أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 14th December,2001 العدد:10669الطبعةالاولـي الجمعة 29 ,رمضان 1422

مقـالات

العلاج الروحي ومرتكزات الصحة النفسية
مندل بن عبد الله القباع
يستهدف العلاج الروحي أساسا تزكية النفس وتطهيرها ودعم جانب التقوى، ومقاومة جانب الرغبة الجامحة والحفاظ على فطرة الله التي فطر الناس عليها.
وهذا المنحى العلاجي لا يعني مجرد الوقوف على قهر ما هو غرائزي شهوي لكنه ينظم الممارسة السلوكية بما يحافظ على كيان الفرد وتحقيق صالح المجتمع الانساني.
ومن مفرزات هذه النمط العلاجي هو ترسيخ قوة الارادة والتحكم في الرغبة الجامحة او امكانية تأجيلها والصبر عليها، فاذا ما وصل المعالج بالمتلقي للعلاج لهذا المستوى يكون قد وصل للغاية من العلاج وهي بلوغ النضج الانفعالي. ويستهدف العلاج الروحي توجيه الانسان نحو الخير وتمثل القيم التي تقود الى الصلاح في الحياة، وتحقيق الرضا والاقبال على الانجاز المتوافق في ظل مبادىء قرآنية خالدة ترفض الانغلاق والتعصب وتدعو الى الابداع في الوفاء بمطالب الحياة المتغيرة بشرط الالتزام بالقيم المعيارية الراسخة. ويعتمد هذا النظام العلاجي على مرتكزات للصحة النفسية هي بمثابة مجموعة من الأساليب الارشادية التوجيهية التي نوجز أهمها في عجالة سريعة.
أولا: ضرورة ان يكون المعالج قدوة حسنة فلا يردد آيات تتضمن قيماً واتجاهات لا يتمثلها واقعا في سلوكه في الوقت الذي ينهى فيه القرآن الكريم عن التردي في التناقض المقيت بين القول والفعل. ويمثل رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه القدوة الحسنة في هذا المنحى، والمثل الذي يجب الاهتداء به حيث كان خلقه القرآن، ويضرب المثل بنفسه فيما يوجه به حتى يكون التوجيه ذا أثر فاعل في نفوس المتلقين.
ثانيا: ضرورة ان يستهدف المعالج بناء الشخصية الرصينة بما تتفق مع طبيعة الانسان ودعمه بما يمكنه من التحكم في سلوكه واتجاهاته.
ويحرص القرآن الكريم على تأكيد التحلي بالقيم السامية، فاذا تعرض الانسان للزلل وجب عليه ان يرجع من قريب تائبا مستغفرا ربه دواما. هذا الأسلوب الرصين يتوخاه المعالج للتمكن من ترسيخ القيم والمعايير اللازمة لتوجيه السلوك في الاتجاه الصحيح.
ثالثا: ضرورة ان يؤكد المعالج على ما يتضمنه القرآن الكريم من مواعظ وتوجيهات كريمة حسب طبيعة الموقف، وهذه الطريقة ذات المضامين المعيارية لها فوائدها لدى أغلب الناس، حيث تنفذ مباشرة الى النفس وتحدث تأثيرا عليها حتى ولو تعددت المواقف فهي طريقة فعالة لخدمة تحقيق العديد من الاهداف، مثل تطهير النفس والبدن وشحذ العقل وتنمية الفكر وتنظيم الدوافع وتعديل الاتجاهات وسلوك الأداء بما يتفق مع المبادىء القيمية المعيارية.
رابعا: ضرورة ان يعمل المعالج على محو العادات المنهجية لدى متلقي العلاج وذلك اما بالحسم القاطع او بالارتقاء التدريجي ويتوقف الأخذ بأي منهما على نوع العادة المستهدف تناولها بالعلاج، وعلى درجة أهميتها، وعلى مدى شدتها وتمكنها من النفس، وعلى مدى تأثيرها على الفرد والمجتمع.
وهذا يتوجب ان يكون المعالج على درجة من الوعي والقدرة على الاقتناع بما يمكنه من اتباع منهجية علمية رصينة تقضي بحق على سيىء العادات وتثبيت المرغوب فيها وتحويلها الى سلوك انجاز.
خامسا: ضرورة ان يتناول المعالج مضمون العلاج القرآني المناسب لكل موقف مع التوجيه للاحتمال والصمود، لأن عدم التذرع مثلا بالصبر قد يؤدي الى مزيد من العلل الجسمية والنفسية بل والى الانحرافات السلوكية.. كما يلزم على المعالج ان يوجه طاقات متلقي العلاج الى الفعاليات الصحيحة، وفيما يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير.
ان هذه المرتكزات التي تعتمد عليها وعلى مصاحباتها عملية العلاج الروحي تنأى عن تلك الممارسات التي يلجأ اليها البعض على صعيد الواقع في حياتنا الآنية مثل الكارت والدسوس اليدوية التي يدفع فيها مبالغ باهظة وما يستتبع ذلك من أمور أخرى نربأ بأنفسنا من الخوض فيها لأننا نخالها ممارسات من قبل نفر حاد عن جادة الصواب. وعن هدى الاسلام وعن سنة الحياة والمجتمع والتاريخ والانسان، وهذا يعني ضرورة توخي الحذر تجاه كل من يدعي القيام بهذا العمل لنتعرف على من يبتغي مرضاة الله وليس اشتهاء المادة. كما ذكرت فلن اتعرض لمثل هذه التصرفات خاصة لتلك التي لا توجه لصالح الأعمال.
وأعود لموضوع المقال فأذكر ان العلاج الروحي مفهوم اسلامي وثيق الصلة بين بناء الصحة النفسية في الشخصية الانسانية، وبين الصحة البدنية والمحور الأساسي في الصحة النفسية هو التأكيد على تأصيل الدوافع الايمانية التي تستند على أساس فطري في الانسان باعتبارها مرتكز الصحة والتوافق الذاتي والاجتماعي السوي، ومدعاة لأن يعيش الانسان في حدود عقيدته وقيمه وقدراته واستعداداته، وهذا هو مناط حسن التوافق مما يتيح الفرصة للانسان لتجاوز صعوبات التوافق مع مدارات الحياة اليومية خاصة ذات الجوانب الاجتماعية بما يحقق توقعات الآخرين وما ينتظره هو من نفسه، ويمكنه من التعامل السعري مع المحيط البيئي واقامة علاقات سوية وصلات مرضية. هذا هو مناط مهمة العلاج الروحي «حسن التوافق»، لأن سوء التوافق وان كان يختلف شدة وعنفا فقد يؤدي الى استعصاء العلاج كما هو متوقع منه مما يدفع الى بعض صور اللا سواء، او التردي في المشكلات الاجتماعية كما يظهر في حالات الانطواء وأشكال العدوانية وقد يبدو في صورة أشد وطأة كالوهن في استدماج الدوافع الايمانية والقيم الدينية، وهي مشكلات تعترض ارضاء حاجات الفرد ومطالبه مما ينتج عنه العلل النفسية والأزمات الاجتماعية.
ومن هنا وجب التأكيد على ان العلاج الروحي يستهدي بمبادىء وقيم الاسلام المستقاة من القرآن الكريم والتي تحث على الاخلاص والصدق والاستقامة ومراقبة الله سبحانه في السر والعلن والتزام العدل والتقوى.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved