أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 14th December,2001 العدد:10669الطبعةالاولـي الجمعة 29 ,رمضان 1422

متابعة

في ظل التلميح باحتمال ضربها.. هل تعود أمريكا إلى الصومال مرة أخرى؟
احتمالات العودة تواجه الكثير من المحاذير والتحديات
أمريكا تستهدف الاتحاد الإسلامي وتؤكد وجود مواقع لتنظيم القاعدة
الحكومة الصومالية نفت الادعاءات الأمريكية وأعلنت استعدادها للتعاون
* القاهرة/ مكتب الجزيرة/ علي البلهاسي:
هل ستكون الصومال هي الهدف الثاني للحملة الأمريكية على الإرهاب بعد أفغانستان؟ وهل يرغب الأمريكيون في العودة إلى الصومال رغم ما لا قوه من هزائم وخسائر على أيدي الصوماليين من قبل في عام 1993؟ وإذا حدث ذلك فما هي خطة أمريكا للعودة؟ وما هي سيناريوهات واحتمالات الضربة الأمريكية المتوقعة للصومال؟
منذ بداية الحملة الأمريكية على الإرهاب، تردد اسم الصومال كثيراً ضمن تصريحات المسؤولين الأمريكيين سواء بوصفها كمأوى للإرهاب أو كدولة تحتضن حركات ومنظمات إرهابية وعناصر ومعسكرات تدريبية لتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن.
وجرت استعدادات وإجراءات أمريكية تمهد لضربة أمريكية باتت وشيكة على الصومال.. ولكن هذه الضربة كما يرى المحللون والمراقبون تحكمها عدة حسابات وتدور حولها العديد من الاحتمالات.
تجربة مرة
الحرب الأمريكية المتوقعة على الصومال تحكمها تجربة أمريكية مرة وهزيمة منكرة لاقتها أمريكا في الصومال عام 1993م، وربما كانت هذه التجربة سبباً في شن الحرب على الصومال بهدف الانتقام ورد الاعتبار للكرامة الأمريكية التي أهدرت من قبل، كما قد تكون سبباً في إعادة التفكير الأمريكي في شن هذه الحرب خوفاً من تكرار التجربة مرة أخرى.
المعروف أن أمريكا منيت بهزيمة منكرة وخسائر فادحة أثناء وجود قواتها هناك عام 1993م والتي تعرضت لقتال عنيف من جانب الفصائل الصومالية المسلحة، حيث تم قتل 12 عسكرياً أمريكياً بعد إسقاط طوافتين أمريكيتين في مدينة مقديشيو ثم قتل ثمانية آخرين في نفس العام، وقام الصوماليون بسحل جثة طيار أمريكي في شوارع العاصمة، مما أثار اشمئزاز الأمريكيين وغضبهم ودفع بالرئيس بيل كلينتون لاتخاذ قرار بانسحاب قواته من الصومال في غضون ستة أشهر.
وكانت أمريكا قد أنزلت في العاصمة مقديشيو أكثر من 18 ألف جندي تعرضوا للكثير من عمليات المقاومة من سكان العاصمة المدججين بالسلاح والذين ينتمون إلى مختلف القبائل، وفيما يذهب البعض إلى أن ابن لادن وعناصر الأفغان العرب هم الذين قادوا عمليات المقاومة ضد القوات الأمريكية يؤكد آخرون أن حزب الاتحاد الإسلامي هو الذي قام بهذه المهمة، فقد كانت حركة الاتحاد الإسلامي والحركات الأصولية في ذروة نشاطها العسكري وقتها داخل الصومال، وقاموا بعمليات تفجير في العاصمة مقديشيو، ولكن ما هي قصة حزب الاتحاد الإسلامي الذي تستهدفه أمريكا؟!
الحركة الأصولية
نشأت الحركة الإسلامية الأصولية في الصومال في منتصف الستينات ونما تيار الإسلام السياسي خلال عهد الرئيس محمد سياد بري ككيان معارض للاشتراكية وانتشار المبادىء الملحدة في تلك الفترة، وساعد في تمويل هذا التيار منظمات إسلامية خيرية وهو ما سهل زيادة انضمام المتبعين للتيار الإسلامي الأصولي، وجعلت الحرب الأهلية المستمرة في الصومال منذ أكثر من عشر سنوات البلاد تربة خصبة لتنامي الحركات الإسلامية، وساعدهم الفراغ الدستوري الذي شهدته البلاد في تقوية طموحاتهم، وشكلوا صلات وثيقة مع الحركات الإسلامية العالمية في عدة دول مختلفة، وأبرز المنظمات الإسلامية الأصولية في الصومال هي حركة الاتحاد الإسلامي، وحركة الإصلاح الإسلامي وحركة التبليغ الإسلامي.
ولعل أهم هذه المنظمات على الإطلاق هو حزب الاتحاد الإسلامي الذي تضعه أمريكا ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في العالم ويرى المراقبون أن هذه الحزب يهدف بصفة أساسية لإقامة دولة إسلامية في القرن الأفريقي على غرار إيران وأفغانستان وذلك بالوصول إلى السلطة عن طريق العمل المسلح. وهذا ما جعل حزب الاتحاد الإسلامي يمثل خطراً بالنسبة للدول المجاورة التي أعربت عن قلقها من هذه الطموحات وأكدت دول مثل أثيوبيا أن الاتحاد الإسلامي يسعى إلى زعزعة استقرار الدول المجاورة للصومال حيث توجد منظمات مماثلة لحركته في دول مثل أثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأريتريا.
وتؤكد مصادر مهمتة بالشأن الصومالي أن هناك علاقة وثيقة تربط بين حزب الاتحاد الإسلامي والحكومة الانتقالية الحالية التي يرأسها عبدي قاسم صلاد حسن التي يعتقد أنها مدعومة من الحركات الأصولية العالمية، ولعب حزب الاتحاد الإسلامي دوراً بارزاً في ظهورها، كما يعتقد الأمريكان بوجود علاقة بين الحزب وتنظيم القاعدة.
مزاعم أمريكية
الضربة الأمريكية المتوقعة تستهدف وفق تصريحات المسؤولين الأمريكيين حزب الاتحاد الإسلامي وبعض المناطق الصومالية التي يوجد بها عناصر ومعسكرات لتنظيم القاعدة ومواقع جماعات الأصوليين الصوماليين التي تعتبرها أمريكا جماعات إرهابية. ولكن هذه الأسباب التي تأخذها أمريكا كذريعة للتدخل في الصومال قوبلت بتكذيب ورفض صومالي، حيث أكد مسؤولون صوماليون في الحكومة الانتقالية أنه لا وجود لأي قواعد أو معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة في الصومال، وأن الصوماليين لم يسمعوا بالقاعدة إلا بعد هجمات 11 سبتمبر، كما أكدوا أيضاً أنه لا وجود لأي تنظيم إسلامي على أرض الصومال، وأن هذا التنظيم تلاشى قبل مدة طويلة من تشكيل الحكومة الانتقالية الحالية بعد أن هزم على أيدي الفصائل في الشمال الشرقي والأثيوبيين المدعومين من فصائل صومالية في الجنوب الغربي، مشيرين إلى أن أتباع هذا التنظيم الموجودين حالياً عددهم قليل وليس لهم تأثير أو فاعلية.
وحول احتمال لجوء ابن لادن إلى الصومال وهو ما تروّج له أمريكا وتنشر قواتها بالقرب من الصومال من أجل منعه، استبعد المسؤولون الصوماليون دخول ابن لادن إلى الأراضي الصومالية لأنها أراض منبسطة ولا توجد بها كهوف مثل أفغانستان، كما أن ابن لادن والباقين معه من تنظيم القاعدة محاصرون بين شقي الرحى في أفغانستان إلى الدرجة التي يصعب معها خروجه منها، خاصة في ظل الرقابة الأمريكية الشديدة للحدود الأفغانية والأجواء والمناطق المجاورة.
حسابات الضربة
وتواجه الضربة الأمريكية للصومال عدة حسابات لا بد أن تضعها الإدارة الأمريكية في حسبانها قبل اتخاذ أي قرار بشأنها، فأولاً: ضرب الصومال دون وجود دلائل قوية على المزاعم الأمريكية سيضع الإدارة الأمريكية في موقف بالغ الحرج أمام الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي الذي لا يبدي تأييداً فيما عدا دول قليلة مثل بريطانيا لضرب مثل هذه الدولة الفقيرة التي عانت وما زالت من الحروب الأهلية والمجاعة لسنوات طويلة، خاصة أن الحكومة الصومالية الانتقالية أبدت كامل استعدادها للتعاون مع أمريكا في منع دخول أي عناصر إرهابية، وطلبت منها فتح التحقيق بشأن الاتحاد الإسلامي والجماعات والمنظمات التي تعتبرها أمريكا إرهابية، وإعادة النظر في قرار تجميد أرصدة مؤسسة البركات الخيرية التي تعتبر المصدر الرئيسي لتحويل الأموال في الصومال.
وثانياً: الموقف العربي من ضرب الصومال والذي يقوم على أساس رفض ومعارضة الاعتداء على دولة عربية وهذا ما أكدته الجامعة العربية والحكومات العربية المختلفة في أكثر من تصريح رسمي، كما أن الشارع العربي سينفجر بالغضب إذا وجهت أمريكا ضربتها للعراق أو للصومال، خاصة أن السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية أحدثت صدى سلبياً لها وسط الرأي العام العربي.
حسابات خاصة
وبغض النظر عن الاعتبارات والحسابات السابقة فإن هناك حسابات أمريكية خاصة وهي:
1 العقدة الأمريكية نحو الصومال والتي لم تنفك بعد، منذ تعرضت قواتها لخسائر بشرية أثناء وجودها في الصومال عام 1993م، ولذلك فهناك مخاوف أمريكية من أن تنزلق أمريكا مرة أخرى في دوامة الصراع الإقليمي في الصومال وتلحق بقواتها خسائر أخرى.
2 على الرغم من وجود عدة محاذير حول الضربة إلا أن الاستراتيجية الأمريكية التي تغيّرت بعد 11 سبتمبر ترى ضرورة توجيه ضربة لمواقع الإرهاب في الصومال، فهي ترى أن الصومال نموذج مماثل لأفغانستان يصلح لتنامي وازدهار الجماعات الإرهابية، في ظل حكومة صورية ضعيفة في الصومال تدعمها حركات إسلامية ولا تستطيع إحكام سيطرتها على الأراضي الصومالية، فهي لا تسيطر سوى على أجزاء من العاصمة مقديشيو وبعض الأقاليم في جنوب البلاد، في حين تخضع باقي الأراضي لسيطرة العديد من القبائل والجماعات المتناحرة والمتصارعة، وهناك مخاوف أمريكية من تنامي الحركات الأصولية الإسلامية الموجودة في الصومال وخاصة حزب الاتحاد الإسلامي في ظل هذا المناخ.
3 النجاح الذي حققته القوات الأمريكية في أفغانستان وتحطيمها لأسطورة المجاهد الأفغاني أكسبها ثقة زائدة في المكاسب التي يمكن تحقيقها بالحرب الجوية دون الحاجة للزج بقواتها البرية في معارك خطرة.
4 يبدو أن قرار توجيه ضربة للصومال قد حسم أمريكيا، ولكن الإدارة الأمريكية تبحث الوقت المناسب لتوجيه الضربة حتى لا تستعدي الرأي العام العالمي ضدها، خاصة أن العالم بعد أيام سيستعد للاحتفال بذكرى الميلاد التي تكثر فيها الدعوات والمناداة بالحب والسلام بين شعوب العالم، وأي عمل عسكري من جانب أمريكا ضد شعب ضعيف كالصومال في مثل هذه المناسبة سيقابل باستنكار عالمي كبير.. كما أن العالم الإسلامي مقبل على الاحتفال بمناسبة مهمة أيضاً وهي عيد الفطر المبارك.. فهل ستعجِّل أمريكا بالضربة قبل هذه المناسبات أم تؤجلها لموعد آخر؟
سيناريوهات الضربة
يؤكد المحللون أن التجربة الأمريكية الفاشلة في الصومال سابقاً ستجعلها تتجنب الاشتباك المباشر مع الصوماليين حرصاً على أراوح القوات الأمريكية، وفي ضوء هذا يحتمل أن تلجأ أمريكا إلى عدة طرق في هجومها على الصومال هي: أولاً: فإن نجاح الحرب الجوية في كل من صربيا وأفغانستان سيرجح استخدامها في الصومال في حالة ضربها، وقد بدأت القوات الأمريكية تنتشر بالفعل بالقرب من المياه الإقليمية للصومال، كما أن هناك قواعد أمريكية في دول الخليج وفي المحيط الهادىء يمكن استخدامها في القصف الجوي.
وثانياً: من المحتمل أن تلعب أثيوبيا نفس الدور الذي لعبته باكستان في حرب أفغانستان، لوجود مصالح كثيرة لها في الصومال ولرغبتها في التخلص من حزب الاتحاد الإسلامي الذي يهدد مصالحها، حيث ستفتح أثيوبيا مجالها الجوي للطائرات الأمريكية وتضع امكاناتها في خدمة القوات والقواعد الأمريكية التي ستقوم على أراضيها لضرب الصومال.
ثالثاً: فإن انتشار الفقر ووجود فصائل وقبائل كثيرة متصارعة في الصومال ومعظمها يعادي حزب الاتحاد الإسلامي سيساعد أمريكا على إقامة تحالف مع هذه القبائل والفصائل التي يمكن اختراقها بسهولة وشراء زعمائها بالأموال الأمريكية لتلعب دوراً مشابها لدور تحالف الشمال في أفغانستان، وتكون بديلاً للقوات الأمريكية على أرض الصومال وتقاتل وتزحف على المواقع التي تستهدفها الضربة الأمريكية في ظل الغطاء الجوي الأمريكي.
ربعاً: قد تلجأ أمريكا أيضاً إلى إغراء بعض الزعماء المحليين بالمال والمناصب الموعودة ليكونوا حلفاء ووكلاء لها في حربها ضد الجماعات التي تستهدفها، ويقودوا الحرب البرية لتحقيق النصر وتشكيل حكومة موالية لأمريكا فيما بعد.
سيناريوهات وبدائل متعددة أمام أمريكا في ضربتها للصومال وكلها سهلة وممكنة التحقيق في ضوء الإمكانات والقدرات الأمريكية الهائلة، ولكن المؤكد أن الضربة القادمة للصومال لن تكون حرباً شاملة ولكنها ستقتصر على أهداف ومناطق معينة للقضاء على ما تسميه أمريكا بجذور الإرهاب، واستقرار الأوضاع بما يضمن استقرار المصالح الأمريكية في المنطقة.. ولكن متى تتم هذه الضربة؟ هذا هو السؤال الذي ستجيب عنه تطورات الأحداث.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved