| الثقافية
ولا بد أن تكون المفردة حال كونها مآلاً للموجة الذهنية الجمالية، لا بد أن تكون في صفة ما نسميه توتُّراً معرفياً أو خَلْطاً معرفياً، وكنا قد نظرنا من قبل في فاتحة النص، وعمدنا إلى وحدة لغَويَّة بعينها لننظر في تحولها إلى بؤرة توتُّر معرفيُّة.
انظروا معي الآن:
هل وما بي سَهُوَ.. عن الفجر سرباله
وتجرح، يا شِعرُ في الفجرِ ماءً وزهرا.. |
قلنا: «عن الفجر سرباله» مجزوء يعادل ذبذبة من ذبذبات الموجة الذهنيّة الجماليّة، وهي لحظة يتحول منها نظام اللغة عن طبيعته العامة إلى طبيعة جماليّة أو تخييلية على وجه التحديد، والأمر أننا حينما باعدنا المفردات عن بعضها، قد تأخذنا الدهشة، هذا فجر وهذا سربال، إنّ طبيعة اللغة تقول لك إن هناك تلازماً معرفياً بين معنى السربال ومعنى التغطية أو السَّتر ومن ثم فإنه لا بد من استحضار فكرة الحيِّز المادِّي بعد ذلك، إننا لن نتحدث عن فكرة التغطية من غير أن ننظر في تلازمها مع فكرة الحيّز المادِّي، وبالمثل فإن طبيعة اللغة تقول إن هناك تلازماً بين فكرة الفجر وفكرة الشمول أو الإغراق إلى جنب فكرة انتفاء الحيّز المادِّي، إنما فكرة الشمول أو الإغراق هذه إذا نظرنا إليها بشيء من اللَّطافة ستَؤول إلى فكرة التغطية والسَّتر سواءً بسواء، لأن كون الزَّمان فجراً يعني أو يعطي على وجه التحديد معنى التغطية أو الحجب لما هو مظلم، كل فجر محو وتغطية وإزَاحة، إنما لفكرة مختلفة هي فكرة الإظلام، الآن هذا يعني في حقيقة الأمر أن هنا مسوِّغاً معرفياً أو أن هناك نطاقاً معرفياً مشتركاً بين فكرة المعنى في المفردة الأولى وفكرة المعنى في المفردة الثانية، هذا النطاق المشترك هو الذي يدفع توهُّم الإقحام أو العبثيَّة عن فكرة المعنى الشعري أو التخييلي، حال كون العقل ذا سندٍ جمالي، إن هذا هو عينه يعطي خلفيَّةً منطقية أو مسوِّغاً معرفيَّاً لكون المعنى الجمالي الذي يتحول إليه اللغة معنىً يأخذ صفة النظام، باعتبار شرطه يأخذ صفة الإطلاق التخيلي، باعتبار التفاوت بين وحدات المتن اللغوي حال انتظامها في عقد السياق اللغوي الجمالي، لن أتحدث الآن عن شرط النظام الذي ويأخذ المعنى الجمالي صفته من جهة إلى جانب صفة الإطلاق المخيَّل من الجهة الثانية وربما أعرض لهذا فيما بعد.
إنما الآن سنعاود النظر في فاتحة النَّص، قلنا إن بؤرة التوتر المعرفية التي غرقت فيها المفردة التي هي وحدة الإمكان اللغوي، آلت بنا إلى تحول المعنى، هذه فكرة المجاز إن المجاز كما أراه إنما هو توثُّر معرفي لوحدة الإمكان اللغوي أو المفردة على وجه التحديد ومحضن المجاز الطبيعة الجمالية للذهن الجمالي، لكن السؤال الذي ينبغي أن ننظر فيه هو التالي:تحول المعنى هذا، ما الذي أفضى إليه؟؟ أو أنه إلامَ تحوُّل المعنى؟؟ بؤرة توتُّر معرفية منها تحوُّل للمعنى، لكن هل هذا فقد في نظام اللغة وحسب أو أنه كشف لنظام خَفي مندغم في نظام ظاهر؟؟ نحن كنا نقول بمسألة الإمكان اللغوي المجازي، هذا الإمكان هو الذي نقول: إنه النظام الخفي المندغم في النظام الظاهر لطبيعةِ اللغة وهو الذي يسوِّغ فكرة تحوُّل المعنى معرفياً..
نعود الآن إلى المجزوء الأول «عن الفجر سرباله» ما هي الفكرة التي تحوَّل إليها المعنى؟؟ ما هي فكرة أن يكون الفجر ذا سربال؟؟ الفكرة ذاتها هي فكرة الخلط المعرفي التي أشرت إليها من قبل، ولا أُحبِّذ أن أتحدَّث عن الفكرة التي كانت في ذهني على وجه التحديد لحظة الصِّياغة، أو عن لحظة الإثارة التي عمدتُ فيها إلى اللغة، لأنني أرجو أن أتحدث عن تحوُّلات المعنى وأن أنظر في النص دون تضخيم عامل «أنني كاتبه» إنني أرجو النظر في موران وحدات الإمكان اللغوي كأنما أنا أقرأ نظاماً قارَّاً لم أكن الذي بنى صفة النظم فيه أو أنني لست الذي حوَّل اللغة فيه إلى صفة النسج الجمالي في سياق من التخييل،
على أي حال: أظنه ينبغي أن نستدخلَ التعالق المعرفيَّ بين شطر البيت الأول وشطره الثاني، أن نستدخل ذلك التعالق في النظر،
المطلع يقول:
هل ومابي سهو.. عن الفجر سرباله
وتجرح، يا شعر في الفجر ماءً وزهراً.. |
هاتان بؤرتا توتُّر معرفيتان متعالقتان.. إنها ليست واحدة، الأولى في صدر البيت والثانية في عجُزِه، وكنا قلنا إنَّ بؤرة التوتُّر هي المفردة أو حدة الامكان اللغوي حال وقوعها في شرط النظام أو حال وقوعها في طبيعة النظم التي هي فيها، أي أنها في الأولى «عن الفجر سرباله» وفي الثانية «في الفجرماءً وزهراً».. لن أقف الآن عند تردُّدٍ ذهني جمالي آخر أو بؤرة توتُّر معرفية أخرى في المجزوء «وتجرح يا شعر» هذه سأؤجلها لاحقاً عند النظر في فكرة «صوت النص» أونقطة ارتكازه كما أسلفت.. إنما هذه بالضرورة ترددات ذهنية جمالية هي من صفة الموجة الذهنيَّة الجمالية، فهي إذن موجة لغوية والبؤرة المعرفية المتوترة فيها هي ذبذباتها أو تردداتها، هذا تجانس لغوي كوني..
وللحديث صلة إن شاء الله..
|
|
|
|
|