| محليــات
وأتمَّت صاحبتي حديث الأمس فقالت: «، ، ، ولم يكن لهذا الإزعاج ما يُقلقنا ، ، ، » ذلك لأنَّ حركة العاملين تبدأ مع دويِّ آلاتهم ، ، ، ، مع «الفجر» حيث ننهض للعمل ، ، وللأمل ، ، ، غير أنَّ الأمر استفحل ، ، ببدء رمضان، ، ، فعندما نضع رؤوسنا مع إطلالة الفجر بل قبل أن يتنفَّس يبدأ «الخبط» و«الرقع» و«الحفر» ، و«التكسير»، وترتفع أصوات العاملين بلهجاتهم المختلفة تصكُّ آذاننا، ، فنطفق إلى وسائدنا نسدُّ بها آذاننا، نتقلَّب ذات اليمين ، وذات الشمال، وجارنا باسط آلاته معلناً إعماره على «حساب» راحتنا ، ،
لم ندر ما نفعل، ولم نحاول أن نفعل شيئاً ، ،
تساءلنا: أين نذهب، وإلى أيِّ الدُّور نتَّجه؟ هل نستأجر، أم نسأل بعض الأصدقاء استضافتنا؟ أم نتحمَّل؟، ، ، قرَّرنا أن «نصبر» لأنَّ في صبرنا ما يُخفِّف من الشعور بالتقصير نحو جارنا عندما جاورنا ليس بالبيت ولكن بالسَّكن ، ، ، ولكن، علمنا أنَّه قد باع البيت لغيرنا ، ، ، وأدركنا أنَّ سبب عدم إفادة «جيرتنا» ، و«شفعتنا» هو أنَّه لا «يعرفنا»، ولم يبلغه أمرنا، ولم تصل إليه رغبتنا، ، ، ، ، تفكَّرنا كثيراً في أمر «جيران» هذا الزمن الذين هم هو، ونحن، وأنتم، وتحسَّفنا على ماضي آبائنا وأجدادنا، ، ، ، وعمَّرت أنوفنا تلك الروائح الزكية للعلاقات بين النَّاس في الشارع، وفي البيوت، وفي كلِّ لحظة ومكان ، ، ، وكيف كان الجار هو الأخ، وهو الأب، وهو الشريك في السرَّاء والضرَّاء ، ، ، وعدت أفكِّر، ما دام أنْ ليس لنا علاقة بجارنا لا القديم ولا الجديد، فلماذا نتحمَّل هذا «الإزعاج» إذ من باب «أولى» أن نرفض هذا الإزعاج، فأرسلنا إليه الرُّسل أن يتوقف عن إزعاجنا في فجر رمضان إلى بعد ظهره، ، ، وأن يغيِّر مواعيد العمل إلى ساعات غير هذه الساعات، إذ لا يمكننا أن ننام في المساء كي نعوِّض هذه الساعات، إذ لو فعلنا فإنَّنا كما أضعنا أجر «الجيرة» نهاراً، وليلاً، أضعنا أجر ليالي رمضان قياماً وتعبُّداً ، ، ،
وتساءلنا : ما هذا «الغُلْب» الذي يلاحقنا، وهل أصبح الجار الذي يُفترض أن يكون مصدر راحة هو مصدر إزعاج، والذي هو مصدر للجنَّة أن يغدو مصدراً للإثم فالعقاب؟، ، ،
وضعنا أصابعنا في آذاننا، وأكفَّنا فوق أفواهنا، وأخذنا نتقلَّب في سعير القلق وعدم النوم، وكلٌّ ماض في حياته منزوع الإحساس في الإحساس، خالي الوفاض من أيِّ تفكير فيمن سواه، ، ، ، »
هذا حديث صاحبتي، ، ،
وعلى الرغم من بسط الدعوة بين يديها كي تنزل «ضيفة» «مزعجة» عليَّ لبقيَّة أيام رمضان إلاَّ أنَّها رفضت، لأنَّ صداقة هذا الزمن أيضاً ليست باليسيرة كي لا تجد غضاضة في حمل غضِّها وغضيضها كي تأوي إلى منزلي، ،
لكنَّني عدت فسألتها : جارك الذي لم يكن يعرفك، ولا علاقة بينكم وبينه، عاش ما عاش، ومضى دون أن تشعروا، وباع بيته دون أن تعلموا، وعاد البيت يُرمّم لسواه في منأى عن أيِّ موقف يُشرككم فيه بالسماح أو حتى بالاعتذار يهوِّن أمره، ، ، فأنتِ يا صاحبتي تترقبين دويَّ الترميم، وطَرْق الآلة، والمطرقة، وصوت العامل ، ، ، ، وتشعرين بالقلق وعدم الراحة، فكيف بمن لا ينامون ، ، ،
وجارهم يكتسحهم بالآلة كالحصى يفتِّت أجسادهم تحت عجلاتها وتروسها ، ،
يقتحمهم ليلاً ونهاراً ، ، ،
وهم في انتظار فجائع الموت ، ، ، والنزف ، ، ، والهدم والحريق؟!
إنَّك على أقل تقدير ، ، تملكين وسادة تضعينها فوق رأسك، ،
ولديك أصابع تسدِّين بها أذنيك، وبجوارك صديقة تدعوك لدارها لمزيدٍ من الرَّفاه ، ، ،
فكيف بمن لا يملكون لحافاً، ولا أصابع، ولا صديق،
وكلُّهم مشرَّدون في الشوارع
تحت اصطلاء زمهرير الطقس، والنَّفْس،
طقس الطبيعة، ونفس البشر ، ، بما فيهما من قسوة، ، وقوة لا يحتملها الإنسان ، ، الإنسان؟!،
|
|
|
|
|