| المجتمـع
* ابها امل القحطاني:
من الطبيعي جداً ان يفكر الانسان كثيراً قبل اتخاذه قراراً مهماً، او قبل ان يقدم على عمل يعتبره ذا خطوة بالغة في حياته، ولكن ليس من الطبيعي ان يتردد طويلاً في اي من المسالك ينبغي عليه ان يختار للوصول الى غايته، فالتردد اذا طال، مضيعة للوقت ويدخل الانسان في متاهات عديدة تؤدي به في النهاية الى ضعف شخصيته وعدم ثقته بنفسه..وكثيراً ما يلاحظ وجود التردد في مجتمعنا وخاصة لدى الاطفال..فمن أين ينبع هذا التردد..وهل لتربية الاهل والمجتمع والمدرسة اثر في ذلك..وما اثر القسوة والغلظة في حياة ابنائنا..الامر الذي يدفع بهم نحو وجهات نفسية غير محمودة ابداً كل هذا تجيب عليه الاختصاصية النفسية بكلية البنات الدكتورة امينة حسن.
ماهي عوامل واسباب التردد؟
اهم هذه العوامل هي التربية الاسرية وخاصةً عندما يفرض الاب والام على ابنائهما ان يكونوا نسخة طبق الاصل منهما فذلك يلغي استقلالية الابناء في اتخاذ القرار مبكراً وتشير الدراسات الى ان الابوين هما المسؤولان عن اصابة الطفل بالخجل والتردد دون ان يشعرا ويحدث هذا من خلال مواقف بسيطة او ملاحظات عابرة لا يشعران بتأثيرها على الطفل، من ذلك مثلاً قلق الام الزائد على طفلها ولهفتها عليه فهي لشدة حبها له تجعل عينيها دائماً على كل تصرفاته بهدف الاطمئنان عليه او حمايته وهي لا تدري انها بذلك تحول دون انطلاقه بغير قصد منها، كذلك العراك والشجار المستمر بين الاب والام يسبب مخاوف غامضة في نفس الطفل تجعله لا يشعر بالامان مما يؤثر على نفسيته ويجعله متردداً وغير واثق من تصرفاته ، ايضاً وجود مشكلة صحية او عيب خلقي لدى الطفل يجعله يشعر بانه اقل من نظرائه فيحاول الابتعاد عنهم وينعكس ذلك سلباً على تصرفاته، كما ان المقارنة بين الطفل وأحد اشقائه الذي يتفوق عليه في جانب من الجوانب يؤدي الى شعوره الشديد بالخجل والنقص في نفسه، وذلك يعكس مباشرة التردد في اقواله وافعاله، كما ان قسوة الآباء والامهات في تربية الطفل وذلك بمعاقبته لمجرد ارتكابه اي خطأ او تقصير في اداء الواجب او حصوله على درجات اقل في الامتحان وذلك يؤدي إلى ضعف الثقة في قدراته ولذا تنصح الدراسات النفسية بالتدرج في معاملة الطفل منذ ولادته والحنو عليه مما يوجد لديه احساساً بالامن والامان كما تنصح تلك الدراسات ايضاً بأهمية عدم انتقاد اي تصرف او قول خاطئ من جانب الطفل امام الآخرين حتى لا يفقد الثقة بنفسه ويصبح انساناً متردداً.
هل نستطيع القول: ان منبع التردد هو الخوف وفي هذا الاطار يمكن ان نوازيه بالجبن مثلاً؟ اعتقد انه لا يوازي الجبن فالمتردد قد يكون شجاعاً في امور ولكنه ليس جباناً وانما هو يخاف او يقلق من الخوض في تجربة جديدة لانه لم يعتد ان يكون مغامراً.
ما اثر التردد على الانسان في حياته الاجتماعية؟
اجتماعياً يؤثر التردد تأثيراً كبيراً فالطالب المتردد يفقد كثيراً من الدرجات بسبب شطب ماهو صحيح في اللحظات الاخيرة قبل تسليم الورقة فيضيع بذلك درجاته..وهذا ما ألاحظه كثيراً اثناء تصحيح لأوراق الطالبات..
كذلك الامر بالنسبة للطبيب المتردد فعند ما يقوم بتشخيص مريض قد يؤدي به الى احداث ضرر جسيم..والمعلم المتردد يمكن في تردده ان يفقد طالباً درجات مشاركته..وبصفة عامة فان الانسان المتردد انسان غير قادرعلى وضع قرارات مناسبة في حياته ولا ينجز اعمالاً كثيرة في يومه وهذا سيؤدي تماماً الى الفشل الذريع في حياته ومستقبله القادم.
هل التردد امر يعود الى الطفولة ام انه يحدث بعد لحظة الاصطدام بواقع جديد؟
قد يكون ذلك في حالات معينة، ولكنه ليس بشكل عام واريد ان اؤكد هنا ان للوضع المادي الذي يعيشه الشخص تأثيراً في هذا الجانب فاذا كان الشخص ميسوراً ربما تكون قراراته اكثر ثقة من ان يكون في موقع حرج مادياً، فاليسر في العيش يؤدي الى اتخاذ القرارات بكل ثقة والى الاقدام على كل ما يفكر به ولو باحتمال الخسارة، وفي الناحية العاطفية يكون التردد نابعاً من ازمة او فشل مر به الانسان في علاقة ما،لذلك تراه عند اقدامه للارتباط مرة اخرى يفكر الف مرة قبل حسمه القرار.
ماذا عن الطلبة والطالبات المترددين وكيف تواجهونهم..وبماذا تنصحونهم في هذا الاطار؟
إن دور المعلم لا ينحصر فقط في التعليم وانما وبشكل اساسي ايضاً في التربية ونحن غالباً ما نواجه مثل هذه الحالات ونعالجها بالتوجيه المرتكز على الثقافة العامة وبما وجهنا به ديننا الحنيف.
اما ما ننصح به الطلبة في هذا الاطار فلاشك ان للاسرة دوراً كبيراً في التربية وتوجيه الام اساسي ويجب ان يعلم الآباء ان التردد قد يكون من التعنيف او التأنيب الزائدين، كما ان الوعي الديني اساسي فالتنشئة الدينية اثرها واضح جداً في تكوين الشخصية السوية غير المعقدة والقادرة على اتخاذ القرار دون تردد لان الثقة بالله سبحانه وتعالى في هذه الحالة تكون كبيرة ونابعة من داخل الفرد.
فيتخذ قراره ويتوكل على الله وحده ويبقى ان نشير في الختام الى دور وسائل الاعلام فهي اذا كانت هادفة ومنتقاة فان لها دورً حاسماً في تكوين شخصية الابناء والمسؤولية في هذا الاطار ينبغي ان تكون مسؤولية المجتمع بأكمله، وخاصة فيما يبث لابنائنا من افلام ومسلسلات عبر الفضائيات وغيرها.
واخيراً..فإن عامل التربية الاسرية هو الاساس في انقاذ الانسان من سبل الاختلال النفسي المتعددة وبذلك فإننا نناشد اولياء الامور المربين باتباع اساليب الحوار الموجه مع ابنائهم..والتربية السليمة لهم..بما يدفع عملية التربية الى اهدافها المرجوة، الامر الذي يؤدي الى سلامة المجتمع وسلامة أبنائه من مختلف الامور والصفات غير السوية العميقة التي تخلفها القسوة والعدوان.
|
|
|
|
|