| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وكل عام وانتم وقراء عزيزتي الجزيرة بخير وبعد:
بمناسبة شهر رمضان المبارك وخاصة ما يربط صيام رمضان بتمتين الروابط الاجتماعية يبدو واضحاً من خلال الاحاديث النبوية حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تأسيس المجتمع الاسلامي على أسس اجتاعية واضحة المعالم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعبادة، بحيث تصبح العلاقات الاجتماعية قربة الى الله عز وجل ويصبح السلوك الاجتماعي قائما على الاسس الايمانية غير خاضع للهوى او العادات او التقاليد لذلك نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم يربط بين الصيام وما يتبعه من افطار وبين تمتين الروابط بين افراد المجتمع الاسلامي من خلال تفطير الصائم هذا السلوك الذي يجعل ابناء الحي الواحد في القرية الواحدة اسرة واحدة ويحرص كل واحد فيها على ان يقدم لاخيه شيئا ويحرص كذلك على ان يشاطره لقمة عيشه، روى ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من الف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن من فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيىء، قالوا: يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على مذقة لبن أو شق تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائما سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة» ، ، الى آخر الحديث،
في هذا الحديث تبدو مسألة تمتين روابط المجتمع الاسلامي، ويقدم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بأن يذكر ان الذي يتقرب الى الله بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه فاذا كانت الفرائض تقتضي ثواباً عظيما لا يصل اليه التطوع، فإن الأمر في رمضان يختلف، فالمتطوع يجني من الثواب بنفس درجة القائم بالفرض في غير رمضان وهذه دعوة واضحة للتطوع في كافة المجالات سواء كان ذلك من خلال الصلاة او الذكر او الدعاء أو تلاوة القرآن، أو الصدقة التي من ضمن مظاهرها تفطير الصائم، كما يبدو ذلك من خلال الحديث،
ويقدم النبي صلى الله عليه وسلم للحديث كذلك عن مسألة تفطير الصائم بقوله «وهو شهر المواساة» أي أن هذا الشهر هو الشهر الذي تظهر فيه قضية المشاركة الاجتماعية كأوضح ما تكون، ، فاذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بشكل عام «ايما اهل قرية بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله» فإن المسألة في رمضان تكون أشد إلحاحاً وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على نفي الايمان الكامل عن الذي يبيت وجاره جوعان وهو يعلم بشكل عام، فإن الأمر يغدو في رمضان قضية لا يجوز التفريط فيها او التغاضي عنها، إن المواساة تعني أن يواسي الغني الفقير، والقادر غير القادر، والشبعان الجوعان، وهكذا،
ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على قضية أخرى وهي ان الله يزيد في رزق المؤمن في هذا الشهر وهذه اشارة واضحة الى أن ما يجود به المؤمنون في رمضان ليس من عند انفسهم بل هو مما أفاء الله به عليهم، وأن الله يوسع على المؤمنين في رمضان ليوسعوا على غيرهم كذلك، ويظهر من خلال الواقع، صدق قول النبي صلى الله عليه وسلم فإن البركة تحل على البيت المؤمن في رمضان، فنجد القليل يكفي ويحس المؤمن بطعم مختلف للطعام ويحسون كذلك باطيب طعم للطعام حينما يقتطعون منه جزءاً يهدونه الى جار فقير أو عائلة مسكينة،
ويحض النبي صلى الله عليه وسلم على تفطير الصائم ليجعل المسلمين يشعرون لحظة الافطار بالوحدة الايمانية التي تربط بينهم فالغني يشعر بالفقير فيقدم له طعاماً وهذا يعمق فيه الشعور بالاخوة، والفقير حين يجد مائدته، خلال شهر رمضان عليها من الطعام ما أهداه اليه اخوه المسلم فانه يحس انه ليس وحيداً في تلك القرية وان الذين انعم الله عليهم لم ينسوه، وهذا سيجعله يدعو لهم بالبركة والرزق وان يغفر الله لهم وبذلك يتعمق ايضا الشعور بالاخوة عند هذا الفقير فإذا غدا الى المسجد ليصلي التراويح بعد ذلك ووقف بجانب الغني فانه سيشعر بالهدوء والطمأنينة وسيقابله بالبشر والترحاب فهما قد اشتركا في طعام واحد وأديا عبادة الصيام معاً وهما يؤديان عبادة الصلاة معاً، انه حقاِ يكون مجتمعاً ايمانيا واحداً،
وإذا كان المؤمن يفعل الخير رغباً ورهباً فان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في تفطير الصائم حين يقول «وكان له مثل أجره من غير ان ينقص من أجره شيء» ترغيبا واذا كان العبد يحرص علي المغفرة والعتق من النار فان تفطير الصائم يعطيه هذه الثمرة «كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وهكذا ينجو من عذاب النار ويزيد في ميزان حسناته بالحصول على الأجر العظيم، كي يتقدم في الدرجات العلا عند الله سبحانه،
ولأن المؤمنين الذين سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث بهذا الحديث حريصون على الأجر والثواب فقد تساءلوا عن أولئك الذين لا يجدون طعاماً أو شراباً يقدمونه للصائم، وهذا دليل على وجود حالة شديدة من الفقر آنذاك، هؤلاء يقدم لهم النبي صلى الله عليه وسلم الحل، انهم يستطيعون المشاركة في هذه الظاهرة الايمانية من خلال أبسط الامور «مذقة لبن، شربة ماء، نصف تمرة» إنها أعلى درجات الايثار ان يكون الواحد لديه كوب من اللبن ليفطر عليه لا يجد غيره، ولكن جاره المؤمن لا يجد شيئاً فيقسم ذلك الكوب بينه وبينه، وبذلك يفطر الاثنان من ذلك الكوب، ولاشك أن بركة الله ستحصل في ذلك الكوب، لأن القسمة كانت خالصة لله عز وجل، والامر كذلك في كوب الماء او التمرة،
إن واقع الفقر في كثير من البلاد يجعل الانسان يحس انه لا حل لمشكلة الفقر إلا من خلال تطبيق تعاليم الإسلام، ، إن تطبيق «تفطير الصائم» في رمضان سيجعل الكثير من الاسر التي لا تجد شيئا لتفطر عليه، ويصرخ اطفالها جوعاً، سيجعلهم يجدون شيئا وكم شاهدت من الاسر يأتي رمضان عليها ولا شيء عندها لتفطر عليه وكم تكون فرحتهم حينما يجدون مؤسسة خيرية تهتم بهم وتقدم لهم وجبة الافطار أو تدعو الاطفال الى افطار جماعي، إنك تجد الفرحة تعلو وجوه أولئك الاطفال وأمهاتهم فبعضهم يكون قد مر عليه زمن لم ير الطعام الطيب لأن الأم لا تجد المال الذي تؤمن به ذلك الطعام،
إن المطلوب ان يتحول «تفطير الصائم) الى معالجة ايمانية ومشاركة فعالة في القضاء على جيوب الفقر، الى جانب تأدية الزكاة وصدقة الفطر لا ان تبقى ضمن دائرة الولائم للأصدقاء والاقارب وهو أمر مشروع وبذلك نجعل من رمضان كما طلب منا الرسول صلى الله عليه وسلم «شهر المواساة»،
مالك ناصر درار
|
|
|
|
|