أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 12th December,2001 العدد:10667الطبعةالاولـي الاربعاء 27 ,رمضان 1422

مقـالات

المركب الفلسطيني والقيادة المزدوجة واحتمالية الغرق
د. عبدالله بن سالم الزهراني
مثل معروف شائع ومتعارف عليه وهو«أنه عندما يكون هناك قائدان لمركب واحد فإنه معرَّض للغرق».
والمركب الفلسطيني هو في أساسه معطوب منذ الاحتلال الصهيوني لأراضي فلسطين ورغم المحاولات المستمرة والمضنية طوال تلك الفترة لإصلاحه، إلا أن الأوضاع الشاملة من سياسية واقتصادية وغيرها حالت دون ذلك.
وقد حانت فرصة منذعام 1991م لإصلاح هذا المركب وتعويمه مرة أخرى ليقوم بدوره بشكل أفضل إلا أن العواصف والأمواج والتيارات الهائجة أخذت تتجاذبه يمنة ويسرة وإلى الأمام والخلف وإلى الأعلى والأسفل ولكنها بشكل أكثر تنحو إلى جذبه إلى الأسفل في محاولة ليس لإعطابه وإنما لإغراقه وإنهاء دوره. هذه المحاولات بقصد من العدو ومن شبه العدو وهي بدون قصد ممن يسيئون التقدير وردود الأفعال ولكن المحصلة واحدة وإن اختلفت الوسائل.
لا أحد ينكر حق الشعوب في النضال والكفاح بالطرق المختلفة لنيل الحرية والاستقلال ودحر الاستعمار لممارسة الإرادة السياسية والقرار السياسي الحر على أرض وكيان موحد. وهذا هو ديدن الشعوب الحرة على أي بقعة من بقاع العالم والأمثلة والشواهد التاريخية كثيرة ولعل الوطن العربي له نصيب كبير منها منذ بدء حروب الفرنجة أو ما يعرف بالحروب الصليبية وحتى التحرر من نير الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي الذي جثم ردحاً من الزمن على صدور شعوب معظم الدول العربية. وكان ذلك التحرر هو نتيجة للإرادة الحرة لتلك الشعوب التي استخدمت كافة الوسائل من عسكرية باستخدام السلاح ومن اقتصادية بالإعراض عن شراء السلع لتلك الدول المستعمرة بقدر الإمكان ومن خلال الوسائل الاجتماعية من خلال الرفض للاندماج في الطرق والأنماط الاجتماعية والسلوكية التي حاول الاستعمار تطبيقها على الدول العربية التي استعمرت، ولكن قيادات مسيرة التحرر في الدول العربية، لم تغفل وسيلة الحوار السياسي والمفاوضات من أجل الحرية والاستقلال. لا تزال محاولة التحرر مستمرة وستستمر لكي يتم التحرر من الاستعمار الصهيوني الذي انقشع عن الأراضي الأردنية والمصرية ومعظم الأراضي اللبنانية ولكنه لا يزال مستمر على أراض لسوريا وأرض للفلسطينيين. ومع استمرار هذا التواجد الصهيوني على أراضي السوريين والفلسطينيين فإن الشيء المفترض والمبدأ الأساسي في هذا الإطار هو استمرار المقاومة ضد هذا الاحتلال حتى يتم نيل السيادة والحرية للشعب الفلسطيني وحتى تتم السيادة السورية على كامل الأراضي السورية.
الكيان الصهيوني جزء غريب ثقافة ودينا غرس في جسم الأمة العربية ولكن هذا الجسم لم يقبل بهذا الجزء ولا يزال مستمراً في رفضه ومحاولة لفظه رغم كل العقاقير التي تحاول التخفيف من حدة الرفض لهذا الجزء لأن هذا الجزء يريد أن يكون بديلاً عن الجسم الأساسي ويريد الآخرين أن يكونوا جزءا على أفضل الأحوال، إلا أنه في أسوأها وهو ما يبدو واضحاً في السياسة الشارونية هو إنهاء هذا الجزء ومحوه من الوجود بينما كان يمثل الجسم كاملاً.
لاشك أن مسيرة التحرير لفلسطين بدأت منذ العشرينيات من القرن العشرين ومنذ الوعد المشؤوم من قبل وزير الخارجية البريطاني بالفور عام 1917م. هذا الرفض بدأ بالاحتجاجات والمناوشات مع البريطانيين الذين كانت فلسطين والأردن تحت الانتداب البريطاني. تطور الاحتجاج إلى الإضراب المشهور والتمرد الفلسطيني عام 1936م ولكنه وصل قمته في حرب 1948م. والتي كانت نقطة تحول في الصراع العربي اليهودي. دخل العرب هذه الحرب وهم ربما كانوا مستهينين بالقوة اليهودية التي كانت مدعومة من القوة البريطانية الاستعمارية. دخل العرب هذه الحرب وهم في أشد حالات الضعف لأن الكثير من الدول العربية لا زال تحت الاستعمار أو منقوصة في إرادتها السياسية، ومنقوصة في إمكاناتها الاقتصادية، التي انعكست بدورها على الإمكانات العسكرية. كانت نتيجة هذه الحرب هي فرض واقع جديد مر على الأمة العربية، وكان حلماً يهودياً ولكنه كان حلماً في وضح النهار وليس حلماً ليلياً أو حلم يقظة. هذا الحلم كان مخططاً له ومدروساً منذ منتصف القرن التاسع عشر. تحقق حلم اليهود بوجود موضع قدم لهم في فلسطين ولكنه موضع اصبح مشرعاً ومقننا نتيجة للهزيمة العربية في حرب عام 1948م ونتيجة لقرارات الأمم المتحدة التي استهلت بقرار 42 الذي يعترف بوجود الدولة اليهودية أي تقسيم فلسطين إلى قسمين عربي ويهودي أي اعتراف بدولة فلسطينية. وأسرعت الدول إلى الاعتراف بالدولة اليهودية على أرض فلسطينية واعتبروا ذلك حلا مرضياً وأن بإمكان فلسطين أن تستوعب دولتين. وكانت أولى الدول المعترفة بالدولة اليهودية هو الاتحاد السوفيتي سابقاً وتتالت الدول تباعاً في ذلك الاعتراف. لم يستوعب العرب الصدمة وربما لم يصدقوا بعد تلك الهزيمة المرة بذلك الواقع الجديد الذي اعتبروه تهديداً لهم وللقدس التي بها أولى القلبتين وثالث الحرمين، ولذلك جاء ردهم بالرفض لقرار التقسيم، وتكون مبدأ عدم القبول بوجود دولة يهودية على أرض فلسطين. ولقد حتمت الظروف في ذلك الوقت اتخاذ قرار الرفض رغم الهزيمة وهذا أمر متوقع ولو أن هناك من يترحم على ذلك القرار. على كل حال اتخذ العرب قرار الاستمرار في المقاومة دون خطة واضحة وتنسيق مبرمج بينما في المقابل بدأت تزداد القوة اليهودية عدة وعتاداً وبدأت الهجرات اليهودية المدعومة من أوربا وأمريكا وجزئياً مما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي وعلى هذا الأساس بدأت التركيبة الديموغرافية تتغير في أرض فلسطين كما بدأت المستوطنات والمدن اليهودية تزداد حجماً. أخذ العرب على حين غرة في عام 1967م وكانت هزيمة مرة استولى فيه اليهود على شبه جزيرة سيناء المصرية وعلى هضبة الجولان السورية وسمى اليهود هذه الحرب بحرب الأيام الستة بينما سماها العرب بنكبة حزيران. ورغم ذلك كله فقد ظل الأمل يحدو العرب في هزيمة الكيان الصهيوني واسترداد ما أحتل في تلك الحرب وفي تحرير فلسطين بكاملها. ودخل المصريون في حرب استنزاف مع اليهود دامت قرابة خمس سنوات ولاشك أنها كانت موجعة للكيان اليهودي وقد توجت حرب الاستنزاف تلك بحرب عام 1973م التي نظم العرب فيها صفوفهم وخططوا لها بشكل أفضل واستطاعوا أن يفاجئوا العدو وأن يزيلوا الأسطورة والهالة التي نسجها اليهود حول جيشهم والتي تقول بأنه الجيش الذي لا يقهر. دعموا تلك الهالة ببناء خط وزير الدفاع اليهودي آنذاك وأسموا ذلك الخط بخط بارليف وهو عبارة عن تحصينات ودشم من الإسمنت المغطى بالرمال الذي يصعب على الطيران والمدفعية اختراقه مع وجود أنابيب لإطلاق اللهب على قناة السويس في حالة محاولة الجيش المصري عبورها. لقد شبه اليهود ذلك الخط الدفاعي الحصين بخط ما جينوا في فرنسا. حقق العرب في ذلك الوقت بعض المكاسب من خلال الجيشين المصري والسوري المدعوم مالياً وبشكل كبير من المملكة العربيةالسعودية ودول الخليج وكذلك المشاركة العسكرية من العديد من الدول العربية على الجبهتين بما فيها الجيش السعودي. ولعل من تلك المكاسب هو استرداد مساحات من الأراضي العربية المحتلة في سيناء والجولان بالإضافة إلى تقوية المركز التفاوضي ورفع الروح المعنوية العربية واسترداد جزء من الهيبة والكرامة. وتم بعد ذلك استرجاع سيناء بكاملها وبعض من الجولان من خلال التفاوض السلمي وبقيت القضية الفلسطينية تراوح مكانها معتمدة على بعض العمليات الفدائية هنا وهناك والتي كانت في معظمها حرب استخباراتية تدور على أراض خارج فلسطين. بدأت نقطة تحول أخرى في تاريخ القضية الفلسطينية في 1991م وذلك بعد اندحار العدوان العراقي على الكويت، حيث اتفقت روسيا والولايات المتحدة على الدعوة إلى مؤتمر للسلام لحل الصراع العربي الإسرائيلي وتم الاتفاق على أن تكون الولايات المتحدة وروسيا راعيتن لهذا السلام. انعقد مؤتمر مدريد للسلام في 30 أكتوبر من عام 1991م ليستمر حتى 1 نوفمبر من نفس العام. اخذت المناقشات فيه مسارين مساراً لمفاوضات محدودة بين وفود عربية والوفد الإسرائيلي ومساراًَ يتسع لوفود عديدة تناقش قضايا إقليمية مختلفة مثل المواضيع الاقتصادية والمائية.
لم يسمح في ذلك الوقت بوفد فلسطيني منفرد للمفاوضة وإنما كان مشترطاً أن يكون مع الوفد الأردني وتمت خلال هذا المؤتمر مفاوضات سورية إسرائيلية وأردنية إسرائيلية ولبنانية إسرائيلية ولكن في هذا المؤتمر وافقت الحكومة الإسرائيلية بزعامة شامير على مقابلة الوفد الفلسطيني مفرداً. على كل حال كانت هذه أول محادثات دبلوماسية بدت جادة بين أطراف عربية عدة وبين الحكومة العبرية. انعقد هذا المؤتمر مرة ثانية في موسكو في شهر جانيوري عام 1992م. لكن لم يكن هناك ذلك التحريك الواضح في عملية السلام لأن الدور الروسي في عملية السلام ولد ضعيفاً واستمر ضعيفاً. وفي ظل هذا وذاك كان لابد للعمل من وراء الكواليس أن يلعب دوره في عملية السلام وفي تقريب وجهات النظر. انتهزت بلجيكا تلك الفرصة التي لاحت للسلام ليقوم وزير خارجيتها جون هولست بترتيب لقاء بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أسلو حيث مثَّل الاسرائيليين عضوين أكاديميين هارشفيلد وباندك بينما مثَّل الفلسطينيين أحمد قريع عضو منظمة التحرير الفلسطينية. ولكن إسحاق رابين أنضم لتلك المباحثات والمناقشات السرية التي تحدث الإعلام عنها في أرجاء العالم ولكن كانو النفي شديداً من الجانبين وبالذات الفلسطينيون الذين كان أشد حرصاً على سريّتها» واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان». لقد كان هناك امتعاض من الوفد الفلسطيني الذي يفاوض في أماكن أخرى ويسمع بالشائعات ولكن لم يمكن من معرفة حقيقة تلك الشائعات. على كل حال توجت تلك الجهود السرية بإعلان مبادئ أسلو في شهر أغسطس عام 1993م والتي وقعت في احتفال كبير في البيت الأبيض في سبتمبر عام 1993م والتي تضمنت مبدأ إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة ومبدأ الاعتراف المتبادل بالجانبين بشكل علني وصريح ومبدأ الحكم الذاتي الفلسطيني في أريحا وقطاع غزة.
وتم تبادل رسائل الاعتراف بين الجانبين في شهر سبتمبر عام 1993م حيث اعترف الرئيس ياسر عرفات بنبذ الإرهاب والعنف واعتراف بإسرائيل والعمل على إصلاح الميثاق الفلسطيني وإلغاء الفقرة التي تدعو إلى تدمير إسرائيل.
نتج عن توقيع مبادئ أسلو العديد من الاتفاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين منها توقيع اتفاقية غزة أريحا المعروفة باتفاقيات القاهرة أو أسلو الثانية عام 1994م وكذلك اتفاقيات نقل السلطات في نفس العام واتفاقية طابا عام 1995م واتفاقية إعادة الانتشار في الخليل عام 1997م واتفاقية واي رفر عام 1998 وتفاهم شرم الشيخ عام 1999م. هكذا كانت مسيرة السلام منذ عام 1991م ولكن رغم مبدأ الأرض مقابل السلام ورغم التدرج في بحث القضايا ومراحلها الثلاث التي نصت عليها مبادئ أسلو وشملت بحث الانسحابات الاسرائيلية وإعادة الانتشار وموضوع اللاجئين وموضوع القدس وموضوع الحل النهائي والدولة الفلسطينية إلا أن السلام كان جزئياً ومشوشاً ومحبطاً من غلال المماطلات اليهودية. تعاقبت الحكومات الإسرائيلية بدءاً بشامير ثم إسحاق رابين ثم نتنياهو ثم باراك وأخيراً السفاح شارون وكلها نهجت نفس النهج المتمثل في القمع وإعادة المفاوضات على أشياء تم التفاوض عليها مسبقاً ولكن الوضع تغير إلى الأسوأ في عهد شارون الذي كان متنكراً لكل مبادئ أسلو ووجد الفرصة مهيأة له للرفض بعد أن استلم وضعا محتقنا وزخم انتفاضة عارمة كان هو السبب في قدح شرارتها الأولى.
بدأ شارون يمارس هوايته الإجرامية بالبطش والقتل للمدنيين واغتيال القيادات الفلسطينية. لقد كان رافضاً للتفاوض مع الفلسطينيين ولكنه تحت ضغط معين قبل بالتفاوض ولكن بشروط تعجيزية وهو وقف إطلاق النار بشكل كامل لمدة يومين أحياناً ولكنها وصلت الآن أسبوعاً وأعلن من واشنطن أنه لن يتنازل عن هذا الشرط.
إن الوضع في الأراضي الفلسطينية ينذر بالخطر ولاشك أن البعض من الفلسطينيين أنفسهم أسهموا في ذلك.
صحيح أن الفلسطينيين بدأ يتسلل اليأس إلى نفوسهم من المماطلات اليهودية في عملية السلام ومن الوضع الاقتصادي الذي بدأ يتدهور يوماً فيوماً منذ عملية السلام ولكن الصحيح أيضاً أن العرب اعترفوا في عام 1974م بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وكذلك منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز ثم فيما بعد ذلك وخاصة بعد مؤتمر السلام كل دول العالم بما فيهم الحكومة الصهيونية. ومن المفترض أن يكون باب المنظمة مفتوحاً لكل القوى للمشاركة السياسية ضمن اطار معين ومتفق على الأقل على الحدود الدنيا منه. إن الذي يحصل في فلسطين الآن وفي داخل أراضي السلطة ينبئ عن تعدد السلطات وعن اتباع أسلوب التحرير الذي كان قائماً قبل إعلان مبادئ أسلو. وهذا المبدأ في ظل هذه الظروف يعتبر أمراً في غاية الخطورة وتبعاته خطرة خاصة وأن العالم العربي في الوقت الحاضر يمر بمنعطف خطير في ظل التهديدات الأمريكية وبرنامجها في محاربة الإرهاب وفي ظل استغلال شارون لما تقوم به الولايات المتحدة من قصف لما تسميه بقواعد الارهاب في أفغانستان ومن يأويهم. والدليل على ذلك التطبيق ما قاله في خطابه بعد عودته من زيارته الأخيرة إلى واشنطن. يقول«أنني أقول لكم من عاصمتنا الأبدية القدس أن كان من كان يختار قتلنا فإنه سيدفع الثمن، إنه مثل ما تفعل القيادة الأمريكية الشجاعة باستخدام كامل القوة في محاربة الإرهاب فإننا سنفعل كذلك وبكل الوسائل التي نملكها». وبنفس الأسلوب الأمريكي يقول«إن هذه المعركة لن تكون سهلة ولا قصيرة ولكننا سننتصر» إن العمليات الاستشهادية الأخيرة في فلسطين المحتلة أوجدت الذريعة لشارون لضرب الفلسطينيين ولقي التأييد المباشر من أمريكا بالقول بأن من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها. يقول المسؤولون الأمريكيون إننا لم نطلب من شارون ضبط النفس وعدم الرد ولكننا طلبنا منه فقط عدم استهداف المدنيين. ويقولون أيضاً: إن الإسرائيليين ليس هم من ملوا الهجمات الفلسطينية بل الأمريكيين، أيضاً. استغل اليهود تلك الحوادث إعلامياً لتصوير الفلسطينيين بالإرهابيين كما استغلوا التوجه العالمي لمكافحة الإرهاب في تصوير أنفسهم وكأنهم واقعون تحت الهجوم وليس هم من يهاجم.
إن السلطة الفلسطينية ملتزمة باتفاقيات سلام وعليها أن تسعى سياسياً إلى المزيد من التفاوض وكسب التأييد العالمي. القضية الفلسطينية أخذت أكثر من نصف قرن في حروب ولم يكن للمقاومة الفلسطينية أي دور في الداخل من خلال الكفاح المسلح. لقد أتيح للفلسطينيين بعد مبادئ أسلو أن يكون لهم تواجد سياسي وحكم ذاتي في بداية الأمر وذلك تمهيداً لأن يصبح هذا التواجد على شكل دولة. لم يحصل هذا الوضع للفلسطينيين ولم يتحقق لهم أي نوع من الحكم في أي وقت من الأوقات قبل ذلك. لقد كانت الضفة الغربية مع الأردن وقطاع غزة كان مع مصر منذ عام 1948 وبعد حرب 1967م أصبحت كل هذه المناطق تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولم تكتف بهذا بل أعلنت ضم القدس الشرقية عام 1980 وأعلنت أنها جزء لا يتجزأ من الكيان الصهيوني.
لقد كانت الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987م أكثر تنظيماً وتأثيراً ولكن انتفاضة الأقصى تجاذبتها الأهواء والاتجاهات وكثروا الربابة وتضاربت التصريحات واختلطت الأوراق. ورغم شعور كل حر وكل مسلم وكل عربي بشجاعة الشعب الفلسطيني واستعداده للتضحيات في سبيل حريته، إلا انه من الواضح أن قيادة تلك الانتفاضة لم تكن جيدة على الإطلاق. إنني لا أفهم عندما يستشهد شخص من الفلسطينيين تظهر تلك المدافع الرشاشة وأولئك الناس الملثمون ويطلقون الأعيرة النارية في الهواء بينما هم في أمس الحاجة لها عند المواجهة. ألا يدرك مثل هؤلاء كيف يستغل المغرضون والمضللون تلك التصرفات إعلامياً ويروجون بأن تلك التصرفات تدل على وجود إرهابيين بين الفلسطينيين بحكم ذلك اللثام وتلك الأسلحة التي تمركزت في العقل الباطني للكثيرين خلال الهجمات في أوروبا مثلاً في ميونخ وغيرها. كثرت الاغتيالات في الكوادر الفلسطينية بمجرد تحركهم من أماكنهم وثبت وجود كثرة عملاء مندسين في صفوف الفلسطينيين. التجمعات الكبيرة أثناء التشييع تتيح فرصة للمندسين للتخفي والتعرف على قياديي الانتفاضة والنشطين.
إن توحيد الصف الفلسطيني مطلب مهم خاصة وأن اليهود يدفعون بالوضع إلى المواجهة الفلسطينية. السلطة الفلسطينية تتعرض هذه الأيام لضغوط هائلة من العالم وعلى رأسهم أمريكا الذين يتهمون الرئيس عرفات بالضعف وعدم قدرته على السيطرة على الوضع والتصرفات الإسرائيلية والقتل اليومي المتعمد من الجيش الإسرائيلي يضغط على السلطة من خلال الاحتجاجات من الفصائل الفلسطينية المختلفة. الحكمة تقتضي التهدئة والثقة في القيادة. الشعب الفلسطيني ربما أحس خلال عملية السلام أنه أعطى أكثر مما أخذ وأن هناك تنازلات قدمتها السلطة، ولكن المؤكد أن السلطة سعت جاهدة إلى محاولة الكسب حسب الإمكانات كما ثبت أن السلطة لم تتنازل عن الثوابت الرئيسة المتمثلة في القدس واللاجئين ووجود دولة فلسطينية. لا خوف على الشعب الفلسطيني من الفناء وأصبح لدى الفلسطينيين قناعة بأن لا مكان لهم إلا أرضهم مهما كان عنف الإسرائيليين ولذلك فإن على الفلسطينيين بالصبر وما لم يتم على المدى القصير سيتم على المدى البعيد. ولكن لن تنجو السفينة الفلسطينية من الغرق إذا اشترك أكثر من ربان في قيادتها في نفس الوقت ولكنها قد تنجو بتعاقب الربابنة في أوقات مختلفة. إن على الشعب الفلسطيني بكل تنظيماته أن يستشعر الخطر وأن يتحسس المسؤولية وأن يقرأ الشارع الإسرائيلي والعربي والعالمي قراءة جيدة وأن يدرك أن شارون لن يسقط إلا بالجهود السياسية والاستمرار في مسيرة السلام والمحافظة على الثوابت وتفويت الفرصة على شارون من إغراق المركب الفلسطيني بسوء القيادة وتعددها من الجانب الفلسطيني وأن يدركوا أنه لن يضيع حق وراءه مطالب وسيرد كيد الأعداء إلى نحورهم.
zahi2000 hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved