| محليــات
من الواضح أنه لم يعد عند الناس والكتاب خاصة أي شيء يرددونه أو يناقشونه عن المسلسلات التلفزيونية الرمضانية. عدد قليل جدا من كتاب الزوايات والمحررين من ناقش المسلسلات التي عرضت هذا العام. فكل ما يمكن أن يقال عن هذه المسلسلات قيل في السنوات الماضية، كأنما هناك رأي عام يقول: إن هذه المسلسلات لم تقدم شيئا فنيا يمكن نقده أو مناقشته أو الإضافة إليه، فالمتفق عليه تقريبا أن كل ما جاء هذا العام هو إعادة انتاج ما سبق أن قدم في السنوات الماضية.
قبل سنوات صدمت الناس من الجرأة التي اتسمت بها هذه المسلسلات، لأن الناس لم تتعود أن تسمع نقدا صريحاً ومباشراً عن الخدمات التي تقدمها الدولة. ورغم أن المسلسلات التلفزيونية لم تأت بجديد حيث سبقتها إلى ذلك الجرائد والمجلات، ولكن نقل هذا النقد من وسيلة باردة إلى وسيلة ساخنة كان عملا مميزا بحد ذاته. ومن هذا المنطلق لا يمكن أن نرجع دهشة الكتاب وفرح الناس إلى جودة المسلسلات التلفزيونية بقدر ما يعود إلى مساحة الحرية التي منحها التلفزيون لهذه المسلسلات. على ضوء ذلك، فبطل هذا التغير هي وزارة الإعلام نفسها.
يمكن أن تستمر هذه الدهشة وهذا الفرح بنقد الخدمات لو أن العالم لا يتغير ويفرض علينا تغيره . فالخدمات التي هي الموضوع الرئيسي لهذه المسلسلات تضمحل وتتلاشى بانتقالها من يد الدولة إلى قبضة القطاع الخاص. وبالتالي يتغير مفهوم الناس تجاهها. لسوف تستيقظ الناس في صباح يوم قريب وتعرف أن الخدمات التي نحصل عليها لم تعد جزءا من خدمات الدولة لمواطنيها وإنما مقرونة بقدرة المرء على تسديد فواتيرها. مثلها مثل أي بضاعة متاحة في السوق. على قد فلوسك تأخذ. (تبغي مرسدس وإلا هونداي) عندها لن يجد الناس فنانين أو صحفيين (عرض حالجيين) يستنجدون بهم عند الشدة. ولنا في خدمات الاتصالات أكبر دليل. لقد اختفت من المسلسلات ومقالات كتاب العرض حالجية لأن أسباب تعرض المسلسلات لها اختفت. وهذا يطرح أمامنا سؤالاً عن مصير الدراما السعودية عندما تختفي مقومات وجودها الأساسية. ويعيد في الوقت نفسه فتح ملف المسرح السعودي المغيب عمدا أو جهلا. فإذا كانت الدراما التلفزيونية يمكن أن تنافس الجرائد في التعرض للخدمات، فالمسرح لا يمكن أن يقوم على هذا النوع من المواضيع لأن الناس لا يمكن أن تذهب إلى مكان مخصوص وتدفع فلوساً لتسمع من يقول لها إن خدمات القطاع الفلاني جيدة وخدمات القطاع الآخر غير كافية، ان السنوات الأربع أو الخمس القادمة حبلى بتغيرات جوهرية خاصة في ما يتعلق بنظرة الناس للدراما إن فخ معالجة القضايا الزاولية الذي حول المسلسلات التلفزيونية إلى زوايا صحفية سوف يردم ولن يجد الفنانون أمامهم سوى خيارين اما الاختفاء أو التوجه إلى الفن وتوظيف قضايا أساسية لازاولية. فالفن يقوم على نقد المجتمع لا على نقد الخدمات التي تقدم للمجتمع. هناك قضايا أساسية في صميم المجتمع هي مفاتيح الفن ووقوده. وإذا لم يسمح بطرحها فلن يكون هناك فن، طبعا لن يكون فرسان هذه القضايا كتاب العرض حالجية وإنما هي من مهام الكتاب الحقيقيين. فإذا شاهدنا هذه القضايا تطرح على صفحات الجرايد وبمساحة كافية وبوجهات نظر متعددة ومتسامحة عندها سوف نتحدث عن الفن.
|
|
|
|
|