| عزيزتـي الجزيرة
خُلق المرء المسلم تُستمد من الشرع النبوي الشريف، فالمرء المسلم عزته بتمسكه بدينه في عباداته ومعاملاته، فبحسن الخلق تسود المحبة وتهذب النفوس، ففي الحديث (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم(1)» فكليمات قلّة تزرع المحبة وتنزع الضغينة. وقد قيل:
قد يمكث الناس دهراً ليس بينهم
وِدٌّ فيزرعه التسليم واللطف(2) |
فالناظر إلى مثل هذه الآثار المترتبة والناتجة عن إحدى
خصال الأخلاق الحميدة. يتيقن لديه أن صفاء الأنفس البشرية، ونعيم الأمة المحمدية يتحقق باقتفاء النهج النبوي «وإنَّك لعلى خلق عظيم(3)».
وكم هي فرحة المرء المسلم عندما ينعم الصائمون في شهر رمضان بكثير من الأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، فالكل يتسابقون إلى كل ما يسمو بهم، عن سفاسف الأمور، ومواطن الردى، وماذا إلا أن الصائم استشعر حُرمة الصيام وعظيم أجره فلا يريد انتقاصه، ففي الحديث: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم (4)». فكفّ الجوارح عن الآثام، وحفظ اللسان عن الهذيان من كذب، وغيبة، ونميمة، وفحش وخصومة، مطلب يتأكد في هذا الشهر ففي الحديث «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه(5)».
فليس المقصود الإمساك عن المطعم والمشرب، بل يضاف إلى ذلك التخلّق بمكارم الأخلاق، واجتناب مساويها.
أرأيت من رَبَّى نفسه طيلة هذا الشهر على الخلق الحسن. هل ترى أنه منسلخ منها بعد رمضان؟ فالصوم مدرسة يتربى من خلاله المؤمن تربية فذّة في سلوكه، وتصرفاته، وعباداته، وفي جانب التكافل الاجتماعي. كل هذا يولّد مجتمعاً مترابطاً متراحماً يعكس صورة المسلم الحقيقي.
واذا عرفت أن هذا أحد المطالب الإلهية، فلا يخفى عليك أن لكل قاعدة شواذ لأنك ستجد من لايفرق بين يوم صومه ويوم فطره إما لجهله أو لأنانيته لأنه مثل هذا غالباً ما يبني علاقته على الدينار والدرهم فيسلِّم للمصلحة الدنيوية ويتركه لأجلها ويبغض ويحب من أجل ذلك. في نَهَم من الحياة لا يكاد يشبع كشارب ماء البحر لايرتوي منه. وفي الحديث «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم... إن أُعطي رضي وإن لم يُعط سخط (6)» نسأل الله السلامة.
أخي الصائم: أنت في موسم لا تدري هل تدركه في سنوات لاحقة أم لا، فاغتنم ساعاته وأيامه في إصلاح حالك، وتهذيب أخلاقك فلا يغرنك كثرة المخالف «وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله(7)»، فبادر إلى كل خير في هذا الشهر واجعله بداية لغرس مكارم الأخلاق في نفسك، لأن نفس الصائم مهيأة لذلك. من هذا المنطلق يخرج مجتمع إسلامي مثالي بأخلاقه وآدابه. واعلم أن الدين الإسلامي دخل في بعض الدول بمجرد الخلق الحسن والمعاملة الصادقة. وهذا أمر ليس بالعسير على من وفَّقه الله. وقد قيل:
البِرُّ شيء هيَّن
وجه طليق وكلام ليِّن |
ولا تحقرن من المعروف شيئاً فلو أن تلقى أخاك بوجه طليق، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم(8) . وتبسُّمك في وجه أخيك صدقة (9).
وقال جرير بن عبدالله ما لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسَّم في وجهي(10). أخي الصائم هذه صور مشرقة في جبين هذه الأمة فلتجعلها نبراساً يحتذى. فتكون عاكساً لتلك المبادىء على أهلك وولدك فيتربون وفق الأصول الصحيحة والمبادىء السامية. فالله أسأل أن يهدينا إلى صالح الأعمال وأحاسنها وأن يباعدنا عن مساوئ الأعمال إنه سميع عليم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد بن صالح بن سليمان الخزيم
ü الحواشي:
(1) رواه مسلم. (2) التمهيد (3/19). (3) سورة القلم آية (4) (4) رواه البخاري ومسلم. (5) رواه البخاري. (6) رواه البخاري. (7)سورة الأنعام آية (116) (8) رواه مسلم. (9) رواه الترمذي وصححه الألباني في الجامع الصغير (10) رواه البخاري.
|
|
|
|
|