فإنه يجب عليه أن يأمر نفسه بالمعروف وينهاها عن المنكر، ولو كان في المجتمعات البشرية لتأكد ذلك وتعاظم وجوبه، لأن من طبيعة البشر إلا من رحم الله العدوان والظلم بحكم النفوس الأمارة بالسوء وبحكم وجود شياطين الإنس والجن الذين يزينون للناس القبائح ويثبطونهم عن الطاعات، وبحكم وجود المغريات من الشهوات المحرمة في كل وقت بحسبه.
وأضاف قائلاً:«وبحكم أن هذا من لازم البشر، اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يستقيم شأن الأمة،
وحتى تقاوم هذه الأمراض فالمجتمعات أوجدت مستشفيات لعلاج الأمراض الحسية التي تصيب الأبدان وتحاول توفير كل ما فيه بقاء المجتمع وقوته ومن أعظم ما يهدده أمراض الشهوات والشبهات فهي أشد خطراً من أمراض الأجسام، لأنها أمراض تصيب القلوب وتصيب الدين الذي لا صلاح للبشر إلا به والقلوب هي ملوك الأجسام،
كما قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب« فأمراض الشهوات والشبهات تصيب القلوب حتى تمرض أو حتى تموت وعلى ذلك لابد من مقاومة هذه الأمراض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكل مجتمع حتى ولو كان مجتمعاً إسلامياً وقد انتشر الإيمان فيه لابد أن يشتمل على فساق وضعفاء الإيمان ولابد أن يكون هناك من يقع في المحرمات حتى في العهد النبوي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة التي هي أزكى القرون.. فما بالكم بالقرون المتأخرة؟!
حكمة الأمر والنهي
وفيما يتعلق بحكمة مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصص د. صالح الفوزان مبحثاً لذلك بين من خلاله عدم كفاية أن يكون الإنسان صالحاً في نفسه مؤكداً أهمية أن يصلح نفسه والآخرين مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم:«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وقال وكما انك تحب لنفسك دخول الجنة والنجاة من النار فتعمل بطاعة الله وتتجنب معاصي الله كذلك تحب لإخوانك دخول الجنة والنجاة من النار، ولا يكون ذلك إلا بأمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنت حين تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر تريد لهم الخير، لا تريد إظهار نقص فيهم ولا إظهار عيب ما ولا الحط من قدرهم ولا تعييرهم، وإنما تريد نفعهم، وإنقاذهم من النار ودخولهم الجنة، كيف تتركهم يقعون في النار وأنت تقدر على إنقاذهم بأن تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر؟ ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها يعني أن بعضهم صار في الطابق العلوي وبعضهم صار في الطابق السفلي، والطابق السفلي أقرب إلى الماء فكان الذين في الطابق السفلي إذا أرادوا الماء يصعدون إلى الطابق العلوي للحصول على الماء، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقاً لنأخذ منه الماء«أي من الجانب السفلي» ولا نؤذي من فوقنا بأن«نصعد إليهم ونتردد عليهم»،
ومعلوم أن السفينة إذا خرقت دخلها الماء وغرقت وغرق أهل الطابقين« ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً».
وأضاف فهكذا المجتمع، أهل الطابق الأعلى فيه هم ولاة الأمور والعلماء وأهل الرأي وأهل العقول السليمة، ومن دونهم هم بعض الفساق وضعاف الإيمان، هؤلاء في الطابق السفلي. فيجب على أهل الطابق العلوي من أهل الإيمان والعقول أن يأخذوا على أيدي هؤلاء، بأن يأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر حتى تحصل النجاة للجميع، وأما إذا تركوهم يقعون في المعاصي فهم كمن تركوا أهل الطابق السفلي في السفينة يخرقون فيها، لأن العقوبة إذا نزلت عمت الجميع، قال تعالى:«واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة» عمت الصالح والطالح، عمت الطالح لمعصيته وعمت الصالح لسكوته رتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
صفات الآمر الناهي
بعدها تطرق فضيلته إلى صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، مشيراً إلى أهمية توافر ثلاث صفات فيمن يقوم بهذا الدور وهي: العلم، والرفق، وأن يكون صبوراً على الأذى.
ثم أوضح المؤلف حالات الناس اليوم مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبيناً أنها ثلاثة أصناف:
الطرف الأول: أناس تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا ترك واجب عظيم من واجبات الإسلام، وهدم لأعظم مقومات لهذا الدين، وتسلط لأعداء الله ورسوله، وتسلط للعصاة والمفسدين، فإن الشر إنما ينتشر إذا عطل جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه يصبح بدون مقاوم ومعلوم أن شياطين الإنس والجن إذا سنحت لهم الفرصة فإنهم ينشرون شرهم بسرعة وبشتى الوسائل ولا يقاومهم إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المؤيد بالسلطان.
الطرف الثاني: أناس تشددوا في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخرجوه عن إطار الحكمة والموعظة الحسنة إلى إطار التنفير والتشديد ومواجهة الناس بالغلظة والقسوة، هذا لا يجوز ولا يصلح أن يكون أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، فقد يأتي أحدهم على إنسان جاهل ارتكب معصية من المعاصي فعنفه ووبخه وتكلم فيحقهوجرحه، وهذا ليس من الحكمة، أو زايد في إنكاره عليه أكثر من اللازم، هذا جانب مثل الجانب الأول، كلاهما خطأ.
أما الوسط: وخير الأمور أوساطها، وقد جعل الله هذه الأمة أمة وسطا، فهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي ما تقتضيه الشريعة من الحكمة والموعظة الحسنة وبالصفات التي ذكرنا، العلموالرفق في حالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الإنسان الذي يواجه الناس ويزمرهم وينهاهم يحصل عليه أذي بلا شك، بالقول أو بالفعل، ويواجه من الناس مواجهات، فلا بد أن يصبر، وإذا لم يكن صبوراً فإنه سيقف في أول الطريق.
|
|
|
|
|