| الثقافية
* حوار محمد الدبيسي:
ينتخب «محمد زايد الألمعي» لقيمة وجوده في المشهد الثقافي رؤية تناولية لما يطرحه شعراً ونثراً..
فكاتب المقالة «الساخنة» والقصيدة «المختلفة» لا يزال يراقب هذا المشهد من بعد، وإن كان يتداخل مع نسيجه الفكري، ويحمل تطلعاته وهمومه.
وظلت تجربته الغريبة في نسيج ذلك المشهد مترددة بين الصحافة والثقافة، ومؤسساتهما و«أنا» الشاعر «وهمِّ» المثقف الحقيقي..!
وكان لصوته إطلالة ولرأيه قيمة.. فيما اتفق معه، واختلف عليه...
عن الصحافة والثقافة، وعن «الألمعي» تداخلنا معه عبر هذه المواقف:
* أبدأ معك متسائلاً عبر تجربتك الصحفية المتقطعة في السنوات الماضية هل ثمة تمازج وتواصل أم مفارقة وانقطاع؟
أود أن أؤكد أنني لم أكن في يوم من الأيام صحفياً بالمفهوم المهني للصحافة وإن كنت عملت في الصحافة فذلك برؤية ومشروع ثقافي محض يتماس مع هذه المهنة المربكة للمثقف على المستوى الأخلاقي، فهذه المهنة تشترط مواقف براغماتية تتناقض من حيث المبدأ مع الالتزام الأخلاقي للمثقف وانحيازه التام إلى الحرية والابداع بصرف النظر عن أطر الصحافة الموجهة بشروط السوق وتيارات المصالح، فإذا أضفت لكل هذا ضعف النفس الانسانية والحزازات وأوهام الفاشلين بأنك تقف في طرق نجاحهم، فإنني أجزم أن أول من تعصف به الرياح هو أنا، فمن يختار طريقه بمحض ارادته لن يجعل الآخرين يختارون ساحة المعركة له، مهما كانت الأمجاد المتوخاة من هذا الصراع.
* شاعر مدنف أنت! مغامر باتجاه الجديد والجميل! تحمل «هماً» ويتأسس وعيك على قيم راقية.. ممعن الصمت! حاد المواجهة! أنى تلك من الصحفي الغارق في لجة الأخبار والتقارير؟!
لم أقبل في يوم من الأيام الاندماج في أية بيئة تتناقض مع أولوية الشاعر والكاتب والمثقف، ولذا فإنني أرغب إلى كل من يود قراءتي بطريقة صحيحة أن يتذكر هذه الأولوية التي أبني عليها قراراتي وأقدمها على مصالحي المادية والمعنوية، سواء في الوظيفة أو في علاقاتي مع الآخرين،ولذا فإن عملي في الصحافة كان يرتكز على هذا الرهان وابتعادي أيضاً عن الصحافة كان في ذلك السياق ولو بطريقة غير مباشرة، وفي اعتقادي أنه لولا أجواء التسفيه للثقافة في الأوساط الصحفية من قبل الداخلين من أبواب أخرى إلى العمل الصحفي، وكذلك من قبل بعض الجيوب الاجتماعية ومثقفي السماع والقيل والقال في المجالس، لأمكن المثقف أن يكون بسهولة صحفياً ولكن العكس غير ممكن، هذا إذا افترضنا توفر المناخ الحر للعمل الصحفي، ووجود تراتب منطقي في المسؤوليات، بعيداً عن الانتهازية والادعاء التي كثيراً ما نراها للأسف في أوساط الصحافة المحلية، وعلى كل حال أعتقد أنني أنهيت تجربتي مع الصحافة إلى الأبد فلا يمكن لإنسان أن يكون مستقلاً في منظومة غير مستقلة.
* طرحكم الثقافي.. يتعامل مع الثقافة بمفهومها «التعريفي المنهجي» على الرغم من تغير وتطوير آليات هذا الطرح في الصحافة العربية وبروز سيماء التخصص في مضامين مقدماتها؟
قلت سابقاً إنني أحمل مشروعاً كثيراً ما توهمت بقبوله من الآخرين هنا أو هناك، وعليه فليس لدي رهان مهني يؤهلني لوظيفة ما، إن وظيفتي هي رؤيتي وموقفي، هذا من الجانب الشخصي وعليه فإن ملاحقتي لمستجدات وصل إليها الآخرون أمر مرهون بما وصلت إليه هنا في بلدي والنخب المثقفة لا تتبلور في كتل أو تيارات فالوجدان العام عندنا لا يصنعه المبدعون والمثقفون، وهذا الوجدان مختطف حتى الآن وهو وجدان معزول عن التأثر التلقائي والمباشر ويلبي تطلعاته ورغباته بوصاية وتسلط.
* ما المعوّل عليه.. لإيجاد جمهور قارئ.. ومن ثم الارتقاء بوعي هذا الجمهور؟
الإيمان المطلق بالحرية، وبث روح التسامح، وحرية الوصول إلى المعلومة، واستقلال وسائل الإعلام.. وبعد ذلك يمكن الحديث عن التفاصيل.
* يرى الناقد معجب العدواني أن لغة التعددية في مشهدنا الثقافي لغة صراخ.. لا حوار! فكيف تراه.. أنت؟
أولاً أظن معجب معجب جداً بهذا المشهد، لقد نجح الأوصياء في وضع المثقف في محكمة تدينه في اليوم ألف مرة، وصراخه الدائم أن القاضي هو الخصم، المشهد هو مستشفى المجانين، وقد اعتقل الأطباء وها هو يحاكم الأطباء بمنطق المرضى، فلا بد أن تسمع المزيد من الصراخ يا صديقي.
* تتخذ تجربتك الشعرية جادة التميز.. واعتناق رؤى الجديد في تشكلها البنائي.. على الرغم من عدم عناية النقاد بها.. ترى.. أين وقفت بك بعد هذا العمر..؟
اعتقد أن لعنة الشعر هي التي جعلتني لا أبالي بهذه النوازل التي من شأنها أن تدمر أعتى البشر، ها أنا أكتب وأقرأ وكأن لم يحدث في حياتي شيء يسلمني إلى اليأس، وأنا فرح، ومزهو بهذه القوة التي يمنحني إياها الشعر، ولو لم يكن إلا ذلك منه لكفاني.
* التجربة الروائية في المملكة.. يرى المتابعون.. أنها تماست مع التجارب الروائية العربية في نماذجها المتميزة فكيف تراها؟
الرواية ابنة المدينة فإذا خرجنا من القبيلة إلى الدولة، ومن ذوبان الفرد إلى استقلاليته، يمكننا أن نتحدث عن فنون تنهل من روح المدنية مدادها.
* الأندية الأدبية في بلادنا باعتبارها المؤسسات الرسمية التي أوكل إليها رعاية ودعم الشأن الثقافي هل أدت هذا الدور؟
لا يوجد حتى الآن ما يدل على أن تلك المهمة موكلة إليها بالفعل، ولو كان الأمر كذلك، لاستحق القائمون عليها المحاكمة والعقوبة جراء ما اقترفوا من اهمال، إن المسألة أبسط من هذا الكلام الكبير، الأندية الأدبية أشبه بامتيازات ممنوحة لرجال لهم أدوار اجتماعية وثقافية ويلبون مصالح مجتمعهم في أطر تبدو ثقافية وبريئة وقابلة للاجتهاد فإن خدموا بها الشأن الثقافي فلا مانع وإن خدموا أنفسهم وإن ناموا ولم يعملوا شيئاً لم يسألوا، المهم أن تبقى لدينا هذه الأندية حتى يحين الوقت لاستثمارها.. وهذا الوقت لم يحن بعد..
* أشرت في بعض كتاباتك إلى علاقتنا الانقطاعية مع انجاز جيل الرواد، فما الأسلوب الأمثل بنظرك للتعامل مع معطيات هذه المرحلة؟
لا أظنني أشرت بهذا الشكل المشخص، فالريادة في نظري بقدر ما تترمز في أشخاص أيضاً تراكم نسقاً ثقافياً وتؤسس لمرحلة، وهنا فإن أوضاعنا على مدى أجيال لم تؤهل السياق الثقافي إلى بلورة تراكم واستمرارية، فنحن وعلى مدى أجيال حالات متقطعة لا تتوالد من بعضها، بل إنك ترى أن عقليات بعض جيل الرواد أكثر تسامحاً وإيماناً بالحرية من مثقفي اليوم.
|
|
|
|
|