| الثقافية
في حضرة العلماء الأفاضل وذكراهم العاطرة تتلعثم العبارات عن التعبير عن حضورهم الأمثل ومكانتهم الأثيرة في النفوس، والعالم العامل إنسان فعال في نسيج المجتمع، ومصباح يضيء للناس دروب الحياة، ويسهم في صياغة أنسجة الوعي والتربية والتعليم وذلك التوجه النبيل للعلماء العارفين والمعلمين الفضلاء جدير بالتقدير والاشادة والذكرى.
شخصيتنا واحد من فقهاء العصر أسهم في التعليم والفتوى والتوعية والارشاد والقضاء.
* ولد الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز الشثري عام 1305ه في بلدة «حوطة بني تميم».
* تلقى تعليمه الأول في الكتاتيب بالحوطة، ولدى عدد من المشائخ، منهم الشيخ عبدالرحمن بن صالح الشثري، والشيخ مطلق بن صالح بن مطلق.
*عمل فترة من الزمن في التجارة، ثم انتقل من بلدة الحوطة إلى الرياض للتوسع في طلب العلم لدى عدد من علماء عصره، ومنهم الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس والشيخ سليمان بن سحمان رحمهم الله .
قام حفيده الدكتور محمد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري بتأليف كتاب يتناول سيرة جده الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب ورحلته العلمية والعملية وحياته الاجتماعية بعنوان «إتحاف اللبيب في سيرة الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب».
* يتحدث لنا الدكتور محمد الشثري عن الجانب التربوي والعلمي والعملي للشيخ عبدالعزيز أبو حبيب الشثري رحمه الله (1):
( الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب الشثري يرجع نسبه إلى قبيلة قحطان، القبيلة المشهورة في الجزيرة العربية، وكان أجداد شيخنا بإمارة أفلاج اليمامة حتى بداية القرن الحادي عشر الهجري، حيث انتقلوا إلى بلدة الحوطة، وقد اشتهر من أجداده علماء أجلاء.
ولد شيخنا في الحوطة عام 1305ه وتعلم مبادئ القراءة والكتابة في بلده ، ثم انتقل إلى الرياض حيث درس على كبار العلماء مثل الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ سعد بن عتيق،والشيخ حمد بن فارس، والشيخ عبدالله بن راشد. وكان من زملائه في تلك الفترة سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ، والشيخ عبدالله العنقري وفي سنة 1337ه عينه الملك عبدالعزيز قاضياً لقبائل قحطان في نجد والمهاجرة في وادي الرين وما حوله، وكانت هذه القبائل في تلك السنة قد تركوا البادية وأقبلوا على تعلم الدين. وكان شيخنا رحمه الله ينتقل بينهم من قرية إلى قرية معلماً ومرشداً محتسباً ما ناله في سبيل الله من تعب وصعوبات في تفهيم العوام وتفقيههم، وكانت دروسه اليومية من الصباح إلى الظهر، ومن المغرب إلى العشاء واستمر على هذا طول مكوثه في الرين سبعاً وثلاثين سنة، فنفع الله به خلقاً كثيراً.
وفي عام 1373ه نقله الملك سعود للتدريس في كلية الشريعة بالرياض واستمر على طريقته في التدريس في بيته وفي مساجد الرياض وقد تخرج عليه مجموعة من العلماء منهم سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ نائب المفتي العام للمملكة والشيخ عبدالله بن جبرين، والشيخ عبدالله المحمود قاضي قطر، وابنه والدي معالي الشيخ ناصر الشثري المستشار بالديوان الملكي.
ومن الصفات العالية التي اتصف بها الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب، الشجاعة البدنية والأدبية. أما الشجاعة البدنية فتتمثل في مشاركته في غزوات توحيد المملكة منذ عام 1320ه بعد فتح الملك عبدالعزيز للرياض.
أما الشجاعة الأدبية فقد كان الشيخ يبذل النصح والتوجيه للخلق كافة كل فيما يتعلق بعمله ولا يحدث أحداً إلا فيما يتعلق بعمله، حتى كبار المسؤولين كان يوجه إليهم النصيحة والتوجيه مبيناً لهم حكم الشرع بدليله من الكتاب والسنة، وكان يحرص على اخفاء النصيحة وعدم اشهارها، ولما عرف عنه من نصح كان له قبول تام عند ولاة البلاد لمحبتهم للناصح، وكان لا يتوقف عن بذل الشفاعة لمحتاجيها، فيبذل جاهه في قضاء حوائج الناس ومساعدة من يلجأ إليه لقاء حاجته، كما يبذل قصارى جهده في رفع الظلم عن المظلومين ومساعدة المحكومين، ويعتقد أن ذلك من الحقوق الواجبة.
وكان له الجاه والمنزلة عند الملوك وأبنائهم ويعترفون بأهليته لذلك ومن أخلاقه رحمه الله الكرم المنقطع النظير الذي يعرفه عنه الخاص والعام، وكان يحب البذل والسخاء والانفاق على المعوزين والأقارب والأصحاب والضيوف خاصة في أوقات الحاجة ومواسم الخير.
وكان يقول: الذي أنفق أحب إليّ من الذي أبقى، مع أن موارده كانت محدودة، وكان يشارك في الدعوة إلى الله من خلال إلقاء الدروس والمواعظ، ورحل مراراً للدعوة إلى الله وشارك في تأسيس العديد من المساجد وبنائها، كما كتب العديد من المواعظ التي يرسلها إلى البلدان المجاورة، وله عدد من المؤلفات بعضها يتعلق بالعقيدة وبعضها يتعلق بالأذكار وبعضها يتعلق بالمواعظ، كما له مشاركة في الفتاوى الجماعية التي يصدرها كبار العلماء في ذلك الوقت.
وكان الشيخ يحرص على قضاء شهر رمضان في الحرم الشريف لإلقاء الدروس واجابة المستفتين، وفي رمضان عام 1387ه اشتد عليه المرض في مكة فنقل إلى الرياض «المستشفى العسكري» ولما زاره الملك فيصل أشار بنقله إلى لندن للعلاج، فذهب إليها ثم توفي هناك في 17 رمضان عام 1387ه).
* في عام 1385ه جاء أحد طلبة العلم (2) من عارفي الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب ومعه واحد من الطلبة من الشباب فعرفه بالشيخ وقدمه إليه وقال له: هذا الشاب طالب يدرس في المعهد العلمي وينظم الشعر الإسلامي، ولديه مجموعة من القصائد الطيبة فما كان من الشيخ أبو حبيب إلا أن رحب بالشاعر الشاب وأطرق يصغي إليه وهو يقرأ أبياتاً من شعره في مسجد الشيخ بالعجلية وكان ذلك حافزاً لذلك الشاب إلى مواصلة طموحه العلمي والأدبي والثقافي، وهذا يدل على اهتمام الشيخ بالناشئة وتثقيفهم وتعامله الأبوي معهم في التوجيه والتعليم، وقد اضطلع بمسؤولية التعليم أداء والتزاماً في مسجده وفي معهد إمام الدعوة من عام 1374ه حتى عام 1384ه، وألقى عدداً من المحاضرات في كلية الشريعة، وامتازت أسئلته باليسر والوضوح كما لوحظ في النماذج التي عرضها كتاب «اتحاف اللبيب» المؤلف عن شخصية الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب.
* الشيخ محمد بن حسن الدريعي واحد من طالبي العلم الذين نبغوا في مدرسة الشيخ أبو حبيب ثم زاول التربية والتعليم والدعوة والارشاد وشارك بعلمه وجهده في سبيل التوجيه والتثقيف عبر المنابر والقنوات المتعددة.
يتحدث عن شيخنا الفاضل عبدالعزيز أبو حبيب فيقول: (3)
(يسرني أن أتحدث عن ذلكم العلم البارز من أعلام أمتنا الإسلامية، إنه فضيلة الشيخ العلامة عبدالعزيز بن محمد الشثري رحمة الله تعالى عليه.
هذا الرجل الذي عرفته من خلال ما قرأته عنه، بل ومن خلال لقاءاتي به رحمة الله تعالى عليه إنه رجل تميز بسعة الأفق وعمق المعرفة وقوة التحمل في ذات الله عز وجل والصدق في الكلمة وصحة الاعتقاد والعمل على ما يرضي الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما أنه يمتاز ببعد نظره في التركيز على أسباب عزة الأمة وقوتها وبقائها على الوجه الصحيح. عبدالعزيز الشثري رحمة الله تعالى عليه إنه ذلكم الذي يمتاز بأنه لم يقف على مسؤوليته الموكولة إليه في القضاء فقط. نعم لقد كلفه الإمام الراحل الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بأن يتولى القضاء في بلدة الرين، ولقد توجه إلى ذلك البلد وفيها من الأمور التي كان عليها الناس قبل معرفتهم بحقيقة الإسلام مما لم يوافق شرع الله ودينه، فلقد كانت تحكمهم آنذاك العوائد وما يسمى عندهم بالعرف. لكن الرجل رحمة الله عليه واجه ذلك الواقع بعلمه الرصين وحكمته القوية وعقله الثابت ونظرته البعيدة إلى ما تصلح به أمور العباد، واستطاع بفضل الله ثم بفضل ثقته في ربه ودينه وعلمه، ونصحه وصدقه للأمة استطاع أن يحول أولئك القوم الشاردين إلى دائرة الحق والإيمان، فأقبلوا على الدين مستقبلين له عقيدة وعبادة وشريعة وعلماً ومعرفة مما شجع ذلك الشيخ الجليل إلى أن لا يقف عند مسؤوليته في القضاء فحسب، بل لقد كان مفتياً، ولقد كان مربياً ولقد كان معلماً ولقد كان داعية إلى الله، ولقد كان آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر. ولقد كان مهتماً بالأمة فيما تصلح به أمور دنياها وآخرتها.
الإمام الشيخ عبدالعزيز الشثري رحمة الله عليه تعلم وعلم وقدوته في ذلك المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم، ذلكم لأنه استقى ذلك الأمر من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إنما بعثت معلماً» ومن قوله صلى الله عليه وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء» هذا الذي حدا بالشيخ عبدالعزيز الشثري رحمة الله عليه إلى أن يجمع إلى مسؤوليته في القضاء والفتيا مسؤوليته عن العلم والتعليم حتى إنه رحمة الله عليه أول ما بدأ عمله في مجال التعليم استأجر بيتاً في بلدة الحوطة هو وفضيلة الشيخ صالح المطلق ليعلموا في ذلك البيت أبناء المسلمين القراءة والكتابة ومبادئ العلوم الشرعية، ولقد عني رحمه الله بتأصيل علمه في أبنائه وتعليمه لأبنائه بأن بدأ بتعليم العقيدة وترسيخها في الأمة والتنبيه على ما يجرح العقيدة فضلاً عما يفسدها، وهو بذلك ينحو منحى الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب طيب الله ثراه والواقع أن الشيخ عبدالعزيز الشثري رحمه الله عندما عمل عمله ذلك ساعده على ذلك:
أولاً: علمه بأن العلم الشرعي يوجب عليه أن يعلم الناس كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
ثانياً: وقوفه على حقيقة الأمة وحاجتها إلى العلم والمعرفة.
ثالثاً: شعوره بخطر الجهل وضرره على الأمة في دنياها وآخرتها.
رابعاً: مما ساعده على المضي في هذا السبيل العظيم وتحمل المسؤولية عن تبليغ العلم ما عرفه عن ولاة أمر هذه البلاد في شخص الإمام الملك عبدالعزيز رحمه الله ثم ابنه الملك سعود رحمه الله ثم تتابع على ذلك أبناؤه الغر الميامين منهم الملك فيصل رحمة الله على الجميع. ولقد تابع مسيرتهم هذه بقوة من دافعه الإيماني وعلمه، ثم بتأييد وتقوية وشد عزيمة من قبل ولاة الأمر.
مما يشهد لولاة أمرنا في هذا البلد الأمين، أنهم عرفوا قيمة العلم والعلماء، فهم شجعوه كعالم وشجعوه كمعلم، وشجعوه كناصح للأمة وشجعوه كناصح للدولة المسلمة المباركة. والأمر الآخر الذي أذكره له رحمه الله هو دعوته إلى الله ورحلته في ذلك حتى أنه قد توجه إلى منطقة الشمال بأمر وتوجه من الإمام محمد بن ابراهيم مفتي البلاد السعودية في زمانه، ولقد اصطحب معه مجموعة من أبنائه في العلم والايمان كفضيلة الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله آل فريان، والشيخ عبدالرحمن بن محمد المقرن رحمه الله وفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، وفضيلة الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رحمه الله وفضيلة الشيخ فهد بن حُميّن «حفظه الله» هؤلاء الذين اصطحبهم معه في رحلته للدعوة إلى الله اصطحبهم لأمور:
أولاً: لأنه يعلم أن مسألة الدعوة لا تقف عند رجل واحد، بل ينبغي أن يتحملها الأبناء بعد الآباء.
وكذلك لعلمه أن التربية لأبناء المسلمين إنما تعني امتداد عمل الإسلام الذي تولاه الدعاة منذ أن بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولقد كان رحمه الله يتحمل في هذا السبيل أي في سبيل الدعوة أشياء كثيرة منها صبره على الجاهلين حتى أنه قد يسمع شيئاً مما يغضب لكنه يتحمل ويصبر قدوته في ذلك المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم. وتحمل مشقات السفر في وقت لا تعرف السيارات طريقاً إليها، فقد كان يرحل عن طريق الجمال ويشق الطرق الطويلة والوعرة، كل ذلك احتساباً للأجر عند الله عز وجل.
وأنا ممن رباهم فضيلته رحمه الله على مسألة الدعوة، ولقد حثني على ذلك حتى أنه شفع لي رحمه الله برغبة مني عندما تخرجت من كلية الشريعة عام 1385ه لدى سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم بأن ينقلوني من القضاء إلى مجال آخر وهو مجال العمل الدعوي عن طريق التعليم، وهذاما أشكر الله عليه، ثم أشكره رحمه الله وأدعو له به.
ثم إنه رحمه الله يجمع إلى عمله في الدعوة فقهه في الدعوة فهو فقيه في الدعوة كان فقيهاً فعلاً كان يدعو بالنص، وكان يدعو بدليل العقل، ولقد عرفت عنه ذلك عندما سمعته وهو يقرر عن عقيدة البعث ويقول كلماته الرصينة التي يتحدث بها عن البعث يقول: أرأيتم لو أن حاكماً من الحكام وُلي أمراً من أمور الأمة ثم ألغى السجون وألغى العقوبات وألغى المكافآت، أيستقيم له أمر؟ الجواب لا، بل تكون الحال في حالة اضطراب وتفرق وتمزق، قال ولله الحكمة البالغة وله المثل الأعلى: كيف يصح أن يخلق الله خلقاً ويكلفهم بالعبادة والأوامر والنواهي ثم لا يجعل لهم فيها جزاء وعقاباً يجازي المحسنين على احسانهم، ويعاقب المسيئين على اساءتهم. هكذا يستدل بالعقل على تقرير البعث مع ما ساقه من أدلة من قال الله وقال الرسول.
والحقيقة أن الكلام عن الشيخ عبدالعزيز الشثري كلام يطول لكنني أذكرها لكي أقول يجب على علماء المسلمين في كل مكان وزمان أن يعرفوا هذه الحقيقة، وأنهم مسؤولون أمام الله عن تبليغ العلم وعن الدعوة إلى الله ومسؤولون كذلك عن القدوة الصالحة والخلق الفاضل كما عرفنا ذلك في شيخنا صاحب الذكرى رحمة الله عليه.
أسأل الله أن يغفر له ويتغمده بواسع رحمته، وأن يوفق ولاة أمرنا الأحياء ويغفر لمن تولى أمرنا ممن سبقهم إلى الدار الآخرة. وأحمد الله الذي جعلنا تحت مظلة هذه العقيدة والشريعة بقيادة إمام المسلمين خادم الحرمين الشريفين الذي عرفناه داعياً إلى الله ومعيناً للدعاة وموجها لهم وحاميا لدعوة الإسلام).
وبعد:
فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري «أبو حبيب» عاش حياة حافلة بالعلم والفقه والدعوة والعطاء بين عام 1305 للهجرة وعام 1387 للهجرة رحمه الله.
(1) حديث مسجل يوم الأربعاء 9/2/1419ه.
(2) هو عبدالرحمن بن محمد أبا حسين رحمه الله والشاعر هو المؤلف.
(3) حديث مسجل معه عام 1419ه. لبرنامج «رجال في الذاكرة» بإذاعة الرياض.
|
|
|
|
|